نحنُ لم نشهد يومَ عاشوراء في كربلاء معَ الحُسين السِّبط (ع) فكيفَ يمكنُ أَن نكونَ مِمَّن يشملَنا نِداءَ الإِستغاثةِ والنُّصرةِ؟!. بالتعلُّمِ من عاشُوراء فتكونُ شخصيَّتنا حُسينيَّة، في سلوكِها ومسيرتِها التكامليَّة إِلى الله وفي أَخلاقِها وعلاقاتِها وفي المَوقعِ الذي نقفَ فيهِ وفي المسؤُوليَّة التي نتحمَّلها وفي طريقةِ تعامُلِها...
قَولُ الحسينِ السِّبط (ع) {هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَّهَ بِإِغَاثَتِنَا}.
والإِغاثةُ والنُّصرةُ على أَنواعٍ وكُلُّها بشرطِها وشروطِها.
فأَمَّا أَنواعها؛
أ/ نُصرةُ الحُسينِ السِّبط (ع) كشخصٍ بالتَّعريفِ بهِ وردِّ الشُّبُهاتِ عنهُ.
قد يتساءل أَحدٌ؛ وهل أَنَّهُ (ع) شخصٌ مجهولٌ لنُعرِّفَ العالمَ بهِ؟! أَم أَنَّ البشريَّةَ لا تعرِف مَن هوَ وما علاقتهِ برسولِ الله (ص)؟!.
والجواب؛ معَ ذلكَ فإِنَّ التَّعريفَ بشخصهِ (ع) أَمرٌ واجبٌ ومُهمٌّ يدخل في مجالِ الإِغاثةِ والنُّصرةِ.
فأَميرُ المُؤمنِينَ (ع) لم يكُن أَحدٌ يجهلهُ ويجهل علاقتهِ برسولِ الله (ص) ودورهِ في حمايةِ الرِّسالةِ وجهادهِ وتضحياتهِ لتكونَ {كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ} ولكنَّهُ لم يغفل في التَّعريفِ بنفسهِ للآخرينَ كُلَّما سنحت الفُرصة فيقولُ (ع) {ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ}.
كذلكَ الإِمام عليِّ بن الحُسين زَين العابدينَ السجَّاد (ع) فلقد بادرَ للتَّعريفِ بنفسهِ في مجلسِ الطَّاغية يزيد القاتِل بقَولهِ {أَيُّهَا النَّاسُ أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً وَمِنَّا الصِّدِّيقُ وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ ومِنَّا سيِّدةُ نساءَ العالَمِينَ وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ ومِنَّا مَهدِيُّها، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَاحْتَفَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى، أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ، وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ الْمُلْحِدِينَ، وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَتَاجِ الْبَكَّائِينَ، وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ، وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ، وَقَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ، وَمُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ، وَوَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ، وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ، وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ.
سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ، رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ، مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ، قَاطِعُ الْأَصْلَابِ، وَمُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ، أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً، وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً، وَأَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً، وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً، أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَقَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى، وَيَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ.
لَيْثُ الْحِجَازِ، وَكَبْشُ الْعِرَاقِ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ، خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ، مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا، وَمِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا، وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ}.
ب/ نصرتهُ كسيرةٍ ومنهجٍ ومُنطلقاتٍ وأَدواتٍ وأَهدافٍ وشِعاراتٍ.
نحنُ لم نشهد يومَ عاشوراء في كربلاء معَ الحُسين السِّبط (ع) فكيفَ يمكنُ أَن نكونَ مِمَّن يشملَنا نِداءَ الإِستغاثةِ والنُّصرةِ؟!.
بالتعلُّمِ من عاشُوراء فتكونُ شخصيَّتنا حُسينيَّة، في سلوكِها ومسيرتِها التكامليَّة إِلى الله وفي أَخلاقِها وعلاقاتِها وفي المَوقعِ الذي نقفَ فيهِ وفي المسؤُوليَّة التي نتحمَّلها وفي طريقةِ تعامُلِها مع الأَمانةِ التي تحمَّلَها الإِنسانُ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
صحيحٌ أَنَّنا لا يمكنُ أَبداً أَن نكونَ بمُواصفاتِ رجالِ كربلاء إِلَّا أَنَّ منَ المُمكنِ جدّاً أَن نقتفي أَثرهُم بالطَّريقةِ التي وردَت في قولِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) {أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه، أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ، فَوَاللَّه مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً ولَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً ولَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً ولَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً ولَا أَخَذْتُ مِنْه إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ، ولَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ}.
ج/ إِنَّ النُّصرةَ والإِعانةَ لا تتمُّ بارتقاءِ المنابرِ في قصُورِ الظَّالمينَ ومكاتبِ الفاسدينَ و[حُسينيَّاتِ] القتَلة و [مساجدِ] اللُّصوص، أَبداً، فكُلُّ هذهِ العناوين مصداقٌ لقَولِ الله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} نهى اللهُ تعالى رسولهُ الكريم (ص) أَن يحضرَ فيها ويُقيمَ فيها الصَّلاة {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
ولقد قالَ الإِمام جعفَر بن محمَّد الصَّادق (ع) {لا يُطاعُ الله مِن حيثُ يُعصى} فارتقاؤُك مَنبر الحُسين السِّبط (ع) في مجلسِ الظَّلَمة معصِيةٌ بكُلِّ المقاييسِ الدينيَّةِ والأَخلاقيَّة، ولذلكَ لا يُمكنُ أَن تُقرِّبكَ إِلى الله تعالى وإِلى أَهلِ البيتِ (ع) لماذا؟! يُجيبُ (ع) ذلكَ المُغفَّل بقولِ الله تعالى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فهَل أَنَّك تجِدُ التَّقوى بالأَعوادِ التي ترتقيها في مجلسِ اللصِّ الفاسدِ؟!.
إِنَّ من حقِّ مَن يرتقي مِنبر الحُسين السِّبط (ع) خطيباً كانَ أَو شاعراً أَو أَديباً أَو رادوداً، أَن يُتاجِرَ مع الإِمام وعاشُوراء وكربلاء ولكن بشرطِها وشروطِها، وأَكيدٌ فإِنَّ من شرُوطِها أَن لا يكونَ المجلسُ يقيمَهُ فاسدٌ ظالِمٌ فاشِلٌ تاجرَ بكُلِّ القِيم والأَخلاق وتنازلَ عن كُلِّ التزاماتهِ من أَجلِ دُنيا غيرهِ!.
حالةٌ واحدةٌ فقط يحِقُّ لهُم أَن يرتقُوا فيها المِنبر في مجلسِ الظَّالمِ؛ عندما يكونُوا مُستعدِّينَ لفضحهِ أَمامَ النَّاس وتعريتهِ على حقيقتهِ وإِزالةِ [المُقدَّس] الذي يتستَّر بهِ لخِداعِ الرَّأي العام، كما فعلَت عقيلة الهاشميِّينَ زينب بِنت عليٍّ (ع) في مجلس الطَّاغية إِبن زِياد في الكوفةِ، والسجَّاد (ع) في مجلسِ الطَّاغيةِ يزيد في الشَّام!.
أَمَّا إِذا رأَوا أَنفُسهُم أَجبنَ مِن أَن يفضحُوا الفاسِد في عُقرِ دارهِ فتجنُّبهِ تقوى! فلماذا تورِّطُونَ أَنفُسَكُم؟!.
اضف تعليق