البكاء على الحسين عليه السّلام يرمز إلى تأييد الحسين عليه السّلام في ثورته المباركة، وإعلان الثورة العاطفيّة على الظلم والظالمين، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل، والإعراب عن الأسف على عدم وجودنا في صفوف أصحاب الحسين، سادات الشهداء الخالدين، وعدم نيلنا توفيق وسعادة نصرة...
بقلم: الشيخ عبد الوهاب الكاشي
يقول الأعسم رحمه الله وهو يخاطب الحسين عليه السّلام:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
لكنما عيني لأجلك باكيه
تبتل منكم كربلاء بدم ولا
تبتل مني بالدموع الجاريه
ما وجه الصحّة، وما المبرّر في بكاء الشيعة على الحسين عليه السّلام بعد علمنا أنّ الحسين ثائر ناجح في ثورته، محقّق لكثير من أهدافه السامية في إظهار الحقّ وفضح الباطل؟ فلماذا هذا النوح والبكاء والأسى ومظاهر الحداد في كلّ عام؟
فنقول: أولاً: إنّ البكاء والتأثر على الحسين عليه السّلام ليس فرضاً إسلاميّاً، ولا واجباً شرعياً ولا ركناً من أركان التشيّع بحيث لا يتمّ بدونه ولا يتحقّق بتركه؛ وإنّما هو ظاهرة حبّ وولاء للحسين عليه السّلام، وهل يمكن أن تنزل نكبة ومصيبة بحبيب لك وعزيز عليك ثمّ لا تبكي ولا تتأثّر منها؟!
والحسين عليه السّلام حبيب كلّ مؤمن وعزيز كلّ إنسان، وقد أُصيب بأعظم المصائب وأفدح الكوارث لأجل الحقّ والعدالة؛ دفاعاً عن الإيمان والإنسانيّة، فكيف لا يبكيه أو لا يتأثّر عليه الإنسان؟!
ومع غضّ النظر عن هذا، فإنّ في البكاء عليه وجوهاً اُخرى للحسن والصحّة، نذكر بعضها فما يلي:
الوجه الأول: توقّع الثواب من الله سبحانه والأجر منه تعالى في الآخرة؛ حيث إنّ في البكاء على الحسين عليه السّلام تأسٍّ بالنبي الأكرم وأهل بيته المعصومين عليهم السّلام؛ إذ قد ثبت بالتواتر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يعلم بما جرى على الحسين عليه السّلام بعده، وبكى على مصابه في عدّة مواطن ولعن قاتليه، وعبّر عنهم بأشرار الاُمّة.
وكذلك ابنته فاطمة الزهراء والإمام أمير المؤمنين والحسن السبط عليهم السّلام، قد ثبت عنهم في الأخبار الصحيحة أنّهم بكوا على مصاب الحسين عليه السّلام كلّما تذكّروه.
وأمّا بكاء الأئمّة المعصومين على الحسين عليه السّلام بعده فمعروف مشهور، فهذا مثلاً الإمام زين العابدين عليه السّلام عاش بعد أبيه الحسين خمساً وثلاثين سنة ما قدّم بين يديه طعام ولا شراب إلّا وتذكّر أباه الحسين عليه السّلام وبكى، وهو يقول: «كيف آكل وقد قُتل أبي جائعاً؟! وكيف أشرب وقد قُتل أبي عطشان؟!».
وذاك إمامنا موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام الذي كان إذا هلّ عليه شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً حتّى تمضي منه تسعة أيّام، فإذا كان اليوم العاشر منه كان يوم بكائه ومصيبته وحزنه.
وقبله أبوه الإمام الصادق عليه السّلام الذي دخل عليه الراوي يوم العاشر من المحرّم فوجده كاسف اللون، باكياً حزيناً، وكان غافلاً عن يوم عاشوراء، فلّما سأل الإمام عليه السّلام عن السبب، قال عليه السّلام: «أوَغافل أنت عن هذا اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السّلام؟! فمَنْ جعله يوم حزنه ومصيبته جعل الله له يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه ـ إلى أن قال عليه السّلام: إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون؛ فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش».
ولا تنسى الإمام الرضا عليه السّلام الذي يقول عنه دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله: أنشدته فبكى حتّى أُغمي عليه، فأمسكته حتّى أفاق، فقال: «أنشد يا دعبل». فأنشدته فبكى حتّى أُغمي عليه ثانية، وهكذا إلى ثلاث مرّات، وهو القائل عليه السّلام: «كلّ جزع وبكاء مكروه للعبد إلّا الجزع والبكاء على الحسين عليه السّلام؛ فإنّه فيه مأجور».
فكيف لا يحسن البكاء على الحسين عليه السّلام والحزن والحداد على مصابه بعد أن بكاه النبي محمّد صلّى الله عليه وآله، وآله أهل بيت العصمة؟! وهل التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله مكروه وقبيح بعد أن أمرنا الله في كتابه العزيز بالتأسّي به على وجه عام، فقال سبحانه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا...).
وهل يسوغ للمؤمن أنْ يرغب عن التأسّي بآل البيت عليهم السّلام بعد أنْ ثبت عنده أنّ يوم الحسين عليه السّلام كان مثاراً للحزن، ومدعاة للأسى والبكاء بالنسبة لهم عليهم السّلام دائماً وفي كلّ الأحوال والمناسبات؟!
ورد في أحوال الإمام الصادق عليه السّلام أنّه كان إذا ذكر جدّه الحسين عليه السّلام أو ذُكر عنده لا يُرى ضاحكاً طيلة ذلك اليوم، وتغلب عليه الكآبة والحزن، وكان عليه السّلام يتسلّى عن المصائب التي ترد عليه من قبل الأعداء بمصائب الحسين عليه السّلام.
فمن ذلك مثلاً: لمّا أمر المنصور الدوانيقي عامله على المدينة أنْ يحرق على أبي عبد الله الصادق عليه السّلام داره، فجاءوا بالحطب الجزل ووضعوه على باب دار الصادق عليه السّلام وأضرموا فيه النار، فلمّا أخذت النار ما في الدهليز تصايحنَ العلويات داخل الدار وارتفعت أصواتهم، فخرج الإمام الصادق عليه السّلام وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق حتّى قضى عليها، فلمّا كان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلّونه فوجدوه حزيناً باكياً، فقالوا: ممّن هذا التأثر والبكاء، أمِنْ جرأة القوم عليكم أهل البيت وليس منهم بأوّل مرّة؟
فقال الإمام عليه السّلام: «لا، ولكن لمّا أخذت النار ما في الدهليز , نظرت إلى نسائي وبناتي يتراكضن في صحن الدار من حجرة إلى حجرة، ومن مكان إلى مكان هذا وأنا معهن في الدار، فتذكّرت روع عيال جدّي الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء لمّا هجم القوم عليهنَّ، ومناديهم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين».
فالغرض: إنّ البكاء على الحسين عليه السّلام والتأثر من مصائبه، وإظهار الحزن والأسى يوم قتله كلّ ذلك أمر محبوب ومرغوب فيه؛ لأنّه من التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله وبأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام، وقد قال الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في كلمته المعروفة: «شيعتنا منّا؛ يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا».
الوجه الثاني: تعظيم شعائر الحسين عليه السّلام وتعزيز عظمته وتكريم مقامه أمام الرأي العام، حيث ورد عن الرسول صلّى الله عليه وآله قوله: «ميّت لا بواكي عليه لا إعزاز له». أيّ لا احترام له، وهو أمر طبيعي؛ لأنّ القيمة المعنويّة للفقيد وعظمته الإنسانيّة تُعرف عند مَنْ لا يعرفونه من عظيم أثر فقده في نفوس عارفيه، وكلّما عظم الفقيد عظم مصابه على الناس؛ ولذا غضب رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا لم يسمع البكاء على عمّه حمزة بن عبد المطلب بعد رجوعه من معركة اُحد؛ وذلك لأنّ حمزة لم يكن عنده أحد في الدار يبكون عليه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله متأثراً، وخاصة لما سمع البكاء على الشهداء من الأنصار، قال: «ولكن عمّي حمزة لا بواكي عليه !». فلمّا سمع الأنصار بعثوا إلى دار حمزة مَنْ يبكي عليه، فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: «على مثل حمزة فلتبكي البواكي».
فلا شكّ في أنّ الميت الذي لا يُبكى لفقده ولا يُحزن على موته لا قيمة له في نظر الناس، وإنّ ذلك دليل حقارته وضعف شخصيّته ومقامه، وهذا أمر عرفي ومنطقي، وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ).
ومعلوم أنّ الغرض من بكاء السماء والأرض هو أهل السماء وأهل الأرض، أيّ أنّهم ماتوا غير مأسوف عليهم، ولم يؤثر موتهم حزناً في نفس أحد، ولا فقدهم فراغاً في الحياة بعدهم.
وهذا دليل هوانهم على الناس، واحتقارهم في نظر الناس، وانعدام احترامهم بين الناس؛ رغم قوّتهم وقدرتهم المالية، ورغم ملكهم وسلطانهم الذي كانوا قد فرضوه على الناس.
سُئل الإمام علي عليه السّلام: ما هو حسن الخلق يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السّلام: «هو أنْ تُعاشروا الناس معاشرة إنْ عشتم حنّوا إليكم، وإنْ متم بكوا عليكم».
وقد أوصى الإمام محمد الباقر عليه السّلام أنْ تستأجر له نوادب بعد موته يندبوا عليه بمنى من مكّة أيّام موسم الحجّ، ولمدّة عشر سنوات؛ إظهاراً لمقامه المجهول لدى عامّة الناس؛ بسبب ظلم الاُمويِّين واضطهادهم له عليه السّلام.
فأيّ وسيلة يمكن أن نعبّر بها عن عظم منزلة الفقيد بين أصحابه ومحبّيه أقوى دلالة وأوضح تعبيراً من البكاء عليه؟ ثمّ أيّ ظاهرة أدلّ وأوضح تعبيراً عن شديد حبّنا للفقيد وعظيم تعلّقنا به من ظاهرة البكاء عليه وجريان الدموع لموته.
وهل رأيت أو سمعت أنّ زعيماً شعبيّاً في العالم مات أو قُتل ولم يبكِ عليه أتباعه وأنصاره وشعبه، ولم يجعلوا يوم وفاته يوم حداد وأسى؟! وخاصّة إذا كان موته بصورة مفجعة وقاسية، وتُقتل أولاده وأطفاله وإخوانه وعشيرته وتُقطع رؤوسهم، وتُرض أجسادهم بحوافر الخيل، وتُحرق خيامه على نسائه، ويُنهب ثقله وو... إلى آخر ما هناك من صور إجراميّة ووحشيّة تقشعر منها الجلود وتفتت الأكباد والقلوب؟!
ولا يُقال هنا بأنّ حادثة الحسين عليه السّلام قديمة جدّاً قد مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرن، فإلى متى هذا البكاء لها والحزن عليها، وكلّ فقيد في العالم مهما عظم فإنّما يُبكى عليه لأيّام معدودة ثمّ يطوى ذكره في زوايا التاريخ وبطون الكتب؟
لأنّا نقول: أولاً: إنّ عظمة الحسين عليه السّلام تفوق عظمة كلّ عظيم في العالم بعد جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وأبيه المرتضى عليه السّلام، فقياسه على غيره من عظماء الإنسانيّة قياس مع الفارق الكبير.
وثانياً: إنّ الكيفيّة التي فُقد عليها الحسين عليه السّلام لم يُفتقد عليها حتّى الآن أيّ فقيد قطّ؛ قُتل جائعاً عطشان شعثاً، مغبراً غريباً وحيداً، ثاكلاً مكروباً مستضعفاً، يستغيث فلا يُغاث، ويستجير فلا يُجار، ويستعين فلا يُعان. يسمع ضجيج عياله وصراخ أطفاله وهم بين الآلاف من الأعداء ينتظرون منهم كلّ مكروه.
ومن الناحية الثانية ينظر إلى قومه وصحبه حوله مجزرين كالأضاحي، مع العلم بأنّ الذين قتلوه همّ اُمّة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله الذين ثار لأجلهم، وقام لإنقاذهم من الظلم والاضطهاد؛ لذلك فإنّ فقده فريد في بابه، جديد أبداً ودائماً لا يؤثر عليه مرور الزمن، ولا يخفّف من وقعه تعاقب القرون والأجيال، فهو كما قال عنه الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً: فقال بعضهم:
فقيد تعفّى كلُّ رزءٍ ورزؤهُ
جديدٌ على الأيام سامي المعالمِ
وقال الآخر:
وفجائعُ الأيام تبقى مدة وتزو
ل وهي إلى القيامة باقيهْ
وقال الآخر:
كذب الموت فالحسينُ مخلّدُ
كلّما مرّت الدهورُ تجدّدُ
وقال آخر:
مصابٌ له طاشت عقولُ ذوي الحج
إذا ما تعفّى كلُّ رزءٍ تجدّدا
لقد صُلب المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام حسب زعم المسيحيين قبل ألفي عام تقريباً، وهاهم المسيحيّون لا يزالون يجدّدون ذكرى صلبه كلّ عام، ويبكون له ويحزنون، وقد اتّخذوا من خشبة صلبه شعاراً عاماً لهم يرفعونه فوق كلّ المؤسسات والجمعيات والكنائس؛ معلنين بذلك أسفهم وحزنهم على مصابه ومأساته، مع العلم بأنّ مأساة المسيح عليه السّلام بسيطة جداً في جنب مأساة الحسين عليه السّلام. فلماذا يُلام الشيعة على حزنهم وبكائهم لمأساة الحسين عليه السّلام ولا يُلام غيرهم على الحزن والبكاء لمأساة سائر العظماء؟!
والخلاصة هي: إنّ هناك شخصيّات وحوادث في العالم لا يستطيع التاريخ هضمها، ولا الزمان إسدال الستار عليها، ولا الأجيال نسيانها؛ لسبب بسيط: وهو عقم الأيّام عن الإتيان بمثلها، وفي طليعة تلك الشخصيّات شخصيّة الحسين عليه السّلام، وفي طليعة تلك الحوادث حادثة عاشوراء.
الوجه الثالث: هو أنّ البكاء على الحسين عليه السّلام يرمز إلى تأييد الحسين عليه السّلام في ثورته المباركة، وإعلان الثورة العاطفيّة على الظلم والظالمين، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل، والإعراب عن الأسف على عدم وجودنا في صفوف أصحاب الحسين، سادات الشهداء الخالدين، وعدم نيلنا توفيق وسعادة نصرة الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء.
فيا ليتنا كنّا معك أبا عبد الله فنفوز فوزاً عظيماً. لبّيك داعي الله، إنْ لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري.
هذا لسان حال شيعة الحسين عليه السّلام في كلّ مكان وزمان، فإجابة القلب بالإيمان بمبدأ الحسين الذي قُتل لأجله، وإجابة السمع بالاستماع إلى سيرة الحسين وأقواله، وإجابة البصر سكب الدموع على مآسي الحسين عليه السّلام.
فالبكاء لكلّ واحد من هذه الأهداف والغايات الثلاث أمر طبيعي وعقلائي، وظاهرة فطريّة خيّرة من ظواهر الفطرة السليمة التي وقاها الله تعالى من نكسة القساوة والغلظة وتحجّر الضمير، وهي أخطر الأمراض النفسيّة والانحرافات الروحيّة التي يتعرّض لها بعض الأفراد، وقانا الله شرّها وهي المعبر عنها بموت القلب.
وإليك ما قاله الاُستاذ العقاد: إنّ الطبائع الآدمية قد أشربت حبّ الشهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين، وإنّما تنحرف عن سواء هذه السنّة لعوارض طارئة تمنعها أنْ تستقيم، أو من نكسة في الطبع؛ لأنّ العطف الإنساني نحو الشهداء هو كلّ ما يملك التاريخ من جزاء... الخ.
هل تتصوّر أيّها القارئ الكريم إنساناً يستمع إلى تلك المآسي الجسام التي وقعت على الحسين عليه السّلام وآله من الصغار و الكبار والرجال والنساء ولا ينكسر قلبه، ولا يتأثر وجدانه ولا يتحرّك ضميره ثمّ تعتبره إنساناً طبيعيّاً سليم الفطرة؟! كيف وقد قال الحسين عليه السّلام نفسه في المأثور عنه: «أنا قتيل العبرة، ما ذُكرت عند مؤمن إلّا استعبر».
وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: «جفاف العيون من قساوة القلوب، وما ضرب ابن آدم بعقوبة أشدّ عليه من قساوة القلب». وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بقوله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
والخلاصة: لم يجد الخبراء وعلماء النفس والأخلاق بين الصفات الإنسانية كلّها صفة أفضل وأشرف من الرحمة ورقّة القلب على الآخرين، حتّى إنّ بعض الفلاسفة عدل عن تعريف الإنسان بالحيوان الناطق، وهو التعريف المشهور، عدل عنه إلى أنّه حيوان ذو عطف؛ وعليه فلا إنسانيّة مطلقاً بدون العطف على مصائب الآخرين، وبدون الرحمة ورقّة القلب على نكبات المظلومين ومآسي المنكوبين.
والحقيقة أنّ الشيخ الأعسم رحمه الله قد مثّل في البيتين السابقين شعور كلّ إنسان سليم الفطرة تجاه الحسين عليه السّلام، حيث قال:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
لكنما عيني لأجلك باكية
تبتل منكم كربلا بدم ولا
تبتل مني بالدموع الجارية
اضف تعليق