في واقعة عاشوراء تبلورت قيم سامية تمثل ذخراً للإنسانية على مر الزمن، مثل؛ الوفاء، والتضحية، والرضا، والشجاعة، والصبر، والإيمان، وقد تجلت هذه القيم في مشاهد ومواقف بطولية تجسّدت في الرجل الشاب، والشيخ الكبير، والطفل الصغير، وفي المرأة؛ الأم، والزوجة، كما كان لقيمة العلم والمعرفة حظها الوافر من الظهور في عاشوراء...
"أفضلكم، أفضلكم معرفة".
هذا الحديث الشريف يستشهد به سماحة الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي –طاب ثراه- في ضرورة معرفة شخصية الامام الحسين، عليه السلام، ومعرفة أهدافه والقيم التي ضحى من أجلها.
ففي واقعة عاشوراء تبلورت قيم سامية تمثل ذخراً للإنسانية على مر الزمن، مثل؛ الوفاء، والتضحية، والرضا، والشجاعة، والصبر، والإيمان، وقد تجلت هذه القيم في مشاهد ومواقف بطولية تجسّدت في الرجل الشاب، والشيخ الكبير، والطفل الصغير، وفي المرأة؛ الأم، والزوجة، كما كان لقيمة العلم والمعرفة حظها الوافر من الظهور في عاشوراء، فهذه القيمة شكلت مفترق لمصيرين؛ الحق، والشهادة والخلود، ومصير الباطل، والخسران المبين، وبكل بساطة يمكن ملاحظة نموذجين في هذا الاختبار الصعب في هذه الواقعة، أحدهما؛ الحر الرياحي، القائد العسكري المتحول من نصرة الأمويين، الى نصرة ابن بنت رسول الله، وشخص آخر يُدعى عبد الله بن يزيد الجعفي، وكان يعرفه الامام الحسين، عليه السلام، كأحد الشخصيات المميزة في المجتمع آنذاك، فدعاه الى طريق الحق والخلود، فأخلد الى الأرض، مفضلاً الحفاظ على أملاكه وحياته الفانية، على الحفاظ على حياة آخر ابن بنت نبي في الارض.
السبب في أن يندفع الانسان الى هذا الطريق والمصير دون ذاك؛ العلم والمعرفة، وهذه الأزمة لم تنته مع نهاية معركة الطف، بل هي مستمرة حتى يومنا الحاضر، ولذا نجد الفقيه الشيرازي يتسائل في كتابه القيم: الامام الحسين، عظمة إلهية وعطاء بلا حدود، "من هو سيد الشهداء؟ هل عرفناه؟ هنا تكمن المشكلة"!
طريق العلم والمعرفة يؤدي الى كربلاء
اذا نجد اليوم الأجواء المشحونة بالعواطف والنشاط لإحياء أيام عاشوراء، بل وإحياء مناسبة أربعين الامام الحسين، فهي لم تصل الى هذه الدرجة من النضوج والتألق لولا الزخم العلمي والمعرفي من لدن علماء وأدباء وخطباء حافظوا على تراث الطف نابضاً طرياً كما لو أن الواقعة حصلت اليوم.
وأجدني ملزماً بالإشادة بدور كبار علماء الدين على مر العصور منذ غيبة الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، وحتى اليوم، في الحثّ على تدوين وقائع الملحمة، ثم تشجيع الخطباء والأدباء على إحياء النهضة الحسينية، مقتدين في ذلك بالإئمة الاطهار، عليهم عندما أسسوا للمجالس الحسينية، ولطريقة الرثاء بالشعر والبيان، فبرزت نجوم لامعة مثل؛ السيد الحميري في عهد الامام الصادق، ودعبل الخزاعي في عهد الامام الرضا.
ومع التطور الفكري والثقافي الحاصل في الامة، انبرى العلماء والباحثون والمفكرون منذ مطلع القرن الماضي للتأليف والتصنيف حول هذه القضية الكبرى، لتكون خطوة توعوية اخرى تعضد المنبر الحسيني بالمؤلفات والبحوث التي تسلط الضوء على خلفيات الحدث، وتثير التساؤلات عن قضايا جوهرية مثل؛ الخذلان، والجُبن، والجهل، والنفاق، كانت السبب في تلوث القلوب والنفوس في مدينة الكوفة آنذاك، بل وفي عموم البلاد الاسلامية يوم كان الامام الحسين، عليه السلام، يعيش بين أفراد الامة، وكانت السبب في وقوع تلك المأساة الكبرى.
ولنا ان نتسائل اليوم؛ ما الذي يضمن لنا عدم تكرار واقعة الطف في خذلان القيم والمبادئ؟
الإجابة أمامنا في الحديث المروي عن الإمام ا لرضا، عليه السلام، بأن "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، فسأله أحد المقربين: وكيف نحيي أمركم: قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا".
وهذه توصية واضحة وأكيدة على أهمية نشر العلم والمعرفة في طريق إحياء ثقافة وفكر أهل البيت، الى جانب إثارة العواطف والمشاعر لما تعرض له الامام الحسين، وأهل بيته في صحراء كربلاء من المحن والآلام والرزايا، مما يؤكد حقيقة التوازن بين العقل والعاطفة في فهم قيم النهضة الحسينية، وأنها "عِبرة وعَبرة"، فالعَبرة الساكبة التي تكون مشفوعة بالمعرفة الحقيقية بالامام الحسين، هي التي تكون مرحومة ومذخورة يوم القيامة، وهي التي تترك آثارها الوضعية و التكوينية في حياة الانسان.
تكريم العلماء والطلبة المتفوقين
اذا كان الكتاب والمطالعة والحفظ والبحث تمثل أدوات لتكريس الوعي الحسيني بشكل خاص والديني بشكل عام، فمن الجدير بالمؤسسات العلمية في بلادنا تكريم العلماء والطلبة المتفوقين ليستشعروا مسؤوليتهم بحمل مشعل النهضة الحسينية والتقدم بها في مسيرة الامة نحو النهوض والتنمية كونهم الطليعة الواعية والمتعلمة.
وأجد في تزامن إعلان نتائج امتحانات الثالث المتوسط، ومن ثم نتائج امتحانات المرحلة الاعدادية مع أيام ذكرى عاشوراء وشهر محرم الحرام، فرصة لتوثيق العلاقة بين العلم والمعرفة، والنهضة الحسينية، وكل ما يتعلق بها من تراث وقيم، فعندما يتسلّم الطالب او الطالبة المتفوقة هديتها التكريمية هذه الايام، سيعرفان أنهما جزء مهم من مشروع حضاري عظيم، وأنهم امتداد لعلماء عباقرة قرنوا مسيرتهم العلمية بتراث النهضة الحسينية، ولم يسمحوا بانفصالهما ابداً، وأنهم امتداد لمن كتب ودوّن وأرّخ لأحداث عاشوراء، وأن لهم الدور المفصلي في عملية التبليغ هذه عندما يرفعوا من منسوب المعرفة بالإمام الحسين، وبنهضته، والتقليل من احتمالات السقوط فيما سقط فيه أهل الكوفة بسبب الجهل بالأخلاق والدين.
اضف تعليق