والشخصيَّة الحُسينيَّة ليست هويَّة مذهبيَّة أَو دينيَّة أَو عشائريَّة وإِنَّما هي هويَّةٌ إِنسانيَّةٌ فكُلُّ مَن يتعلَّم من الحُسين (ع) وعاشوُراء ويلتزم بها كسلوكٍ فهوَ حُسينيٌّ، فلا تُشرنِقُوا كربلاء ولا تحيطُوا عاشوراء بسياجٍ فتعزلُوها ولا تهتفُوا باسمِ الشَّهيدِ دينيّاً أَو مذهبيّاً، فليكُن الحُسين السِّبط (ع) كما هوَ، للنَّاسِ كافَّةً...
قَولُ الحُسينِ السِّبط (ع) {وإِنَّما خرجتُ لطلبِ الإِصلاحِ في أُمَّةِ جَدِّي (ص)}.
الشخصيَّة الحُسينيَّة ليست إِنتماءَ هويَّةٍ فقط وإِنَّما هي سلوكٌ والتزامٌ ومنهجٌ وسيرةٌ على مُختلفِ الأَصعدةِ، وتحديداً الشيعيَّةِ منها.
ففي كتابِ [الکافي (ج۸ ص۲۲۸)] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلصُّوفِيِّ قَالَ؛ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ اَلْوَاسِطِيُّ قَالَ؛ قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ (الكاظم) عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ {لَوْ مَيَّزْتُ شِيعَتِي لَمْ أَجِدْهُمْ إِلاَّ وَاصِفَةً وَلَوِ اِمْتَحَنْتُهُمْ لَمَا وَجَدْتُهُمْ إِلاَّ مُرْتَدِّينَ وَلَوْ تَمَحَّصْتُهُمْ لَمَا خَلَصَ مِنَ اَلْأَلْفِ وَاحِدٌ وَلَوْ غَرْبَلْتُهُمْ غَرْبَلَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا كَانَ لِي.
إِنَّهُمْ طَالَ مَا اِتَّكَوْا عَلَى اَلْأَرَائِكِ فَقَالُوا نَحْنُ شِيعَةُ عَلِيٍّ، إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ}.
والشخصيَّة الحُسينيَّة ليست هويَّة مذهبيَّة أَو دينيَّة أَو عشائريَّة وإِنَّما هي هويَّةٌ إِنسانيَّةٌ فكُلُّ مَن يتعلَّم من الحُسين السِّبط (ع) وعاشوُراء ويلتزم بها كسلوكٍ فهوَ حُسينيٌّ، فلا تُشرنِقُوا كربلاء ولا تحيطُوا عاشوراء بسياجٍ فتعزلُوها ولا تهتفُوا باسمِ الشَّهيدِ دينيّاً أَو مذهبيّاً، فليكُن الحُسين السِّبط (ع) كما هوَ، للنَّاسِ كافَّةً ولتكُن كربلاء للعالَم ولتكن عاشُوراء للبشريَّة.
وبهذا الوعي عرِّفُوا عاشوراء وبهذهِ السِّعة تعاملُوا مع كربلاء وبهذا المعنى تحدَّثُوا عن الحُسين السِّبط (ع) وحركتهِ ومنطلقاتهِ وأَهدافهِ.
نعم، نحنُ أَولى بالحُسين (ع) من مفهُومِ أَنَّنا نتحمَّل المسؤُوليَّة العُظمى للإِلتزامِ بنهجهِ والدِّفاعِ عن قِيَمهِ والتَّعريفِ بتفاصيلِ سيرتهِ، بلِحاظِ الإِنتماءِ، شريطةَ أَن يكونَ حقيقيّاً وليس مُزيَّفاً وكُلُّ هذا بحاجةٍ إِلى أَن نصدُقَ القَول عندما ندَّعي بأَنَّنا حُسينيُّون، وإِلَّا فالكَذِبُ سيَبانُ ويظهرُ على وجوهِنا عندما يتناقض إِدِّعاءنا مع سلوكِنا وواقعِنا مع كلامِنا، ولقد قَالَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِه وصَفَحَاتِ وَجْهِهِ} وتلكَ هيَ المُصيبةُ الكُبرى التي يُحاسبُنا الله تعالى عليها أَشدَّ الحِساب.
يقولُ تعالى {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} فمن يَعرِف نفسهُ أَنَّهُ لا يقدِرَ على الإِلتزامِ بسلوكيَّات عاشوراء وصفاتِ كربلاء وما تميَّز بهِ الحُسين السِّبط (ع) من خُلُقٍ ومُنطلقاتٍ وأَهدافٍ وأَدواتٍ فلماذا يورِّط نفسهُ ويدَّعي بأَنَّهُ ينتمي لعاشُوراء؟!.
خاصَّةً على مُستوى مشاريعِ الإِصلاحِ والسُّلطةِ، فهما من أَكثرِ ما تتمظهر فيها الشخصيَّة الحُسينيَّة أَو بالضدِّ منها الشخصيَّة الأَمويَّة.
كيفَ نُجيزُ لأَنفسِنا أَن نُنصِّب أَنفسنا ورَثة عاشوراء ووُكلاء كربلاء وأَنصار الحُسين السِّبط (ع) لنُعلِّمَ النَّاسَ معاني النَّهضة الحُسينيَّة وقِيمَها وأَخلاقيَّاتها ومناقبيَّاتها ونحنُ نتناقض مع كُلِّ هذا بالسُّلوكِ اليَومي؟!.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ(ع) {مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ} فما بالكَ إِذا كانَ هذا المُعلِّمُ لتعليمِ النَّاسَ قِيَم عاشُوراء ودرُوس كربلاء؟!.
كيفَ سيُعلِّمهُم الكرامةَ والعزَّةَ وهو عديمُ الحرامةِ ذليلٌ؟!.
التَّعليمُ بالسِّيرةِ والتَّأديبِ بالسِّيرةِ والنُّموذجِ بالسُّلوكِ، وذلكَ هو أَعظم وأَرقى طرُق التَّعليمِ والتَّربيةِ والتَّدريبِ.
على مُستوى الإِصلاح مثلاً والذي تميَّزت بهِ كربلاء من خلالِ مَوقفِ الرَّفضِ الخالد للإِمام (ع) بإِزاء السُّلطة الغاشمة والظُّلم والتَّجاوز على حقوقِ الأُمَّة، وعلى رأسِها حقُّ الإِختيار {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} فإِنَّ عاشُوراء رسمَت خارطةَ الطَّريق للمشرُوعِ الإِصلاحي بالشَّكلِ التَّالي؛
أ/ دراسة الواقع والظُّروف بشكلٍ دقيقٍ ومِن كُلِّ جوانبِها حتَّى لا يُفاجأ المُصلح بتطوُّراتٍ ليست في الحُسبانِ أَو خارجةً عن مدارِ اهتمامهِ.
ب/ تحديدُ الخَياراتِ وانتقاءِ أَفضلِها وأَقربِها للصَّوابِ، ومِن ثمَّ إِعداد العُدَّة وتحديدِ الأَدوات بما يتناسب والمُهمَّة التي سيتصدَّى لها، معَ الأَخذِ بنظرِ الإِعتبارِ تحدِّياتها مهما كانت خطيرةً ونتائجَها مهما كانت طبيعتَها.
ج/ التَّنفيذ الدَّقيق والمُحكم حسبِ الزَّمان والمكان حتَّى لا يضطرَّ لخُطوةٍ بعدَ فواتِ الأَوانِ أَو قبل نضوجِها كما يصِفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {ومُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ}.
وهوَ الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى الإِرادةِ الصُّلبةِ والتَّصميمِ الثَّابتِ والعزيمةِ الرَّاسخةِ والصَّبرِ الجميلِ بعيدِ المدى، إِذ لا تكفي النيَّة لتحقيقِ الإِصلاحِ، كما لا تكفي لنُصرةِ المُصلحِ، فالذين كتبُوا للحُسينِ السِّبط (ع) كانُوا قد عقدُوا النيَّةَ على نُصرتهِ لكنَّهُم لم يعقدُوا العزمَ على تحقيقِ نواياهُم، فانقلبُوا وهُم يواجهُونَ أَوَّل تحدٍّ وبدَّلُوا وهُم قُبالةَ أَوَّل اختبارٍ.
يقولُ تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ}.
وكُلُّ ذلكَ بحاجةٍ إِلى وعيٍ رساليٍّ دقيقٍ يتَّكئُ على طبيعةِ العقيدةِ والهدفِ، فلا ينبغي أَن يكونَ سِنخَ الإِصلاحِ من غيرِ سنخِ العقيدةِ والهدفِ أَو مُناقضٌ لهُ، فذلكَ هو الذي يصفهُ الحُسين السِّبط (ع) بقولهِ {إِنِّي لم أَخرج أَشراً ولا بطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً}.
بمعنى آخر فإِنَّ الإِصلاح بالمفهومِ الحُسيني ليسَ حيّا الله الكان، أَو أَنَّهُ مشروعٌ عبثيٌّ ومُتقلِّب المِزاج والمُنطلقاتِ والأَهدافِ أَو ما إِلى ذلكَ، أَبداً، فالشرُّ والبطرُ والظُّلمُ عناوينَ لا مكانَ لها في قاموسِ النَّهضةِ الحُسينيَّة سواءً نجحَ المُصلِحُ في مسعاهُ أَم فشلَ، حقَّقَ هدفهُ أَم لم يُحقِّق، نجحَ في إِقناعِ المُجتمعِ بضَرورةِ التَّغييرِ والإِصلاحِ أَم لم ينجَح، فكُلُّ هذهِ المعايير لا تُغيِّر مِن جَوهرِ الحركةِ الحُسينيَّةِ الطَّابعِ والعُنوانِ ولم تُؤَثِّر على أَدواتِها وهدفِها قيدَ أَنمُلةٍ.
لذلك نُلاحظ مثلاً أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) هو أَميرُ المُؤمنِينَ(ع) لم يتغيَّر في سلوكهِ القَويم وأَهدافهِ السَّامية وأَدواتهِ الطَّاهرة، أَكانَ في السُّلطةِ أَم في المُعارضةِ، في زمنِ رسولِ الله (ص) أَم بعدهُ، في الحربِ وفي السِّلم، في المدينةِ أَم في الكُوفةِ، وهوَ ينامُ في فراشِ رسولِ الله (ص) ليُضحِّي بنفسهِ ليَحمي الرِّسالة أَم في بُستانهِ يحرث الأَرض ويزرعها.
وكذلكَ الحَسنان السِّبطان عليهِما السَّلام.
وهكذا يجب أَن تكونَ الشخصيَّة الحُسينيَّة، لا تنقلِب إِذا تقلَّبت بينَ حالٍ وآخر، كالسُّلطةِ والمُعارضةِ أَو العكس، أَو الغِنى الفَقر!.
فالَّذي يدَّعي أَنَّهُ ينتمي للحُسينِ السِّبط (ع) ثم تُغيِّرُ سلوكَهُ القَويم سلطةٌ أَو مالٌ أَو جاهٌ أَو نصرٌ أَو هزيمةٌ، فهذا يكذِبُ على نفسهِ أَوَّلاً وقبلَ أَيِّ واحدٍ آخر {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
اضف تعليق