معاني وحقيقة الإصلاح والتغيير والحرية ورفض الظلم والعبودية والوقوف بوجه الاستبداد قد رفعتها راية الاحرار في يوم عاشوراء بدماء السبط الشهيد واهل بيته واصحابه لتلاحق الفساد والظلم والطغيان في كل بقعة من بقاع الأرض، وهذا هو التجسيد الصادق لمعنى الوقوف بوجه الظالمين، وإعلان عدم الخضوع لهم...
ان الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) في يوم واقعة الطف بكربلاء، صنع حدثاً استثنائياً خارج السياقات التقليدية للزمان والمكان عبر التاريخ، ولأنه الحسين (عليه السلام)، فقد أدرك ان العالم قبل "الطف" لكي يكون ذاته بعدها، فملامح المدرسة الحسينية تشكلت وانطلقت من كربلاء الى العالم الذي حاول "الاخرون" اغراقه في مستنقع الجهل والتخلف والظلم والاستبداد.
ان معاني وحقيقة الإصلاح والتغيير والحرية ورفض الظلم والعبودية والوقوف بوجه الاستبداد قد رفعتها "راية الاحرار" في يوم عاشوراء بدماء السبط الشهيد واهل بيته واصحابه لتلاحق الفساد والظلم والطغيان في كل بقعة من بقاع الأرض، وهذا هو التجسيد الصادق لمعنى الوقوف بوجه الظالمين، وإعلان عدم الخضوع لهم، ليملك الانسان القدرة على ان يعيش حياته بكرامة وحرية.
انطلق الامام الحسين (عليه السلام) من ارثه الحضاري والفكري والتاريخي الكبير، وبشخصيته الفذة، ليصنع المجد والحضارة والتاريخ، في كل خطوة سارت به على الدرب نحو كربلاء، وهو الخلاصة من اهل البيت (عليهم السلام)، وحفيد الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صل الله عليه واله)، ولم يغمض عينيه الى مثواه الأخير ليمضي شهيداً الى الله وهو محتسباً صابراً الا بعد ان خط بدم الشهادة الدروس والعبر التي صنعت المعجزات لتبقى: "كربلاء نبراساً للمجاهدين والأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب، ومدرسة لتربية العلماء والمبلغين وحملة الأقلام".
ورغم كل الفتن والمحن التي تعرضت لها رمزية كربلاء وواقعة الطف من الاستهداف المباشر لها ولاتباع هذه المدرسة والاحرار في كل العالم، الا انها ما زالت تقارع الظلم والظالمين في كل زمان ومكان.
خصوصاً في مواجهة الدكتاتورية التي تعتبر كل ما يرتبط بنهضة الامام الحسين (عليه السلام) تهديداً وجودياً لها، وكما يعبر المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي عنها بقوله: "إن الحكومات الظالمة ترى في إقامة الشعائر الحسينية خطراً يهدد عروشها ويندد بكيانها، ولذلك لم تجد سبيلاً سوى الممانعة من إقامة هذه الشعائر المقدسة ومحاربتها بكل ما تستطيع من حول وطول، وبكل أساليب الخداع والمكر والاستهزاء والتهمة"، ولذلك حذر من تحويل: "العصاة والطغاة هذه المناسبة الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تستغل لقتل الناس الأبرياء، وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات، والاعتداء على المواكب العزائية، وتكريس الفرقة والاختلاف".
ان الصراع بين الظالم والمظلوم، والباطل والحق، والمستبدين والاحرار، ما زال مستمراً ولن ينتهي حتى تنتصر الإنسانية والفطرة السليمة لنفسها على من مارس التحريف والتخويف واستعباد الناس وسلب ما منحهم الله (عزوجل) من حقوق بالقوة والترهيب والقتل والتعذيب لأجل مصالح دنيوية لا قيمة لها.
وحتى نملك القدرة على الصمود في المعركة، التي لا تقتصر على جانب دون اخر، والانتصار فيها بنهاية المطاف، ينبغي ان نعرف المهام التي تقع على عاتقنا في السعي نحو التغيير والإصلاح، مثلما ينبغي ان ندرك ماذا أراد الامام الحسين (عليه السلام) من كل فرد فينا، وكيف يمكن لنا جميعاً ان نناصره في معركته الإصلاحية الخالدة ضد الظالمين واتباعهم، خصوصاً وان المعركة لم تنتهي ولم تضع اوزارها، وان الظالمين ما زالوا يعيثون في الأرض الفساد، وان الجهل والتخلف والفساد والعبودية والقمع والعنف ما زالت هي امراض العصر، فكيف نلبي النداء ونحن نسمع صوت الامام الحسين (عليه السلام): "الا من ناصر ينصرني".
كل انسان في العالم له القدرة في المشاركة بنهضة الامام الحسين (عليه السلام) العالمية، فهي نهضة استهدفت الإنسانية جمعاء لتخلصها من بؤسها وشقائها على يد الظالمين، ولم تكن آنية او مكانية فحسب، فالأنهار والبحيرات والمحيطات تشكلت من القطرات، فلا يستهين الانسان بعمله او بعمل الاخرين مهما كان صغيراً فهو في منظومة الامام الحسين (عليه السلام) عملاً كبيراً له الأثر في الدنيا والاخرة، والتراكم في الاعمال والافعال يصنع التغيير ويحقق الأهداف المطلوبة بشرط الاستمرار والانضباط وعد فقدان الزخم والحماسة في المسير نحو الهدف.
الخلاصة والكلمة الأخيرة لمن سعى بكل جهده وامواله ووقته في المشاركة في هذه التظاهرة الكبرى للإمام الحسين (عليه السلام)، وهي عبارة عن نصائح وتوجيهات ذكرها الامام السيد محمد الشيرازي للمخلصين والسائرين على طريق الامام الحسين (عليه السلام) في كل مكان من العالم من اجل إيصال الرسائل الحسينية لأذان وعيون وقلوب المحرومين في الأرض:
1. "ينبغي تعميم الشعائر الحسينية في كل العالم، وعبر كل وسائل البث المتطورة، والإعلام الجديد والحديث، فإن لقضية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) والشعائر الحسينية فاعلية في النفوس، وتأثيرها على الأرواح والقلوب، وقدرتها الهائلة على استعطاف الناس واستهواء الجماهير".
2. "علينا أن نبذل جهدنا في إقامة الشعائر الحسينية بشكل أحسن، وبصورة أكبر، وبشمولية أوسع، وأن نعتني بمجالس العزاء والمنبر الحسيني عناية كبرى، ونرفع من كمها وكيفها باستمرار ودوام".
3. "يلزم الاهتمام بالشعائر الحسينية بمختلف أنواعها والسعي لنشر ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية مضافاً إلى التبليغ الديني، فإن واقعة كربلاء وقصة عاشوراء وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) يلزم أن تبقى حية وفاعلة، وإن بقاء قيمها ومبادئها يكون بالمجالس والمنابر والشعائر الحسينية".
4. "ما دامت (كربلاء) حية في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للإشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والمفكرين والمثقفين والكتاب والخطباء والأدباء والشعراء والفنانين، ومركزاً للفضيلة والعفاف والإيمان والورع والأخلاق والتقوى".
5. "إن الواجب علينا، إن أردنا الله واليوم الآخر، أن نصب اهتمامنا لإحياء كربلاء مادياً ومعنوياً، وأن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدرب لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة فـ(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)".
6. "يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتوطيد الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها، وتوطيد وجودها".
7. "إذا استثمرت المجالس الحسينية باعتبارها تثير الكوامن العاطفية في النفس، وبما تحمل من التوجيه العقلي المؤثر في تغيير السلوك الإنساني، في قضاء حوائج الناس، وفي التراحم والتواد، وإنجاز الخدمات الفردية والعامة، لقضيت ملايين الحاجات في كل عام".
اضف تعليق