سعادة الدنيا والاخرة رهينة مثلث يشكل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة والطرف الثالث هو الفضيلة، وهذه أكد عليها القران الحكيم اكثر من مرة واعلنها رسول الله (ص) وامير المؤمنين(ع) قولاً ومارساها فعلاً طيلة حكومتهما المثالية الفريدة، والفضيلة هذه كانت في طليعة اهداف نهضة الامام الحسين (ع) في قيامه...
ان اصدق المشاعر وأسمى آيات الولاء هي تلك التي نتحمل من اجلها الصعاب ونقدمها هدية خالصة دون واعز قسري او طمعاً للحصول على مقابل، ويتجلى هذا في السر الالهي الذي يلهم ملايين المسلمين في احياء الشعائر الحسينية المقدسة وتجشم العناء وتحمل المخاطر والسير لأيام متواصلة في الصيف والشتاء لأداء مراسيم زيارة الاربعين للإمام الحسين (عليه السلام).
ولعله تفسير لقول الامام الصادق (عليه السلام):"ان لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ الى يوم القيامة".
ومرة اخرى تطل علينا زيارة الاربعين المباركة وفي كل مرة ينهل فيها محبو الامام قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء، وهو ما ابقى على القبس المنير لهذه الملحمة العظيمة مضيئاً يخطف الابصار عبر العصور منذ اكثر من الف وثلاثمائة سنة، وجعل الرجال يطأطأون رؤوسهم لعظمة صاحب الذكرى والمؤمنين يتزودون من هذه المدرسة الغنية لدنياهم وأخراهم.
ان ذكرى عاشوراء مرت بمسيرة طويلة من التحولات وان التضحيات التي قدمها الاسلاف والوالهون بسيد الشهداء عليه السلام هي التي اوصلت الينا تعابير هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم والاستبداد والعريقة بأهدافها المقدسة، ونحن لا يمكننا ان نعلن انتمائنا الى مدرسة الامام الحسين (عليه السلام) الالهية ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل تحقيق اهدافها السامية، فضلا عن واجبنا المقدس في ان نسلم هذه الامانة الحسينية السماوية الى ابنائنا والاجيال اللاحقة مصونة لا تشوبها شائبة كما استلمناها نحن من ابائنا واجدادنا وفي الوقت نفسه نديمها فاعلة ومحفوظة من اي زيغ او تحريف.
ان اولى مهام محبي اهل البيت عليهم السلام هي اعلاء شأن عاشوراء وثقافة عاشوراء ومواكب عاشوراء واحياء كل مايتعلق بها ويخلد ذكراها، ولا يخفى ان تلك مسالة محفوفة بالمخاطر والمشاق والصعوبات، لكنها مشاق عاقبتها الثواب الجزيل والاجر الجميل فالذين قدموا في هذا الطريق الخدمات الجليلة خالصة للإمام الحسين (عليه السلام) وتحملوا من اجل ذلك العناء والعذاب سيسجل لهم ذلك بأحرف من نور في سفر التاريخ.
وفي مثل هذا اليوم ونحن نحيا مراسيم زيارة الاربعين للإمام الحسين الذي جعله الله سبحانه وتعالى "مصباح هدى وسفينة نجاة" على ما جاء في الحديث النبوي الشريف، ينبغي لنا جميعا ان نقوم بما يريده الله تعالى ويرضاه منا، ويكون محققاً لأهداف سيد الشهداء، ولأجل ذلك لابد لنا ان نستلهم الوصايا والدروس من مراجعنا العظام ولا سيما تعاليم الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي طرح في ذلك مجموعة توصيات:
1- ترسيخ اصول العقيدة الاسلامية من التوحيد وما يتعلق به من صفات الله الثبوتية وبعثة الانبياء وما يرتبط بها وبعثة رسول الاسلام خاتم النبيين محمد (ص) وما يتصل بها، والامامة وبحوثها واثباتاتها والمعاد وشؤونه ونتائجه من الثواب والعقاب والجنة والنار.
2- تركيز الاخلاق الاسلامية التي هي الاخرى من اهداف نهضة الحسين(ع) وهو ضحى من اجلها بنفسه الشريفة واهل بيته الاطهار واكد على احيائها قولا وفعلا.
3- تعظيم الشعائر الحسينية وبناء الحسينيات واقامة مجالس العزاء والمواكب وانشاء الهيئات وتعميم مظاهر الحزن والمصيبة لأنها وسيلة مثلى لجذب الناس الى الدين ليفتحوا له عقولهم ونفوسهم ويستلهموا بسببه كل خير ويحظوا بجوامع السعادة في الدنيا والاخرة.
4- ان سعادة الدنيا والاخرة رهينة مثلث يشكل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة والطرف الثالث هو الفضيلة، وهذه اكد عليها القران الحكيم اكثر من مرة واعلنها رسول الله (ص) وامير المؤمنين(ع) قولاً ومارساها فعلاً طيلة حكومتهما المثالية الفريدة، والفضيلة هذه كانت في طليعة اهداف نهضة الامام الحسين (ع) في قيامه ضد بني امية الذين سحقوا القيم وافسدوا البلاد واذلوا العباد وفرضوا على الامة الاقتصاد البغيض والاستغلال والسياسة الظالمة حتى اصبح المظهر العام للأمة غير الذي جاء به رسول الله (ص) وبشر به العالم وطبّقه في حياته الكريمة.
وقد ورد عن الامام الصادق(ع) في ادعية عاشوراء: "اللهم ان الامة خالفت الائمة... وهجرت الكتاب الذي أمرت بمعرفته والوصي الذي أمرت بطاعته... فأماتوا الحق وعدلوا عن القسط... وتمسكوا بالباطل وضيعوا الحق...".
واذا عرف العالم اليوم ابعاد هذه المثلث "الاقتصاد السليم والسياسة العادلة والفضيلة" وفهم ابعاده ووقف على حدوده التي جاءت في الاسلام صريحة واضحة لتسابق الى اعتناق الاسلام ودخلت شرائحه في دين الله كما كانت الاقوام بالأمس تدخل الاسلام في عهد الرسول(ص) بالمدينة المنورة حتى قال الله تعالى في القران الكريم "ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجاً".
ولحماية الأمانة الحسينية فإن التيارات السياسية والدينية وقياداتها الفاعلة مدعوة اليوم وأكثر من اي يوم مضى الى المزيد من التواصل والتفاهم والتركيز على نقاط الاشتراك بينها لأن ما يجمع هذه التيارات من مرتكزات الدين وميراث التاريخ ومصالح الدنيا وتطلعات المستقبل لهي أكثر بكثير مما يفرقهم ويمزق صفوفهم.
كما ان التماسك في مجتمعنا هو الذي أفشل دائما مؤامرات الطامعين وكان وسيلة للتغلب على مصاعب الحياة ولا يزال النظام الديني المتمثل في الحوزات والمرجعيات والمساجد والهيئات يقوم بدور فعال في رص الصفوف وتوحيد الكلمة وضبط النفس والدعوة الى نبذ التفرقة الطائفية.
اضف تعليق