ثقافة عاشوراء تقوم على قيم معروفة وفريدة من نوعها، انبثقت من صلب النهضة الحسينية، وانتشرت ورسخت تصاعدياً منذ واقعة الطف وإلى يومنا هذا، قامت على مبادئ تحتجها البشرية طيلة تواجدها وبقائها قيد الاستمرار والحياة، قيم النهضة الحسينية أبرزها الإيثار، والثبات المبدئي، والتسامح، والعفو، والحرية...
ثقافة عاشوراء تقوم على قيم معروفة وفريدة من نوعها، انبثقت من صلب النهضة الحسينية، وانتشرت ورسخت تصاعدياً منذ واقعة الطف وإلى يومنا هذا، قامت على مبادئ تحتجها البشرية طيلة تواجدها وبقائها قيد الاستمرار والحياة، قيم النهضة الحسينية أبرزها الإيثار، والثبات المبدئي، والتسامح، والعفو، والحرية التي تُستَمد منها جميع القيم الإنسانية الناصعة.
لابد أن نسعى جميعا لنثر ثقافة عاشوراء وقيمها الأصيلة، وعلينا أن نجعل من هذه المناسبة فرصة لتطوير الوعي والسمو بالفكر والمعرفة من خلال المبادرات المتجددة، منها إنشاء تجمعات شبابية مهمتها ثقافية بحتة، أي أنها تحتوي على استراحة لقرّاء الكتب من الزوار الكرام، كذلك تقديم الأعمال المسرحية الهادفة ذات المضامين التي تركّز على الفكر الحسيني، وتنهض بالعقول وتسمو بالنفوس عاليا وبعيدا عن موجات الانحطاط التي تسعى بعض التيارات والثقافات الدخيلة لتسريبها بين أعرافنا وثقافتنا.
ومما ينبغي الاهتمام به في عاشوراء، خصوصا في مدينة كربلاء المقدسة وفي كل الطرق والمداخل التي تؤدي إليها، تقديم اللوحات الفنية المعبّرة والقادرة من خلال مضامينها التعبير عن روح التضحية والإيثار، وروح الإقدام والحكمة التي كان يتحلى به الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الأبرار، كذلك من المهم جدا إقامة الندوات الفكرية، والمهرجانات الشعرية لإلقاء القصائد التي تحث على الاقتداء بالمآثر الحسينية والسعي على التمسك بها وتطبيقها فعليا في حياتنا، ولابد من طرح الأفكار الثقافية والفنية المبتكرة والقادرة على مواكب التطورؤ الأدبي والمسرحي في عصرنا هذا.
ومع كل ما يبثّهُ المنهج الحسيني من تحفيز معنوي في نفوسنا وعقولنا، ألا أننا نحتاج أن تبقى معنى قيم النهضة الحسينية دائما وأبدا، ولا يرتبط وجودها وتطبيقها في الإطار الزمني المحدد لمناسبة عاشوراء وواقعة الطف، ومما تم ملاحظته تلك الفجوة بين الفكر الحسيني وتطبيقه في واقعنا، حيث تُقتَل الأفكار وتصبح حبرا على ورق، وتبقى تدور في إطار القول ولا ترقى إلى مرتبة التحوّل من الفكر التجريدي إلى لتطبيق، وبالتالي نعجز عن تحويل الأفكار والقيم من مفرداتها الكلامية إلى الواقع، وبالعكس من ذلك تماما كلما انطبق الفكر على الواقع واقترب منه، كان تأثيره واضحا وقويا في حياة الإنسان، ولا شك أن التاريخ الإسلامي المشرق يحفل بنماذج كثيرة حوّلت الفكر إلى تجسيد تطبيقي كما هو الحال مع إمامنا الحسين عليه السلام، هذا النموذج العظيم الذي دوّن التأريخ ما قدمه للإنسانية بحروف من ذهب، لا تمحى طالما بقي الإنسانية على قيد الوجود.
الحسين (ع) مصدر الثقافة العاشورائية
الرأي الذي أنصف الفكر الحسيني وأبرزَ تأثير النهضة الحسينية، قاله الأبعدون قبل الأقربين، وشهد العالم أجمع بإنسانية الحسين عليه السلام، وعظمة ما أورثه للبشرية في محراب الحرية، والوقوف بوجوه طغاة وجبابرة الظلم، حتى صارت هذه الوقفة فنارا لا يُغطّى نورها بغربال الضَلال، أياً كان انتمائه أو توجهاته، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه حتى آخر الزمان، والباطل يهبط في اللحظة الأولى التي يولد فيها إلى الدرك الأسفل، من هنا مطلوب منا زج كل القوى والأدوات المتاحة لاستثمار التجمعات البشرية في عاشوراء لإنقاذ الناس من ضلالها وتخليصهم ومن أغلالهم التي تكبل عقولهم وقواهم.
ثقافة عاشوراء مستمّدة من سيرة الإمام الحسين عليه السلام، ومبادئه ومواقفه المعروفة للجميع، لاسيما أولئك الذين دأبهم إنصاف الحق، وهل هناك من لا يُنصف الحق؟ نعم، أولئك هم أهل الباطل، وهم موجودون منذ أن ظهر الإنسان على وجه البسيطة حتى ينتفي منها تماما، بمعنى أن الحق والباطل طرفا معادلة لا تزول إلا بزوال الحياة، وهذا هو سر وفحوى الامتحان الإلهي للإنسان، فحين تقف مع الحق وأهله، ستكون في مأمن ونجاح مضمون، وإن وقفت مع الباطل وأصحابه، فمصيرك الفشل والخوف الأبدي، السبب بسيط جدا، إنك لا تستطيع أن تكذب على ضميرك قط، فهو الشاهد عليك حين تعرف الحق وتنحرف عنه صوب الباطل.
ولا يختلف اثنان يستندان إلى الحق على أن ثقافة عاشوراء هي ثقافة الموقف الإنساني الجليل الرافض لأي خطأ يمضي باتجاه الظلم عمدا، أو الذي يقود إلى التجاوز على حقوق الآخر، مهما صَغُرَتْ هذه الحقوق أو عَظُمتْ، لذا نقول إن فحواها مستمَد من جوهر الموقف الحسيني الرافض للظلم، كائن من يكون مصدره، وأياً كان نوعه أو حجمه، هذا هو التفسير الأوضح والأبسط لثقافة عاشوراء، لأن هذه المفردة – عاشوراء- تنتمي للحسين عليه السلام لفظا وجوهرا، وطالما عرف الانسان معناها وانتماءها وجوهرها وفحواها عموما، وهو واضح كل الوضوح، فتبقى قضية التطبيق، أي تحويل الثقافة العاشورائية الحسينية من معناها وجوهرها العظيم الى حيّز الفعل الإنساني الملموس باليد والمرئي بالعين والمسموع بالأذن.
ماذا يريد الحسين (ع) من محبيه؟
من غير الصحيح أنْ أدّعي الانتماء لجوهر الفكر الحسيني ولا أعمل به، ولا يجوز قط أن أتبجّح بالثقافة العاشورائية ولا ألتزم بضوابطها وأعمل في هديها، فمَنْ هذا الذي يقول إنني لا أعرف ماذا تريد مني هذه الثقافة؟ ومن هذا الذي يقول إنني لا أعرف لماذا قدّم الحسين روحه فداءً للناس، مسلمين أو غيرهم، ومن هذا الذي يحاول أن يدس رأسه في الرمال حتى يحمي نفسه من صوت الحسين عليه السلام، وهو يصرخ بالحق وفعل الحق، والانتصار للحق، طالما بقيت أنفاس كائن ما على الأرض؟
كلنا نعرف ماذا يريد الحسين عليه السلام، لاسيما الأقربون، أما الأبعدون فهم يعرفون ذلك أيضا، ولكننا نحن الذين ندّعى الموالاة، يقع علينا العبء الأعظم، في تطبيق ثقافة عاشوراء بفحواها الذي رسمه الامام الحسين بنفسه وروحه العظيمة، وتضحياته الجسام بذويه وأصحابه، بل بما حملت الدنيا من مآثر ومصالح وملذات وسواها، لذلك ليس صحيحا أن يجهل أحدنا مضامين الفكر الحسيني، ومن باب أولى، أن لا يُقبل ممن يدّعي الانتماء لعاشوراء فكرا وسلوكا، أن يظلم الآخرين، وأن يتجاوز على حقوقهم، فهل يحدث مثل هذا الكلام على ارض الواقع، نعم هناك مسؤولون كبارا وصغارا، هناك موظفون عسكريون ومدنيون، هناك أطباء ومعلمون تربويون، وهناك باعة متنوعون، هناك تجار ومهنيون، هناك كَتَبَة وإعلاميون، هناك وهناك الكثير، يعرفون ثقافة عاشوراء حق معرفتها، ويعرفون ما يريده الحسين عليه السلام، لكنهم يفضلون الأقوال على تطبيقها!، فتجدهم يعلنون حبهم للحسين عليه السلام ويظلمون الناس، وتجدهم يتشبثون بثقافة عاشوراء وهم جاهلون لا يعرفون من هذه الثقافة سوى مظهرها، أما جوهرها وتطبيق مضامينها فهم بعيدون عنه كل البعد، لذا فإننا مطالبون، وأقصد الموالين أولا ثم عامة الناس، حتى من غير المسلمين، بأن نطبّق ثقافة عاشوراء في حياتنا، وأول بنود هذه الثقافة، لا تظلم أحدا، ولا تتجاوز على حقوقه، وكن داعية خير وأمل ومحبة وجمال، كما كان سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
ثقافة عاشوراء في جوهرها ثقافة الحق وأهله، وهي ثقافة العدل والمساواة والصفح والتكافل والمحبة وحفظ الحقوق وحماية حريات الناس ونشر المحبة والتعاون فيما بينهم، وحثهم على مزاولة أعمال الخير والسداد، ونبذ القيم الداعية للسقوط والرذيلة والتسلّط والطغيان، وهذا ينطبق على القادة المحبين للإمام الحسين عليه السلام والمتمسكين بمنهجه، بل يشمل كل إنسان بغض النظر عن مركزه الاجتماعي أو الوظيفي، نحن جميعا تعنينا ثقافة عاشوراء، لأنها سبيلها الأسر والأدقّ والأضمن لبلوغ مراتب عليا بين الأمم الأخرى بعد استرداد موقعنا ومكانتنا وصدارتنا للأمم والمجتمعات.
اضف تعليق