q
من التحق بالركب الحسيني لم يكونوا من طيف واحد او لون محدد فترى الابيض والاسود والنصراني يسيرون جنبا الى جنب خلف امامهم نصرة للحق وايمانا بمبدأ الاصلاح الذي خرج من اجله ووضع قواعده التي لا تخرج عن الرسالة المحمدية الاصيلة القائمة على المساواة بين بني البشر على اختلاف مشاربهم...

لم يختلفوا عن اقرانهم بكثير ولم يتراجعوا عن جنسهم بشتى الميادين، فأصحاب البشرة السوداء تراهم لاعبين اساسيين في مضمار الحياة المتعبة، يمتلكون من المواصفات الانسانية ما يفوق ذوات البشرة البيضاء في بعض الاحيان او بشكل متساو في احيانا اخرى، يحزنون ويفرحون مثلما يحزن الغير ويتطاير فرحا في موارد مختلفة.

وقبل البدء بالخوض في تعاريج هذا الموضوع الذي يعد احد المواضيع الشائكة، لابد من اعطاء تعريف مبسط للتميز العنصري، فالتميز العنصري يمكن ان ينظر اليه على انه كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة.

لم يكن الانسان حر في اختيار لون بشرته فهو جاء للحياة بهذه الصورة بفعل العوامل الوراثية والجينية، لكنه حر في اختيار الطريق الذي يسلكه ليطور وينمي ذاته الى جانب اصحاب البشرة البيضاء الذين كثيرا ما يدعون افضليتهم على غيرهم وهم من حباهم الله بفضله واتم عليهم نعمته وميزهم عن اقرانهم، ما جعلهم يشعرون بأن لهم صفات جسمانية وطاقات عقلية منفردة وهو سر الافضلية والتميز.

في الحقيقة ان التميز العنصري نابع من العقل البشري وليس من لون البشرة، وهنا لابد من معالجة الاوهام العقلية التي جاءت بمفاهيم زائفة على مر العصور، اذ لايوجد في الخليقة سوى جنس بشري واحد يسكن على سطح البسيطة مرتبط بروابط مشتركة ومصير متشابه.

والتفرقة على اساس النوع واللون مرفوضة في جميع الديانات السماوية وهنالك تأكيد واضح من قبل خالق الاكوان ومنزل القرآن الذي قال في محكم كتابه ان اكرمكم عند الله اتقاكم، فنراه وضع المعيار الاساس في القرب هو الايمان والتقوى الذي يتمتع به الفرد ولم يقل ان اقربكم زلفة لدي اصحاب البشرة البيضاء او الطائفة الفلانية او العرق المعين.

وتجسيدا لهذه الرؤية الالهية نجد الامام الحسين عليه السلام لم يفرق بين اتباعه وانصاره في حوادث ومواقف كثيرة، ولا بأس من ذكر نزر يسير منها، ففي واقعة الطف الاليمة بعد ان وضع خده على خد ولده علي الاكبر ذهب ليضع خده على خد العبد جون في الوقت ذاته، ففي هذه الحادثة اشارة صريحة وتعبير واضح على مدى تمسك اهل البيت عليهم السلام بالمبادئ السماوية والقيم الربانية.

من التحق بالركب الحسيني لم يكونوا من طيف واحد او لون محدد فترى الابيض والاسود والنصراني يسيرون جنبا الى جنب خلف امامهم نصرة للحق وايمانا بمبدأ الاصلاح الذي خرج من اجله ووضع قواعده التي لا تخرج عن الرسالة المحمدية الاصيلة القائمة على المساواة بين بني البشر على اختلاف مشاربهم.

ومن هنا كان الإسلام دعوة مستمرة للحياة، فلا يُجوز الكبت ولا التضييق على الانسان في أي مجال من المجالات سواء في العمل او النشاط العام، بل على العكس من ذلك جعل الأبواب مشرعة للجميع طالما أنهم يريدون الانطلاق في خط الحياة من هذا الفهم الشامل والواسع.

وطالما الحديث عن التميز العنصري ومحاربيه لابد من الوقوف على مشارف شخصية كان لها الدور الكبير في العصر الحديث في محاربة هذا التميز، فهنا يحق لنا ان نذكر نلسون مانديلا الذي استطاع ان يحدث طفرة نوعية في مجال الحقوق الانسانية بجنوب افريقيا.

كان شغل مانديلا الشاغل هو اخراج أبناء جنسه من نفق التميز العنصري الذي وصل الى اقصاه، اذ لم يكن من حق صاحب البشرة السمراء ان يسير على الطرق المعبدة، كذلك ليس بامكانه دخول المدارس المخصصة لذوي البشرة البيضاء، لكن ورغم التحديات الكبيرة والخسائر الفادحة التي تكبدها تمكن من اضفاء الصبغة الشرعية على ممارسات المجموعة المنتمي اليها، وواصل كفاحه حتى اصبح رئيسا لجنوب افريقيا محطما بذلك جميع القيود العنصرية ومدمرا للأفكار المنحرفة التي تريد ان تنال من قدر الانسان بعد ان كرمه الله.

من جميع هذا علينا ان ندرك جيدا أن صاحب المنزلة الكبيرة عن الله هو من سار على طريق الهداية والصلاح الذي خطه سِبْط النبي الاكرم صلوات الله عليهم وسلامه واراد ان تعيش الانسانية بحب وسلام، حيث لا يوجد فرق بين غني وفقير ولا جميل وقبيح كونهم يرتبطون برابط الانسانية التي هي أسمى من كل سام وفوق كل متعال وهو ما اتقدت لاجله شرارة القضية الحسينية الخالدة في صبيحة يوم عاشوراء.

اضف تعليق