الحسينيات يلزم أن تلبي مختلف حوائج الناس المعنوية والمادية، سواء تلك التي يحتاجها الإنسان كفرد، أم التي يحتاجها كعائلة، أم التي تحتاجها الشعب والناس كأمة وحوائج الناس تنقسم إلى أربعة أقسام، نابعة من المكونات الأربعة للإنسان: وهي الجسد والنفس والروح والعقل، فإن النفس غير الروح...
إنّ حركة سيد الشهداء (عليه السلام) لها قدسية لاتضارعها ولا تماثلها ولا تداينها قدسية، فلها أسمى قدسية.
بل إن كافة ما يتعلق بهذه النهضة (من مبادئ وقيم وأهداف وشعائر) هي قمة في القدسية.
ولكن لماذا؟
لأن قدسيتها تستقي من ينبوع مَعين، من قدسية سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام)، ذلك الذي " قوله حجة وفعله حجة وتقريره حجه" (أشهد أنك حجة الله)(1) بقول مطلق، قولاً وفعلاً وتقريراً، وأيضاً: هو حجة الله صفةً، وأيضا: هو حجة الله ذاتاً وجوهراً (2).
إن هذه الحركة والنهضة وما يرتبط بها تستند إلى إمام هو (حجة الله) في كل الأبعاد وعلى كافة الخلائق، إلى إمام هو قمة في القداسة والطهارة بشتى معانيها [إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا](3)، و(أشهد أنك طُهرٌ طاهِر مُطهَّر، من طُهر طاهِر مُطهَّر، طهُرتَ وطهُرت أرض أنت بها)(4)، فقد طهّرهم الباري تعالى في شتى الجهات؛ وحتى في تفكيرهم وفي خطرات قلوبهم، وحتى حديث النفس نالته الطهارة والنزاهة، فإن المعصوم (عليه السلام) معصوم حتى في خطرات قلبه ونبضات فكره ونواياه كلها، فهو تلك القمة الشامخة العليا في الطهر والطهارة والنزاهة والقدسية والشرعية.
إنّ هذه القدسية تنشأ من ذات الإمام (عليه السلام) وحقيقته النورانية، الذي قاد هذه المسيرة الربانية المباركة والنهضة الإلهية وهي والتي ضمّنت للإسلام الخلود والبقاء، فإن الإسلام محمّدي الوجود والانبثاق، علوي المجد والشموخ، وحسيني البقاء والاستمرار.
وبتعبير آخر: إن منشأ قدسية الأشخاص عادةً لا يعود إلي جوهرهم، بل يعود إلى مدى اتصافهم بالمناقبيات وتحلّيهم بالفضائل، أمّا الإمام الحسين (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) فإن منشأ قدسيتهم يعود إلى جوهرهم وذواتهم ــ إضافة إلى مكارم أخلاقهم ومحامد صفاتهم وأفعالهم ــ وذلك لأنّهم عين النور ونفس الطهر كما دلت عليه الروايات الكثيرة (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)(5)، ولذلك كانوا هم الثقل الثاني في جوار القرآن الكريم، وقد ورد في بعض روايات حديث الثقلين الشهير عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ولا أقول كهاتين)(6)، وضمّ سبابته إلى إصبعه الوسطى (بل أقول كهاتين) وضمّ سبابتيه إلى بعضهما، وهو تصريح بأن العترة الطاهرة والقرآن الكريم ثقلان متعاضدان متساويان.
ولقد كانت هذه القدسية والتألق والنورانية من القوة بحيث اخترقت حتى قلوب ألدّ وأشد الأعداء عداءً وبغضاً، فانّ النور الضعيف لا يستطيع أن يخترق أعماق الظلمات وأغوارها، لكن النور القوي الشديد يخترق الحواجز مهما كانت كثيفة، والحجب مهما كانت مسولة.
ولذا نجد قدسية سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) كانت بشكل من الصفاء والتألق والبريق والضياء بحيث أبهرت حتى ألدّ الأعداء الذين استحكم فيهم العداء واستحوذ عليهم الشيطان واقتحم قلوبهم، على الرغم من أنهم لم يعقدوا قلبهم على ذلك؛ لكنهم عرفوا هذه الحقيقة [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ](7).
وإليكم بعض شواهد الصدق على ذلك كله:
إقرار عمر على الولاية التكوينية
الشاهد الأول:
(عمر بن الخطاب) فمن الواضح أن عمر يكون في الجانب المقابل والمعاكس(8) لسبط الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام).
الآن تدبروا في هذه الكلمة التي تنقلها كتب العامة بأنفسهم وهي مذكورة في كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) وهو من كتبهم المعتبرة كما أن المؤلف بنفسه يوثق هذه الرواية ويجعلها رواية معتبرة.
(قال عمر بن الخطاب للحسين (عليه السلام): فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم)(9).
هذه الكلمة تعد اعترافا وإقراراً لا لبس فيه من عمر على الولاية التكوينية لأهل البيت (عليهم السلام) "الله ثم أنتم" أي: أنتم واسطة الفيض الإلهي أي إنّ لكم ولاية تكوينية طولية.
الشاهد الثاني:
(أبو هريرة) وهذا الرجل نسب المئات بل الألوف من الروايات كذباً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمصالح مادية، آنية زائلة، وقد حاول أن يطمس فضائل أهل البيت (عليهم السلام) كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويمكن للمرء مراجعة الكتب التي كتبت عن أبي هريرة ليرى الأدلة الوافرة، لكن نور الحق أقوى [فَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ](10)، فإذا لم تبلغ الحجة البالغة قلوب من هم في جبهة الضلال والظلام، فكيف يُحاكمون ويُحاسبون؟
نعم، إنّ الحجة قد بلغت، لكنهم قابلوها بالإنكار والجحود، فلاحظوا هذا الخبر ونظائره، فهو خير شاهد على وصول الحجة إليهم من جهة، ومن جهة أخرى في الخبر شهادة صدق على أن قدسية الإمام الحسين (عليه السلام) كانت من القوة والشدة إلى درجة أنها أخضعت حتى من كان يحاول أن يطمس مآثرهم وآثارهم.
والقضية كما يرويها في تاريخ ابن عساكر(11):
(إن الحسين عليه السلام كان في جنازة فأعيى وقعد في الطريق)
أقول: في العادة أن الأشراف يأنفون ويتكبرون عن الجلوس في قارعة الطريق، فلا ترى وزيراً أو أستاذاً جامعياً أو أية شخصية كبيرة يجلس على قارعة الطريق، لكن هذا الموقف من الإمام عليه السلام يكشف عن التواضع الذاتي لدى أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم سلام الله)، ولذا نجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة وأزكى السلام) كان يفترش الأرض تواضعاً لله سبحانه وتعالى، ولذلك كنّاه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأبي تراب.
في تتمة الخبر: (فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له: يا أبا هريرة وأنت تفعل ذلك).
وربما كان سؤال الإمام (عليه السلام) واستفهامه الظاهر في الاستغراب ــ إذ لم يكن الإمام عليه السلام جاهلاً بالسبب ــ لبيان قوة الحق وضغط الوجدان حتى على مثل أبي هريرة، فإن الوجدان في كثير من الأحيان وحتى في أشد المعاندين عناداً، يضغط ويضغط حتى تطفح الحقيقة على فلتات لسانه أو تظهر على جوارحه، بحيث لا يستطيع أن يتمالك نفسه إلاّ أن يخضع للحق ويعترف به رغم كل شيء، ولعمري إن ذلك من آيات الله حيث يجعل المبطل يعترف بالحق شاء أم أبى، وقد قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة وأزكى السلام): (ما اضمر أحد شيئا إلاّ وظهر على فلتات لسانه وصفحات وجهه)(12).
(فقال له: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ فقال له: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم).
إذن كان يعلم أبو هريرة من فضائل أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) والتي أخفاها، ما لو نشره بين الناس لحمل الناس الإمام (عليه السلام) على رقابهم، ولم يتركوه يمشي على الأرض أبداً!
ولكن لنسأل: ِلمَ إذن أخفى أبو هريرة ومن هو على شاكلته، كل تلك الفضائل ولم يُعلم الناس بما للحسين (عليه الصلاة والسلام) من الفضائل والمناقب؟
إن الإجابة واضحة وهي: إنها المصالح الدنيوية والشهوات الآنية (ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها)(13) و(استحوذ عليهم الشيطان)(14)، والخضوع للسلطات الجائرة، [وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا](15) والحديث في هذا الحقل طويل نكتفي الآن بهذا المقدار.
والحاصل:
إن هذه القدسية والتي لا مثيل لها في الكون كله، نبعت من نفس ذات المعصوم (عليه الصلاة والسلام) كمرتبة أولى، وأيضاً نشأت من تحلي المعصومين (عليهم السلام) بالفضائل في أعلى درجاتها، وبالكمالات في أسمى مراتبها، وبالمناقبيات في أبهر تجلياتها، تلك الفضائل والمناقب التي أشير إليها في القرآن الكريم في آية التطهير وغيرها، كما وردت فيها الروايات الكثيرة المتواترة، والتي تظهر لمن راجع البحار وغيره، والتي تكاثرت فيها تأكيدات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) على تلك القدسية التي لا يضارعها شيء، وإلاّ لما كان مثل أبى هريرة وأشباهه يخضعون لهم في قرارة أنفسهم شاءوا أم أبوا، وإن حاربوهم ونصبوا لهم العداء طوال حياتهم.
محورية النهضة الحسينية
لقد أشرنا إلى أن النهضة الحسينية المباركة ــ بمبادئها وقيمها وشعاراتها وشعائرها ــ تمتلك الشرعية بأقدس ما تكون الشرعية، ولها القدسية بأسمى ما تكون القدسية.
ونضيف هنا: إن هذه النهضة المباركة لها المحورية في عالم التكوين والحقيقة وعالم الواقع والثبوت، ويجب أن نجعلها المحور في حياتنا في شتى مناحيها كذلك، ليتطابق العالمان الثبوت والإثبات، فإن الإنسان تارةً يجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبالذات الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المباركة محور حياته طوال السنة، فيفكر في أقوالهم ومواعظهم وحكمهم، وفي الدساتير والقوانين والقواعد التي أرسوا دعائمها في علومهم، وفي ظلاماتهم، و في شعائرهم طوال العام، وهذا يعنى: إنه قد جعل المحورية العامة لهذه الشعائر وتلك القوانين والمواعظ.
وتارة أخرى لا يهتم الإنسان بهذه الحركة وشعائرها بالمقدار الكافي، إلا في الأيام العشرة الأولى من المحرم فيشارك في المجالس الحسينية وسائر البرامج الدينية، ثم ينساها إلى أيام الأربعين، ثم ينساها إلى السنة القادمة.
إن الواجب على الإنسان أن يجعل نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) والقيم والمبادئ ــ التي تجسدت في تلك النهضة المقدسة ــ محور حياته آناً فآناً، وساعةً فساعة، وأسبوعاً فأسبوع، وشهراً فشهر، وسنةً فسنة، حسب ما تقتضيها نوعية البرامج.
لكن السؤال هو: كيف يتحقق ذلك؟ وكيف يمكن أن نجعل النهضة الحسينية محوراً لحياتنا على الدوام؟
إن هنالك مجموعة من الطرق والوسائل والسبل، نذكر في هذه العجالة واحدة من أهمها:
تطوير الحسينيات كيفياً، وزيادتها كمياً
(الحسينيات) التي هي الحواضن الطبيعية للنهضة الحسينية وبركاتها، ينبغي أن تتكامل وتتكاثر كمّاً وكيفاً أكثر فأكثر، وبلغة التقدير نقول: إنه ينبغي أن يكون لكل مائتي شخص حسينية واحدة كمعدل متوسط، فلو كان هناك بلد فيه مليون إنسان مثلاً، فينبغي أن يحتضن ذلك البلد خمسة آلاف حسينية، وفي بلد مثل العراق ذي الثلاثين مليون نسمة يلزم أن تتوفر فيه مائة وخمسون ألف حسينية.. وهكذا وهلم جراً.
ينبغي أن تتكاثر الحسينيات في جميع البلاد الإسلامية وغيرها حتى تستطيع أن تستوعب مئات الملايين من الناس
في برامج يومية، في شتى أنحاء العالم. هذا من الناحية الكمية.
أما من الناحية الكيفية، فإن الحسينيات يلزم أن تلبي مختلف حوائج الناس المعنوية والمادية، سواء تلك التي يحتاجها الإنسان كفرد، أم التي يحتاجها كعائلة، أم التي تحتاجها الشعب والناس كأمة.
مكوّنات الإنسان الأربعة
وحوائج الناس تنقسم إلى أربعة أقسام، نابعة من المكونات الأربعة للإنسان: وهي الجسد والنفس والروح والعقل، فإن النفس غير الروح، والروح غير العقل، وقد فصلنا ذلك في كتاب (الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية).
ولكل منها حوائج ومتطلبات:
أ: (الروح) وهي بحاجة إلى التسامي والتعالي في البعد المعنوي، وفي الأبعاد الإلهية.
ب: (العقل) وهو بحاجة إلى التغذية الفكرية والعلمية المستمرة المستدامة.
ج: (النفس) والتي تحتاج إلى التهذيب والتشذيب والتطهير.
د: (البدن) وهو أيضا له حوائجه الطبيعية، من مأكل وملبس ومسكن وغير ذلك.
محورية الحسينيات في كافة شئون الحياة
و(الحسينيات) يلزم أن تكون المحور في هذه الجهات كلها، وفي سبيل ذلك لا بد أن تضطلع الحسينيات بالنهوض بالناس في كافة شؤون الدين، ومختلف شؤون الدنيا والحياة، ووصولاً إلى ذلك يلزم أن تبنى الحسينيات ــ والتي بنيت يلحق بها الملحقات ــ بحيث تتضمن قاعات عديدة، فبالإضافة إلى قسمي الرجال والنساء في الحسينية، يلزم أن تكون بجوارها قاعات وغرف عديدة تتكفل بملأ شتى الفراغات المادية والمعنوية في حياة الإنسان المؤمن.
أ: المراكز والمؤسسات في الحسينيات
وذلك بأن يكون هنالك في كل حسينية حسينية:
* مركز دراسات للتصدي للشبهات التي تكاثرت في عصرنا الحالي.
* ومؤسسة لرعاية الأيتام والفقراء والمستضعفين، وتأمينهم وتمويلهم وإعطائهم المكنة والقوة.
* ومركز لاحتضان الكفاءات وتوظيفها.
* ومركز خاص بالأطفال،
* وآخر بالشباب.. وهكذا.
ب: الدورات التربوية والفكرية والتأهيلية
كذلك ينبغي أن تعقد في الحسينيات دورات في تفسير القرآن الكريم، ودورات لتعليم نهج البلاغة والحديث الشريف، وتعليم الأحكام الشرعية لشرائح المجتمع المختلفة، ودورات عقدية (اعتقادات) ودورات في بيان الأخلاق والآداب الإسلامية.
وكذلك ينبغي أن تكون في الحسينيات، دورات فكرية، ودورات إدارية، كدورات لتعليم إدارة الأسرة وكيفيتها أفضل إدارة، فإن الكثير من الآباء يفشل في إدارة العائلة، وكثير من الأمهات يفشلن في تربية جيل صالح، وكثيراً ما يحدث شقاق ونزاع بين الزوج والزوجة لينتهي إلى الطلاق.
ونسب الطلاق في عالم اليوم مرتفعة جداً، حتى في الدول الإسلامية فقد وصلت في بعض الدول إلى 40(عليهم السلام) سنوياً(16).
لماذا؟
لأن الرجل لا يعلم كيف يتعامل مع زوجته؟
وكذا الزوجة لا تعلم كيف تتعامل مع زوجها؟
ولايعرف كل من الزوج والزوجة، كيف يربي الأبناء؟
لذا نجد الكثير من الأبناء يسيرون اتجاه الضياع، إلى المخدرات أو الفساد أو ما أشبه.
إن الحسينيات يلزم أن تكون مراكز للتأهيل في مختلف الجهات أيضاً، بأن تقيم دورات فكرية ودورات علمية ودورات إدارية ودورات اقتصادية، وكذلك دورات في فن النجاح، وفي أنه كيف تدار مؤسسة ناجحة أو شركة قوية؟
ومن الواضح أن الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والإدارية، لا ينافي رسالة الحسينيات، بل هي في صميمها، لأن العزة الاقتصادية تورث العزة والكرامة الاجتماعية، والمؤمن ينبغي أن يكون مستغنياً عزيزاً كما في دعاء مكارم الأخلاق عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): (ولا أفتقرنّ ومن عندك وُسعي) لكي يستطيع أن يعيل أهله، وكي يكون بمقدوره أن يخدم الناس بالإنفاق والعطاء، ولكي يتيسر له أن يخدم دينه.
ج: مراكز النهوض بالصناعة والزراعة والاقتصاد
كما ينبغي أن يكون للحسينيات دور أساسي في النهضة الاقتصادية والاكتفاء الذاتي، وذلك عبر تخصيص قاعة أو قاعات من كل حسينية، لتعليم العوائل والشباب ما يحتاجونه لأمور معاشهم، عبر إقامة دورات لتعليم الخياطة والحياكة والتطريز مثلاً، ودورات لتعليم الحاسوب وسبل استدرار الرزق به، ودورات لتعليم الناس كيفية وأهمية العناية بمزارعهم ودواجنهم، وذلك نظراً لوجود مئات الروايات وربما ألوف منها تحدثت عن الزراعة والنخيل والأشجار والفواكه والأنعام والدواجن وشبهها: أهميتها، وفوائدها، وسبل الاستفادة منها، وطرق الحفاظ عليها، وغير ذلك(17).
وأي مكان هو أنسب من الحسينية لتعليم الناس هذه الروايات بما تفيدهم ديناً ودنياً؟
هذا كله إضافة إلى أن زرع ثقافة التصنيع والتطوير والزراعة وتربية المواشي والدواجن وغيرها، في نفوس الناس سينفع في النهوض بالبلاد اقتصادياً، وزراعياً وتجارياً وصناعياً، وسيصب ذلك لمصلحة استقلال البلاد عن الأجانب والمستعمرين.
فالحسينيات لو قامت بهذه المجموعة من الأدوار في تأمين الحاجات الإنسانية في المجالات الأربعة، فذلك يعني أنها تحولت بالفعل إلى محور للحياة، بدلاً أن يكون محور حياة شبابنا وشاباتنا أماكن أخرى ولو كانت سليمة كالنوادي السليمة، فكيف لو كانت أماكن فساد..؟
وهذا كله يعني أن من رسالة الحسينيات أن تتحول إلى محور لحياة الشباب والأطفال والنساء والشيوخ، والكفاءات المختلفة من مدراء وأطباء ومحامين، وإلى محور عطاء للأرامل والأيتام والفقراء إلى غير ذلك. مضافا إلى حفظ برامجها في مختلف الشعائر الحسينية.
ولو اضطلعت الحسينيات بهذه المهام، بحيث أمّنت دورات على مدار الأيام، لتعليم الناس الصناعة والزراعة والعلوم، ولتهذيب نفوسهم وصقل مواهبهم وكفاءاتهم، فإن الناس وخاصة الشباب سيقبلون إلى الحسينيات بأعداد أكبر وأكبر، حيث يرونها مأمناً لهم في دينهم ودنياهم، ولن يبتعد الشباب حينئذٍ من الدين، وستكون الحسينيات حصناً حصينا أمام شبّاك الغرب والشرق ومحاولاتهم لاصطياد شبابنا وأبنائنا، يقول الله سبحانه وتعالى: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ](18).
وهذه القضية قد تعد من أهم القضايا الإستراتيجية التي يلزم أن ننبه عليها، وهي أنّ مدراء الحسينيات والمشرفين عليها، يلزم أن يضعوا نصب أعينهم النهوض بهذه الجوانب، وأن تكون الحسينية لها المحورية والمركزية الكاملة في شؤون الحياة.
وذلك كله سيجعل من الحسينيات معاهد للتربية والتزكية والتعليم، ولقضاء مختلف الحوائج بشتى ألوانها، إضافة إلى الدور الطبيعي الواجب الذي تقوم به الحسينيات المباركة بإحياء ذكرى سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) وإقامة المجالس والمآتم، وإحياء الشعائر الحسينية بشتى ألوانها وأشكالها، بل إن هذه الأدوار الطبيعية للحسينيات يجب أن تزداد كماً وكيفاً وجهةً.
ونذكّر ختاماً: بأنه يلزم أن تكون للحسينيات المحورية الشاملة بشكل أكبر وفي كافة شئون الحياة، وعلينا أن نذكر أنفسنا والآخرين دائماً بأيام الله تعالى، وأن نقوم بتخطيط أشمل وأفضل لرفع مستوى الأمة والمجتمع في كل هذه الجهات، علمياً، وأخلاقياً، وحضارياً، استلهاماً من هذه الأيام أيام عاشوراء إمامنا الحسين (عليه صلوات الله وسلامه) وأيام الأربعين.
نسال الله التوفيق لكم ولنا في ذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
اضف تعليق