خُلّدت القصص الكثيرة في التاريخ العربي عن العشق والحب والهيام وقرأنا عن تلك القصص في مدارسنا ووسائل إعلامنا المختلفة، لكن تمَّ طمس قصة تحمل أجمل معاني الأخوة الحقيقية على امتداد التاريخ، كان من المفترض نتعلم منها ونقتدي بها، ألا وهي قصة ابا الفضل العباس (عليه السلام) مع أخيه الامام الحسين (عليه السلام)...
خُلّدت القصص الكثيرة في التاريخ العربي عن العشق والحب والهيام وقرأنا عن تلك القصص في مدارسنا ووسائل إعلامنا المختلفة، لكن تمَّ طمس قصة تحمل أجمل معاني الأخوة الحقيقية على امتداد التاريخ، كان من المفترض نتعلم منها ونقتدي بها، ألا وهي قصة ابا الفضل العباس (عليه السلام) مع أخيه الامام الحسين (عليه السلام).
تعتبر الاخوة من افضل وانبل صفة من الصفات ولفهم معنى الاخوة الحقيقية نأخذ افضل مثال على الاخوة بل اكبرمصداق لها وهي اخوة ابا الفضل العباس (عليه السلام) مع اخيه الحسين عليه السلام تشير الروايات ان العباس (عليه السلام) عند ولادته كانت العقيلة موجودة واخذته وخاطبت ابيها امير المؤمنين (عليه السلام) قالت يا ابتي ارى قلبي قد تعلق به فقال لها هذا كفيلك يوم كربلاء فمنذ ولادته الشريفة تربى وترعرع مع اخويه الحسن والحسين (عليهم السلام) فذاب فيهم فكانت اخوة العباس مع اخيه الحسين (عليهم السلام) بمعناها ومفهومها وروحها هي المعنى الحقيقي لها فكان ابا الفضل (عليه السلام) طيلة حياته يخاطب الحسين عليه السلام سيدي ابا عبدالله الا في اخر لحظاته ناداه اخي يا حسين ادركني فهنا لنا درس وعبرة وكل حياته الشريفة دروس وعبر في كيفية معاملة العباس (عليه السلام ) امامه بالاحترام والاخلاق العالية رغم انه اخيه فكان امامه قبل ان يكون اخي.
ولد سنة (26) في الرابع من شعبان أبوه علي بن أبي طالب (ع) كتب ألتاريخ عنه بالذهب بطل ألعرب والعجم من بني هاشم إمام معصوم وقائد عظيم آخر الخلفاء ألراشدين أمه فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية من ألعرب الأصلاء معروفون بالشجاعة والبطولة والشعر أصل عظيم ذاك الذي جعل الأمام علي يوصي أخيه عقيل أن يختار له زوجة بعد وفاة السيدة فاطمة ألزهراء لترعى أبناءه الحسن والحسين وزينب وتلد له أولادا فحولا يكونون عونا لأخوتهم فأختار عقيل لعلي وهو ألمعروف بالنساب فاطمة بنت حزام لعراقة ألنسب والتاريخ لبني كلاب الناصع.
للعباس من أمه وأبيه ثلاث أخوة عبد الله وجعفر عثمان ولد العباس وسمي في يوم ولادته بالساقي وكان هذا الاسم غير محبب في البدء للسيدة زينب أخت العباس التي حملته لابيها لتبشره بالعباس حتى بين الأمام علي لأبنته ما يكون هذا ألوليد وهذا الاسم وهكذا ولد لعلي أبن أسماه ألعباس وكانت العرب تحب أن تسمي أبناءها بأسماء تعبر عن الغضب والشدة والفحولة وهذا ما يعني اسم ألعباس أي ألعبوس والغاضب بوجه الشدائد والخطوب والمحن ولد للأمام أخ لأبنائه ألحسن والحسين ملازما لأخويه ينهل من أدبهما وشجاعتهما وعلمهما وكرمهما وكان أكثر ملازمته لأخيه ألحسين وكان الإمامين ألحسن والحسين يتشاجران من اجل حمل العباس على عاتقهما وكل واحد يتمنى أن يحمله هو ويلاعبه ترعرع في أحضان شريفة مباركة زقت ألعلم من رسول الله و زقوا هم ألعلم لأخيهم ألعباس فأبوه أبي تراب وأخواه سيدا شباب أهل ألجنة وأخته ستر ألمخدرات زينب وقدوة ألنساء وبطلة كربلاء.
في سنواته الأولى بانت عليه ميزات ألحسن والجمال متكامل ألجسم بدت عليه آثار ألشجاعة المكتسبة والأصيلة فهو حامل لجين بني هاشم وبني كلاب طويل القامة بعيد مابين ألكتفين مفتول العضل ضخم يركب الفرس المطهم فتخط رجلاه في الأرض حمل السيف وهو غلام عندما جاء إعرابي إلى مسجد الأمام علي ولزيارته أحب الأعرابي أن يهدي له فأخرج من خرجه شيء طويلا ملفوف أزال ألخرق فكانت ألهدية عبارة عن سيف طويل نصيل ثقيل ذات محامل طويلة وفي تلك اللحظات يدخل العباس وكان غلام فأخذ يطيل ألنظر الى ذالك الحسام و نظراته ثارت انتباه الجالسين وتمعنه المستمر بذالك السيف مما جعل الأمام يهدي ذالك ألسيف للعباس والذي لازمه حتى استشهاده سنة (61) للهجرة سمي بأسماء عديدة أولها السقاء وقمر بني هاشم ثم بطل ألعلقمي وكبش الفداء وبطل القنطرة وحامل اللواء العميد حامي ألضعينة وأبو القاسم وقيل كان له ابنا يسمى القاسم استشهد في ألطف في ألحملات الأولى لأهل الكوفة .
في طفولته وصباه ركب العباس الخيل ألجوامح وعرف بعناده لترويض أي فرس يصعب تدجينها والركوب عليها فكان يلف يدية على رقبة ألفرس فتغيير به وتصول وتجول وتنثر الغبار وتترك الآثار وتبتعد عن الأنظار وتفر منها ألناس وذالك الغلام ألعلوي متشبث برقبتها وممسك بها حتى تعود الى هدوئها بعد أن أعياها التعب والناس يترقبون عودته وظهوره والفرس من خلف تلال وهضاب ألصحراء ليبشر الناس وتهلل ألنساء وتكبر الرجال لذالك ألغلام وهو لما يتجاوز التاسعة من عمره بعد وفي هذا ألعمر كان يتقلد ذالك ألسيف الهدية بعد ان يقصر الإمام محامله لم يلعب مع الأطفال اللذين في عمره قط فلقد كان يفوقهم بالقوة والذكاء والجسم وحسن التدبير وجمال الكلام وحفظه للقرآن بعد أن اشتد عوده أصبح كالحارس لأخوته وكان لايجلس معهم احتراما بل أن مجلسه كان عند عتبة المجلس جلوسه القرفصاء متأهب لسؤال أخوته وطلبهم منه فكان يقرأ الإشارة والأيماءه والحركة من أخوته وخاصة الحسن والحسين فإذا طلبوا منه شيا يفهمه من إشارتهم وإيماءاتهم فيهرول لتلبية ذالك الطلب وكانت تلك من علامات الذكاء.
اشترك في المعارك التي حدثت في خلافة أبيه وكان احد إبطال معركة صفين وهو أول المبارزين في المعركة وكان من ألمعروف عند العرب وقبل بدأ المعركة يطلب من ألفريقين المبارزة وإخراج إبطالهم فالانتصار في تلك المبارزات يعني رفع الروح المعنوية للفريق ألمنتصر وكسر الروح القتالية للفريق الخاسر في المبارزة
وفي معركة صفين طلب معاوية من الأمام علي خروج أبطاله للمبارزة أختار الأمام ولده ألعباس وهو شاب وطلب منه عدم إظهار وجهه ولا يعلن اسمه لقوم معاوية خشية ان يرفض من المبارز الأخر وخرج من جانب فريق معاوية أحد أولاد ابي الشعناء وكان فارس معروف آنذاك هو وابنائة فقتل العباس ابنه فخرج ابنه الثاني والثالث والعباس يجندله بسرعة حتى قيل ان الضربة التي يوجهها له لم يلحظها لسرعتها وهو على هذه الحال حتى خرج له ابي الشعناء وكان عابسا غاضبا يرتجز طالبا بثأر أبناءه وقف أمام ذالك ألفارس الملثم وطلب منه معرفة اسمه فلم يجيبه العباس وكرر سؤاله مرات والعباس لم ينتسب ولم يميط اللثام وهنا قال أبي ألشعناء لم أبارزك حتى تجيبني بنسبك وترفع اللثام عن وجهك والقوم منتبهون صامتون كأن على رؤوسهم الطير والأعناق مشرئبة من الطرفين لمعرفة الفارس الملثم والذي يأبا ألانتساب وإزالة أللثام وعند هذا ألحد أرسل الأمام علي ابنه محمد ابن الحنفية الى أخيه ألعباس ليرفع اللثام ويجيب ألرجل وعرف عن اسمه ونسبه ورفع لثامه وأرتجز حتى صاح ابي ألشنعاء صيحة سمعها ألقوم في ساحة ألمعركة وهو يقول (ياويلي) طفل يبترني ويقلع أبنائي (والله لأثكل امك وابكي ابيك عليك) فشد عليه ابي الشنعاء وكان غضبه واضحا عليه فاستغل العباس حالته تلك وهوج تصرفه فاستخدم هدوءه ومكر القتال فأسقطه عن جواده بجواده بسرعة وعاجله بضربة علوية واحدة اطار من رأس ابي الشنعاء الجزء العلوي فترنح الرجل وسقط تحت أرجل فرسه.
وقيل ان تلك المبارزة كانت لها الوقع الكبير في انتصار الأمام علي في معركة صفين بعد ان زرعت الرعب في قلوب القوم وذاع صيت ألعباس وأصبح حديث الرجال والنساء ومؤنس الناس في ليالي الشتاء أما في واقعة ألنهر وان والتي على أثرها سمي العباس باسم (بطل ألقنطرة او بطل ألكنطرة) (وكبش الفداء).
أمر الأمام علي قادته بوضع مجموعة من الفوارس الأقوياء على حافة احد الأنهار وفي المكان الذي كان ضيقا خشية ان يعبر العداء الى قلب ألمعركة وتتغير معادلة القوى بين ألفريقين وكانت هذه خطة الأمام علي لكسب المعركة لكثرة عدد العدو على عدد جنوده ومقاتلي الأمام وكان من بين الفرسان ألواقفين على ألنهر العباس بن علي واحتدمت ألمعركة في ميمنتها وميسرتها والقلب فصاح احد الرجال أن القوم قد عبروا ألنهر فرد عليه ألأمام هل قتل ألعباس فرد علية ألرجل كلا فقال الأمام له إذن لم يعبروا وكرر الرجل صيحته فرد عليه الأمام هل قتل ألعباس فقال ألرجل لا ياأمير المؤمنين فأجاب الأمام علي وبصوت مرتفع قاتلوا ولا تنظروا لقول هذا الرجل ألمنافق (ما يعبر أحد النهر وابن علي مازال على جواده) وكان يقصد الأمام ألعباس وكانت محاولات ألعبور على أشدها لمد ألعدو بالرجال والعدد والعباس يتصدى للقوم بثبات أبيه وشجاعته فكان ما مر به أحد من الأعداء الا مسحه بسيفه او بعجه بعجا ولما انتهت الواقعة توجه الأمام الى ذالك النهر ومعه بعض قادته فوجد الأمام العباس ممتطيا جواده الأطهم يكاد لا يعرف من كثر الدماء على جسمه وأثار الطعنات وثقوب النبال والرماح على بدنه.
وازدادت شهرة ذالك البطل ألهاشمي حتى أصبح حلم فتيات ألعرب لتلد منه السباع وتفتخر بشجاعته التي امتلئت منها أفاق ألصحراء وما معركة ألطف الا الدليل ألحي لذالك ألهاشمي ألذي عمل بوصية أبيه وفي أخر لحضاته عندما شج رأسه ابن ملجم بسيفه ألذي اشتراه بألف درهم خمسمائة منها لدهنه بالسم والأخرى للسيف.
عندما حضرت منية الأمام وجمع أبناءه واوصاوهم وأكمل وصيته لأبنيه ألحسن والحسين كان ألعباس جالسا واضعا رأسه بين ساقيه عند عتبة الغرفة وهو ينحب نحيب الثكالى بلا أنين وصوت وجسمه يرتجف بسب نشيجه اقتربت من الأمام علي أبنته زينب وهي تبكي وقالت له وأنا يا أبي من لي بعدك ولمن ستتركني فالتفت الأمام للعباس وكان العباس في حالته تلك وبصوت خافت يكاد لا يسمع خرج من فم الأمام الشريف لينادي ولدي أبا الفضل قفز ألعباس نحو الأمام وجلس عند رجليه مطأطأ الرأس لبيك ياأمير ألمؤمنين يقولها لأبيه على استحياء مخلوطة بالبكاء فرد عليه الأمام ليأمره أن يجلس بقرب أخته زينب ومسك يده ووضع يد أخته زينب بيد ألعباس وقال له الأمام أوصيك بهذه وازداد البكاء والنحيب ومن تلك الليلة سمي العباس (الكفيل) لتكفله لأخته وأخيه ألحسين ألذي أصبح ألعباس حامل للواء ألحسين في واقعة ألطف كان نعم ألأخ المواسي لأخيه والحامي لعياله أنه ألوفاء والأدب العلوي ألذي جعل من هذا الشاب بطل من أبطال ألعرب وذاع صيته بين الأقوام.
نقاء التضحية
إن الأخوّة الصادقة التي عبر عنها العباس تجاه أخيه الحسين (عليه السلام) كانت مثلاً أعلى في التضحية والثبات على المبدأ إن أغلى شيء عند الإنسان هي حياته وهذا الأمر لا نقاش فيه لكنّ العباس (عليه السلام) جعل هدفه الأعلى في هذه الحياة هو التضحية بالغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة أخيه الحسين (عليه السلام).
حاول العديد من قادة جيش ابن سعد التأثير على معنويّات العباس وإعطاء الأمان له ولإخوته بغية الانفراد بالحسين (عليه السلام) وتضييق الخناق عليه لكنّ العباس تصدّى لهذه المحاولات وأفشلها فشلاً ذريعاً تتحدث كتب التأريخ بأن المدعو (عبد الله بن أبي المحل) ابن أخ البنين ذهبَ إلى ابن زياد وطلب منه تزويده بكتاب يعطي بموجبه ابن زياد الأمان للعباس وإخوته إن هموا تركوا الحسين (عليه السلام) فرحّبَ ابن زياد بهذه الفكرة وبادَر إلى كتابة كتاب بهذا الشأن ومن ثمّ أعطى هذا الكتاب إلى المدعو (كرمان) وكان هذا خادماً عندَ ابن أبي المحل وتوجّه هذا نحو العباس وأعطاهُ الكتاب وما أن قرأه العباس (عليه السلام) حتى رّدَّ على كرمان ما نصُّه: اقرأ خالي السلام وقل له أن لا حاجةَ لنا في أمانكُم فأمان الله خيرٌ من أمان ابن سمية فعادَ هذا خائباً حاول الشمر بن ذي الجوشن إعادة الكرّة مرّة أخرى لأنّه كان يعلم بأنّ العباس هذا هو الذراع الأيمن للحسين (عليه السلام).
العباس (علية السلام) مصدر قوة الحسين (علية السلام)
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه، ويردّ عنه كيد ألمعتدين وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً "لقد ضاق صدري من هؤلاء ألمنافقين وأريد أن آخذ ثأري منه"، لقد ضاق صدره وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته وأبناء عمومته صرعي مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للأخذ بثأرهم والالتحاق بهم.
وطلب الإمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم، ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد يا بن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول دعوني أذهب إلى الروم أو ألهند وأخلّي لكم الحجاز والعراق.
وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد ووجم الكثيرون وودّوا أن الأرض تسيخ بهم فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً: ابن أبي تراب لوكان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد لقد بلغت الخسّة ولؤم العنصر وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار.
وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال وهم يستغيثون وينادون العطش العطش ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاههم وتغيّرت ألوانهم وأشرفوا على الهلاك من شدّة العطش وفزع أبو الفضل وسرى الألم العاصف في محيّاه واندفع ببسالة لإغاثتهم فركب فرسه وأخذ معه القربة فاقتحم الفرات فانهزم الجيش من بين يديه واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء فاحتلّه وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلا أنه تذكّر عطش أخيه ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملأ القربة وهي عنده أثمن من حياته والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأشاع فيهم القتل والدمار وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطّم فلول الشرك إلا أن وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة ولم يستقبله بوجهه فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين ولم يعن بها بطل كربلاء ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها وحمل القربة بأسنانه - حسبما تقول بعض المصادر - وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت(عليهم السلام) وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجراح وشدّة العطش وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الإنسانية من الشرف والوفاء والرحمة.
بينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها ووقف البطل حزيناً فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته وهوى إلى الأرض وهو يؤدّي تحيّته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلا ً)عليك منّي السلام أبا عبد الله...). وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه ومزّقت أحشاءه وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل واقتحم جيوش الأعداء فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه وجعل يضمخه بدموع عينيه وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:
(الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي).
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه وقد انهارت قواه وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله وودّ أن الموت قد وافاه قبله وهكذا قدم العباس بن علي روحة الى بارئه وفاءا لدين محمد وانتصارا للاسلام متذكرا وصية أبيه ألامام علي وهو يجود بنفسه وقد قطعوا جسده الشريف بحقد العصبية والجاهلية الاولى وبغضا بابيه علي بن ابي طالب فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّاً.
اضف تعليق