لقد ضحى الإمام الحسين بكل شيء لإقامة الصلاة، فكان هو الذي أقام الصلاة بما للكلمة من معنى، حقاً وصدقاً من الناحية الكمية والكيفية، وذلك يعني فيما يعني، أنه حافظ على وجود الصلاة في المجتمع الإسلامي على مر التاريخ. لقد ضحى الإمام الحسين بكل شيء من...
فضح الطغاة
لقد ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) بكل شيء لإقامة الصلاة، فكان هو الذي أقام الصلاة بما للكلمة من معنى، حقاً وصدقاً من الناحية الكمية والكيفية، وذلك يعني فيما يعني، أنه حافظ على وجود الصلاة في المجتمع الإسلامي على مر التاريخ.
لقد ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) بكل شيء من أجل أن يبقى عمود الدين شامخاً منتصباً على مر التاريخ، فقد خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث يقول: (إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلى الله عليه وآله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْـمَعْرُوفِ، وَأَنْهَى عَنِ الْـمُنْكَرِ...)(1).
يكفيكم شاهد صدقٍ على ذلك، أن الانحدار في القيم لدى من سموا بـ (الخلفاء) بلغ إلى حد أن أحدهم ـ وربما كان الوليد بن عقبة ـ كان يأتي إلى المسجد ويصلي الفجر وهو مخمور، وبدلاً من ركعتي صلاة الفجر صلى ذات مرة أربع ركعات، ثم التفت إلى المصلين خلفه وقال لهم: أتريدون أن أزيدكم...؟!(2).
وهكذا بلغ الاستخفاف والاستهانة بالصلاة، بل حاولوا طمس معالم الدين، ولولا الإمام الحسين (عليه السلام) لانمحت الصلاة من على وجه الكرة الأرضية، وبذلك يتضح لنا أكثر فأكثر معنى ما نقرأ في زيارته (عليه السلام): (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ).
حقد معاوية على النبي (صلى الله عليه وآله)
وبتضحيته الكبرى، وثورته الخالدة، واجه (عليه السلام) مقولة ذلك الطاغية الظالم معاوية بن أبي سفيان إذ قال متهجماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله): (... وهذا ابن أبي كبشة يرفع اسمه على المآذن خمس مرات في اليوم. لا والله إلا دفناً دفناً...)(3)، كما واجه أشباهه من الطغاة في الأزمنة اللاحقة بل إلى يوم القيامة.
حسين مني وأنا من حسين
ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (حُسَيْنٌ مِنِّي) ومعناه واضح؛ لأنه بضعة منه وسبطه، ولـــكن ماذا يعنـي (وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ)(4).
فلا يعقل أن يكون الجد من الحفيد، ولكن سيتضح الأمر عندما نعرف أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقف نفسه كلها لأجل رسالة الإسلام، من الصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة والتولي والتبري والعدل والإحسان، أي لأجل إقامة الدين في الأرض، فضحى بكل شيء لإقامة الصلاة وإقامة الدين.
وعندما جاء الدور إلى سبطه وحفيده الإمام الحسين (عليه السلام)، ضحى بدمه الزكي، وبكل غالٍ ونفيس في تلك الثورة الإلهية والسماوية العظيمة التي لا مثيل لها، وحافظ بذلك على رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى كيانه (صلى الله عليه وآله).
وبعبارة أدق: إن العلة الغائية التي ضحى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجلها بالغالي والنفيس، لم تتحقق ولم تكتب لها الاستمرارية، إلا بتضحيات الإمام الحسين (عليه السلام).
مغزى صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) وسط المعركة
ولذلك نجد الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الطف، وفي وسط المعركة، عندما يحين وقت صلاة الظهر، ينظر إلى السماء، فيســتــــكشف أن الوقت قد حان، وأن الزوال قد حلّ، فيما كان الأعداء متكالبين عليه من كل حدب وصوب، وسهامهم ترشقه ـ وأهل بيته ـ كالمطر، وكانوا على مقربة منهم.
لكنه وقف وصلى ـ كما تقول الرواية(5) ـ جماعة بنصف أصحابه، فيما كانت النبال والسهام تنهمر عليهم كالمطر مما قد يُفزع أعظم الأبطال، وكان من الممكن أن تسبب هذه الصلاة في سقوط العديد من الشهداء، كما استشهد بالفعل عدد من أصحابه، لكن ذلك كله لم يمنع الإمام (عليه السلام) من إقامة الصلاة.
بينما نلاحظ البعض ممن قد يكون في اجتماع ـ مثلاً ـ فإنك تراه غير مستعد لقطع الاجتماع إذا ما حان وقت الصلاة، وهذا يعني أن الصلاة تقع على هامش حياته.
بل نقول: إنه حتى في حالة التوقيع (إذا كان المرء على وشك توقيع معاملة، فارتفع صوت المؤذن داعياً إلى لقاء رب الأرباب)، فإنه يجدر بالإنسان أن يضع القلم جانباً، وأن يتوجه إلى الصلاة؛ لأن تجاهل الصلاة والتوقيع رغم حلول وقتها، لن يجعل فيه الله البركة.
فأي عمل ينشغل به الإنسان، يجب تركه لإقامة الصلاة في وقتها، كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام)، في ظهيرة اليوم العاشر من المحرم.
وهكذا فعل والده من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في "ليلة الهرير" في حرب صفين، حيث استمرت المعركة الضروس حتى الليل، لكن الإمام ـ رغم قساوة الحرب وشدتها ـ لم يترك صلاة الليل في تلك المعركة الرهيبة.
إذن يريد الإمام الحسين (عليه السلام) ـ وهو ذلك الرمز العظيم ـ أن يعلمنا ـ فيما نتعلم منه ـ بأن نضحي بكل شيء لأجل إقامة الصلاة.
من المسؤول عن صلاة 150 مليون نسمة؟
جاء في إحصائية أوردتها مجلة "ميدل ايست دايجست": إن نفوس العالم العربي حالياً يبلغ (377) مليون نسمة، بينما كان عام 1957م (162) مليون نسمة، أما في عام 2030م فسيصل العدد ـ حسب هذه المجلة ـ إلى (524) مليون نسمة، أي بإضافة حوالي (150) مليون نسمة، في الاثنين والعشرين سنة القادمة.
إننا أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، الذين نقرأ دائماً: (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ)، هل فكرنا أن نقتدي بسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، من خلال تحمّل مسؤولية رعاية وتوجيه هذا العدد الهائل القادم إلينا في السنوات القادمة وإقامة الصلاة فيهم جميعاً.
لنسأل أنفسنا: كم مسجداً ينبغي علينا إنشاؤه بحيث تكون طاقته الاستيعابية كافية لكل أولئك المسلمين؟.
بل هل نحن مشغولون بنشر ثقافة الصلاة في الكتب المدرسية، والتربية على الصلاة ومقاصدها ومضامينها وآدابها والالتزام بها؟.
إننا نشهد بأن الإمام الحسين (عليه السلام) قد أقام الصلاة، فإذا كنا نشهد لإمامنا بأنه أقام الصلاة، فمن المفروض علينا التأسي به (عليه السلام) في إقامة الصلاة أيضاً حسب طاقتنا.
تقول الآية الكريمة: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ)(6)، ومن الضروري الإلفات إلى أن التمكين في الأرض على درجات، فربما يكون الإنسان رئيساً لدوله تضم مئات الملايين، وربما يكون رئيساً لدولة تضم مليون نسمة، وربما يكون رئيساً لحزب، أو رئيس نقابة أو منظمة، أو شركة، أو أي مصداقاً آخر ودرجة أخرى، من درجات التمكين في الأرض، وذلك كله قد يكون مصداقاً للآية الشريفة، أو تنقيحاً للمناط.
فالإمام الحسين (عليه السلام) قد أقام الصلاة بتضحياته الجسام، وباستقامته وصلابته في طريق الحق، وواجه المستبدين كافة، وإن كانوا قد تجسدوا في يزيد الذي كان يلعب بالقرود، ويشرب الخمور، ويحاول أن يحطم عرى دين الله عروة عروة.
ثم إن الإمام (عليه السلام) قام بثورته، في وقت كان القمع والاستبداد والظلام مخيماً على الأجواء، ولم تكن ثمة قوة على وجه الأرض منافسة للحكم الأموي، فلو كان لمنهج يزيد ـ لعنه الله ـ أن يسود ولم يثر الإمام الحسين ضده، لكان الدين الإسلامي قد انمحى، والصلاة قد اقتلعت من جذورها شكلاً ومضموناً، ظاهراً وباطناً، لباً وقشراً.
الإمام الحسين (عليه السلام) يكرّم المعلّم
نذكر لكم مثالاً آخر فيه من الدلالات الشيء الكثير، فقد كان هناك شخص باسم عبد الرحمن السلمي، وقد تصدى هذا الشخص ليعلم أحد أبناء الإمام الحسين (عليه السلام) ـ وربما كان عمره ثلاث سنوات ـ سورة الحمد.
وسورة الحمد مقوّم أساسي للصلاة، وعلينا أن نتعلم من هذه الرواية، كيف نتخذ معلمين لأطفالنا ليعلموهم القرآن الكريم، خصوصاً سورة الحمد والإخلاص، وأركان الصلاة وغيرها.
وعندما علّم عبد الرحمن ذلك الطفل الحسيني، أعطاه الإمام الحسين (عليه السلام) مقابل تعليم سورة الحمد فقط، ألف دينار أولاً، وألف حُلة ثانياً، وحشا فاه دُراً ثالثاً(7).
فقيل له: لِمَ هذا العطاء؟! معترضين عليه، وربما تصوروه إسرافاً في العطاء؛ لأن القوة الشرائية لألف دينار كانت كبيرة في ذاك الزمن.
ففي زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلاً كانت القوة الشرائية للدينار الواحد كبشاً واحداً، وأحيانا كان الكبش بدينارين، وهذا يعني أن الإمام الحسين (عليه السلام) أعطى ما يعادل ألف كبش، لمجرد تعليم سورة الحمد.
والكبش الآن كمعدل يساوي مائتي دولار أو أكثر أو أقل حسب الدول، يعني أنه (عليه السلام) وهب له مقابل تعليم سورة الحمد ألف دينار، يعني مائتي ألف دولار، ليس ذلك فقط بل وأيضاً ألف حُلة كاملة وليس فقط ذلك بل وحشا فاه دُرّاً.
التكريم التصويري المجسّد
وهنا أيضاً توقف لطيف في هذه الدلالة التصويرية الرائعة جداً، إذ لعل هذه الدرر كانت بقيمة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل. فلو كان (عليه السلام) يدفع الدنانير فقط، لما كان لها تلك الدلالة التصويرية المرغّبة والمشجعة والمعبرة، فعندما يملأ فمه دُراً وهو مظهر الصفاء ومظهر اللطف، فإنه يكشف عن قيمة ذلك الفم المنشغل بتعليم القرآن.
فانظروا كيف ينشر الإمام الحسين (عليه السلام) ثقافة القرآن الكريم، والصلاة وافتتاحيتها وهي سورة الحمد. بعد ذلك نتوقف عند نقطة لطيفة أخرى إذ أننا عندما نستقرأ تاريخنا نرى أن سادتنا هم السباقين في حقول العلم والمعرفة؛ لأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أرسوا بأنفسهم دعائم كل ما نراه الآن في العالم الحديث.
جائزة نوبل مستوحاة من فعل الإمام الحسين (عليه السلام)
جائزة نوبل للسلام وللطب وما أشبه، والتي بدأت منذ أكثر من مائة سنة تقريباً(8) هذه الجائزة، سبقها بأكثر من ألف عام ما صنعه الإمام الحسين (عليه السلام) مع فوارق عديدة، منها:
إن هنالك أموال كثيرة جداً بمئات الملايين مرصودة لهذه الجائزة، أي إنها تشكل الرأسمال المستثمر الذي تعطى من ريعه الجوائز، وأن الجائزة التي تعطى تعد مبلغاً ضئيلاً جداً، حسب ما نقل لي رئيس جائزة نوبل للسلام، في لقاء كان لنا معه قبل شهرين تقريباً في النروج، حيث ذكر أن الأموال المرصودة لهذه الجائزة هي مبالغ هائلة من (نوبل)، والجائزة وهي مليون دولار تقريباً ليس شيئاً بالقياس إلى ذلك المال الكثير.
إن ما وهبه الإمام الحسين (عليه السلام) كان هبة عظيمة جداً، ولقد كان ذلك ديدنهم (صلوات الله عليهم)، فكل ما كانوا يملكونه كانوا يبذلونه في سبيل الله، والقرآن، والصلاة، وإحياء شعائر الدين.
إن هذا المنهج. منهج الإمام الحسين (عليه السلام) ـ في إقامة الصلاة، وفي إقامة حدود الصلاة والقرآن، لو جرى تعميمه لرأيتم الوضع سيتغير كثيراً جداً.
نعم، إذا كان هذا المنهج الحسيني ـ منهج الإمام الحسين (عليه السلام) ـ حاكماً بأن تعطي للمعلم ما هو أكثر من حقه، فأي نور كان سينتشر؟!.
وهل كان المسلمون اليوم بهذا الوضع المتخلف والمزري؟!.
وهل كانت العقول المفكرة تهاجر من بلادهم إلى بلاد أخرى؟!.
العالم العربي في ذيل قائمة البحوث العلمية
وحسب إحصاء علمي عام 1995م، فإن البحوث المنشورة لكل مليون إنسان في العالم العربي كانت 26 بحثاً. فانظروا إلى مستوى تدني الاهتمام بالعلم والثقافة، لماذا؟!.
لأن منهج الإمام الحسين (عليه السلام) ليس حاكماً.
وفي المقابل تقع البرازيل ـ وهي دوله متخلفة نسبياً ـ كان لهم في تلك السنة أي عام 1995م لكل مليون إنسان 42 بحثاً، وأما كوريا الجنوبية فقد كان لديهم 144 بحثاً، وأما فرنسا فكان لديهم 840 بحثاً، كمعدل لكل مليون إنسان، بينما نحن لدينا 26 بحثاً فقط لكل مليون إنسان.
والمفروض أننا نحن الذي قدنا الحضارة، لكن أين أصبحنا الآن؟!.
وما ذلك إلا لإعراضنا عن منهج أهل البيت (عليهم الصلاة وأزكى السلام)، ونسينا الإمام الحسين (عليه السلام) ومنهجه وتعاليمه.
أليس من الواجب أن تعمم هذه الرواية في كل مكان؟ إن الإمام الحسين (عليه السلام) وهب لمن علَّم ابنه سورة الحمد ألف دينار بقوتها الشرائية العجيبة، وأعطاه ألف حُلة، وحشا فاه دُراً، وعند اعتراضهم عليه يقول: أين يقع هذا من عطائه، فهو علَّم ولدي سورة الحمد.
وذلك يعني أن كل هذا العطاء لا يعدل شيئاً مقابل تعليم سورة الحمد، لماذا؟!.
لأن سورة الحمد ذات قيمة جوهرية أخروية ودنيويه، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، وهذا المنهج لو التزمنا به حقاً، لكنا نتحول إلى أئمة من أسياد العالم بحق، في سبيل إحقاق العدل، وإقرار السلم، وتحقيق الأخوة، وتوفير الحريات، وما أشبه ذلك من المعاني الإنسانية الرفيعة.
ولنعد إلى ذلك الإحصاء من جديد، ففي عام 1995م لكل مليون إنسان عربي 26 بحثاً، ولكل مليون فرنسي 840 بحثاً، أما السويسريين فلكل مليون منهم 1878 بحثاً، ونحن لنا 26 بحثاً فقط. لماذا؟!
لأننا أعرضنا عن منهج الإمام الحسين (عليه السلام).
معنى قوله: (جُدْ قبل أن تتفلت الدنيا)
ويقول الإمام الحسين (عليه السلام) بعد أن أعطى ذلك العطاء:
إِذَا جَادَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَـجُدْ بِهَا
عَـلَى النَّاسِ طُرَّاً قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ(9)
ولاحظوا هنا كلمة (طُرَّاً) والتي تعني القريب والبعيد، بل والعدو والصديق.
وقوله (عليه السلام): (قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ)، لوجهين:
الأول: إن النعم كثيراً ما تزول في الدنيا، لكن إذا أُعطيت فإن الله تعالى سيعطيك ويعوضك، وهكذا سنة الله سبحانه وتعالى في الكون، وقد جاء في الحديث القدسي ما مضمونه: (إن الأغنياء وكلائي، فإن أعطوا منها وإلا أخذتها منهم ولا أبالي)(10).
وهذا يعني أن الله تعالى أودع عندهم هذه الأموال، فإذا أعطوها للفقراء والمساكين والأيتام، أو لبناء المؤسسات العلمية، ومراكز الدراسات والجامعات والحوزات، والمدارس، وهكذا وهلم جرا، وإلا أخذها منهم؛لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنت وكيل من قبله فلماذا لا تعطي؟!.
إن الإمام الحسين (عليه السلام) يؤكد هذا المفهوم بقوله:
إِذَا جَادَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَـجُدْ بِهَا
عَـلَى النَّاسِ طُرَّاً قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ
فَلَا الْـجُودُ يُفْنِيهَا إِذَا هِيَ أَقْبَلَتْ
وَلَا الْبُـخْلُ يُبْقِيهَا إِذَا مَا تَوَلَّتْ(11)
الثاني: جاء في رواية أخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (الْغِنَى وَالْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ)(12) فإنه قبل أن يوقع الله جل وعلا ـ بتعبير مجازي ـ فلا غنى ولا فقر مهما بذل المرء من جهد.
إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد أقام الصلاة حقيقة بحدودها، وبنشر ثقافتها، ومغزاها وجوهرها، والفلسفة الحقيقية التي شرعت الصلاة لأجلها، وهي: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ)(13)، و(الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ)(14) و(الصلاة معراج المؤمن).
إن الصلاة هي طريق لإظهار العبودية لله سبحانه وحده ولا غير، فالصلاة تعني الاستعانة بالله وحده.
وبكلمة: فقد نشر الإمام الحسين (عليه السلام) وحافظ على ثقافة الصلاة ـ هذه الثقافة السامية ـ بتضحيته وجهده وبأحاديثه وكلماته.
فلاحظوا مثلاً حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنها سلسله من التكامل والتفاعل مع الصلاة.
صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الجمعة
ومما يشهد لذلك أيضاً، أنه في يوم الجمعة نجد للإمام الحسين (عليه السلام) صلاة خاصة، فهي عبارة عن أربع ركعات، في كل ركعة تقرأ كلاً من الحمد والتوحيد خمسين مرة، أي تقرأ الحمد والتوحيد كلاً منهما (200) مرة(15).
وهذا أيضاً يعد تجلياً من تجليات (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ)، وله (عليه السلام) صلاة أخرى نذكرها في مقام آخر إذا شاء الله.
إذا لاحظنا حياة الإمام الحسين (عليه السلام) مع الصلاة، نرى أنها كانت تجسد حاله نموذجية من التكامل.
فأين ما ترى من حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ترى الصلاة، المخبر، المضمون، الجوهر، وكانت أيضاً هي المظهر، وهي الشعار، وهي الدثار للإمام الحسين (عليه السلام)، وسنشير لهذه النقطة لاحقاً إن شاء الله تعالى.
(أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ) بما للكلمة من معنى، فإنه (عليه السلام) أقامها بنشر ثقافتها بتكاملها وتكامليتها مع بقية أسس وقواعد وفروع وأصول الدين، وأيضاً أقامها بأن حافظ عليها من أن يقتلعها من الجذور الطغاة والمستبدون على مر التاريخ، ولهذا الحديث شواهد وأدلة كثيرة، ربما نتطرق لها في المستقبل.
اضف تعليق