كلما اتجهت لمشاهدة فيلم أمريكي في صالات السينما السويدية انتابني قلق شديد من تضمينه صورا أو حكايات - ربما تكون مضللة - دارت في العراق إبان الاحتلال الأمريكي له في عام 2003 وما خلفه من دمار على شتى المستويات الأمر الذي افلت معه آمال من توقع أن يكون التغيير حقيقيا وفعالا! هنا سأتحدث عن تلك الأفلام الوثائقية التي تناولت الموضوعة العراقية كثيمة أساسية لها وساترك الحديث عن الأفلام الروائية إلى فرصة أخرى لما فيها من تفصيلات كثيرة ومعقدة.
من الأفلام الوثائقية المهمة التي تناولت موضوعة العراق في الحرب الأمريكية الأخيرة عليه ورشحت الى جائزة الأوسكار لأفضل فليم وثائقي هما فلمي المخرج جميس لونجلي الذي حمل عنوان (العراق مفتتا او اشلاء العراق Iraq in Fragments) والمخرجة لورا بويتراس وحمل عنوان (موطني.. موطني) تناول الفيلم الأول حالة العنف التي غلفت المشد العراقي بعد قيام الحرب وتناول الثاني التجربة الأولى للانتخابات العراقية في عام 2005.
ولعل تجربة المخرج الأمريكي جميس لونجلي تستحق إفراد دراسة متكاملة عنها كونه قد تبنى الموضوعة العراقية في أفلامه الوثائقية وقد سبق له ان قدم فليمين وثائقيين عن العراق هما (الاحتلال –ارض الأحلام) وفيلمه الأخر(قصر البنادق) وما يميز هذا المخرج عن سواه هو تبنيه لوجهة نظر مغايرة لما اعتاده المشاهد الأمريكي عن أفلام الحرب الوثائقية التي تبرز وجهة نظر الجندي الأمريكي المشارك في الحرب على حساب الناس الذي تقع عليهم تلك الحرب، ففي تلك الأفلام يبرز لونجلي الناس البسطاء وهم يتكلمون او يتألمون او يمارسون حياتهم التي أعاقتها الحرب رغما عن أرادتهم, ربما ذلك كله أبرزته قصة الفيلم التي تدور عن صبي اسمه محمد في الحادية عشرة من عمره يفقد أباه في الحرب ليبرز من خلالها حجم الصراع بين مكونات البلد الواحد الذي يراد له ان يكون مفتتا.
في حين تذهب مخرجة فليم (موطني .. موطني) الأمريكية لورا بويتراس إلى تأكيدها صناعة الفيلم الوثائقي المؤثر عاطفيا والذي تجده أسهل بكثير من صناعة الفيلم السينمائي الروائي الذي يتطلب الكثير من العاملين والتكاليف الباهظة فضلا عن تمثيله للوقائع عكس الفيلم الوثائقي الذي ينقل تلك الحقائق كما هي ومن واقعها الحقيقي والأجواء التي خلفتها الأحداث, رشح الفيلم لاوسكار 2005 وحصدت المخرجة ذاتها جائزة الاوسكار في عام 2015 عن فليم حمل عنوان (المواطن 4).
هذه وجهة النظر التي تبنتها بويتراس شاركتها مخرجة أفلام أمريكية أخرى هي ديبورا سكرانتون التي قدمت وثائقيات مهمة للسينما الوثائقية الأمريكية من بينها فليم (أشرطة الحرب) لكنها بدلا من إبراز الناس الذي وقعت عليهم الحرب قامت بإعطاء الجنود الأمريكان الكاميرا وتترك لهم العنان لتوثيق وجهات نظرهم في تلك الحروب وقادتها. واستطاعت هذه المخرجة من العمل لمدة 900 ساعة تصوير من الجنود و200 ساعة مع فريقها ببغداد صناعة الفيلم المكون من 97 دقيقة لتحقق به الفوز بالجائزة الأولى كأفضل فيلم في “مهرجان تريبكا” عام 2006.
انعكاسات الحرب على حياة الأسرة الأمريكية كانت حاضرة في عدد أخر من الأفلام الوثائقية ربما أهمها للمخرج والممثل الأمريكي جون كوزاك ويحمل عنوان ( جريس رحلت) ويتناول حكاية أب أمريكي يحاول ان يعوض فقدان زوجته التي كانت تخدم في الجيش الأمريكي أثناء الحرب على العراق من خلال اصطحاب طفليه في رحلة, غير ان فقدان الأم كان له الوقع المر على الأسرة مما يحيل الزمن الى مجرد نوع من اجترار الحزن.
في ذات المنوال يذهب المخرج الأمريكي إيروين وينكلر في فليمه (منزل الشجعان او وطن الشجعان) الى تناول حياة ثلاثة جنود يسهمون في مهمة إنسانية قبل انتهاء خدمتهم في الجيش الأمريكي ويتعرضون إلى هجوم قرب منطقة النجف تفقد فيه زميلتهم كفها أثناء محاولة الهرب فضلا عن موت العديد من زملائهم ثم يركز الفيلم على حياة هؤلاء الجنود الثلاثة عند عودتهم محملين بانكسارات نفسية هائلة تدفع احدهم إلى الموت وهو يحتجز رهائن وآخر إلى العزلة وتأنيب الذات وأخرى إلى حالة من الهستريا وهي ترى الآخرين يحاولون التعطف عليها بكف اصطناعية عن تلك التي فقدتها اثناء الحرب! ورغم كل الألم الذي تحمله مشاهد الفيلم إلا انه لا يدين العراقيين او يحملهم وزر تلك الانكسارات النفسية التي حلت بالجنود بقدر ما يحمل المسؤولية للجيش الأمريكي الذي تقوده سياسة رعناء تبحث عن مصالحها قبل كل شيء.
اضف تعليق