اختلاف الفكر عن اللغة، هو أن التفكير فعالية ذهنية صامتة داخل العقل، بينما تكون اللغة هي تعبير العقل فكريا عن الاشياء في وجودها المادي الواقعي في العالم الخارجي، واللغة تعّبر أيضا عن الوجود الخيالي بالذهن صوريا خياليا كمتعين غير مادي لا يتم أدراكه بلغة الكتابة فقط كما في تعبير اللغة...
شذرة 1: الفكر واللغة
اختلاف الفكر عن اللغة، هو أن التفكير فعالية ذهنية صامتة داخل العقل، بينما تكون اللغة هي تعبير العقل فكريا عن الاشياء في وجودها المادي الواقعي في العالم الخارجي، واللغة تعّبر أيضا عن الوجود الخيالي بالذهن صوريا خياليا كمتعين غير مادي لا يتم أدراكه بلغة الكتابة فقط كما في تعبير اللغة عن الابداع الادبي بكافة اشكاله، بل وكذلك التعبير بلغة الكمون الايحائي التأويلي المختزن في التعبير عن الجمال والفنون وبعض القيم والحق والخير والضمير بما هو وراء اللغة.
وإذا كنا لا نتوفر على أية آلية تباين واختلاف اللغة عن الفكر باعتبارهما تعبيرا واحدا عن وجود الاشياء، داخل وخارج الدماغ، فهذا لا يمنع أسبقية ادراكاتنا الحسيّة للأشياء بالفكر قبل اللغة في وجودها بالعالم الخارجي، وليس كل ما يدركه الفكر عقليا يتوجب او يمكن التعبير عنه بالضرورة لغويا، فقد يكفينا إدراك الكثير من الاشياء فكريا دون حاجتنا اللغة في التعبير عن ادراكاتنا الفكرية العقلية لها.
لكن من المهم اننا لا نفكر بالصور والرموز المجردة في ادراكنا مواضيع لا تعبير لغوي يؤطرها في حال رغبة الانسان ذلك، كما لا الفكر ولا اللغة يعبّران عن شيء بلا معنى، ولا نتمكن من التعبير بالفكر تجريدا من اللغة في خلو موضوع تفكيرنا من المعنى الصوري في شكل اللغة بعد استكمال الادراك المادي العقلي لها ذاتيا وموضوعيا، واذا كان الفكر يمثل جوهر ومحتوى الموضوع المدرك فاللغة وعاء الفكر وهي شكله المؤطر لمحتواه.
شذرة 2: فرويد والزمن
يقول فرويد :(ان اللاوعي يتجاوز الزمن)، أن اللاوعي أي اللاشعور في علم النفس هو حالة نفسية سلبية ساكنة لا تمتلك التأثير ولا القدرة على تجاوزها الزمن لعدم إدراك حالة اللاشعور أو اللاوعي للزمن، والانسان لا يعي الزمن المنتظم ادراكا حسّيا لا في اليقظة ولا في المنام. بعكس الزمان الذي هو فعالية ديناميكية شغّالة بحيوية فائقة في حالة وعي الانسان ادراكه اشياء الطبيعة، وليس حالة النائم المغيّب عنه وعيه الحسّي المادي الادراكي لذاته والوجود، ويبقى الانسان النائم اللاواعي محتفظا بالعقل في أدراكه الاشياء عشوائيا من غير انتظام لكنه لا يتبادل الادراك مع الزمان الذي لا وجود له في عالم الاحلام كأدراك منظّم يقوم بترتيب تداعيات صور الاشياء، كما في حالة الحدس به شعوريا في الواقع الطبيعي للانسان، لذا فالزمان المنظم الغائب هو الذي تتجاوزه حالة اللاوعي الحلمية عند الانسان من غير وعيه وأرادته، لأنه لا وجود للزمان المحسوس في حالة اللاشعور، ولعدم حاجة عقل الانسان للزمان في حالة اللاوعي.
فالزمان يحتاجه العقل في أدراكه الوجود والطبيعة والاشياء المادية الموجودة بالمحيط الخارجي ولا يحتاجه في حالة اللاوعي اثناء النوم، كون العقل ذاته لا يدرك تداعيات صور الاشياء الذهنية في حلم الانسان اثناء نومه في غياب تنظيم الزمان لاشعور الانسان من جهة ومن اختلاطات الصور الذهنية مكانيا من غير تنظيم.
ومدركات تداعيات صور الاشياء أثناء النوم في غياب الوعي أنما يدركها عقل الانسان الباطني اللاشعوري في عشوائية تلغي تحقيب الزمان أو توقيتاته المعتادة في تنظيم عالم الاشياء الخارجي في مرجعية الزمان للعقل، كما وتلغي عشوائية تداعيات صور اللاشعور اثناء النوم، وتنظيم صور المكان المتداخلة زمانيا - مكانيا في أستلام عقل النائم لها من ذاكرة الحالم فقط.
مجمل وعديد من صور الاشياء يتحرر فيها اللاشعور من وصاية ادراك الزمان والمكان لصور واشكال تداعيات الموضوعات التي يستلمها اللاشعور عند النائم في انسيابية ودون ترابط بينها أغلب الاحيان باختلاف أن فهم العقل للأشياء وادراكها في وجودها المادي الخارجي يكون منظّما، وهو غيره تراجع دور العقل الواعي الذي يكون مقيّدا وبلا وصاية مؤثرة أثناء مرور تداعيات صور الاشياء في اللاشعور الذهني عند النائم التي لا وصاية للعقل في ادراكها وان كان عقل الحالم حاضرا اثناء تداعيات صور الافكار والاشياء بشكل ادراكي غير منتظم.
الانسان لا يدرك الزمان وجودا في حيويته في حالة وعيه الحدسي به في الطبيعة، ولا يدركه في اللاشعور اثناء النوم، كذلك الزمان لا يدركه اللاوعي في ثباته وسكونه اثناء النوم، فالعقل شغّال من غير تنظيم ادراكي في غياب الادراك الزماني اللاواعي اثناء النوم، كما أن العقل شغّال أيضا غير مفارق ذهن الانسان في حالتي الوعي واللاوعي، أي أن الزمان المنظّم لا يدرك حالة اللاوعي عند الانسان اثناء النوم في الاحلام، ولا يتدخل بها كما هي الحال في تداخله مع وعي الانسان وادراكه الطبيعة.
وحالة الوجود اللاوعي أو اللاشعور عند الانسان لا يدركها العقل ولا الزمان في نفس آلية ادراكهما المنظّم تجليّات وعي الانسان في ادراكه أشياء الطبيعة والوجود الواقعي باليقظة الذي تتظافر به مجتمعة معطيات الحواس، والجهاز العصبي الناقل، وتعبيرات اللغة والفكر والدماغ في ادراك الاشياء واعطاء تفسيرات لها.
الزمان في حال كونه معطى ادراكيا ثابتا في الذهن، او كونه ديناميكية شغّالة يعتمدها العقل ترتبط بالحواس والمعطيات الادراكية المنقولة الى العقل أو الذهن فهو في كلتي الحالتين يدرك الوعي في تجليّاته الفكرية، ولا يدرك الزمان حالة اللاوعي في الحلم عند النائم. والزمان لا يدرك ذاته باختلاف حالتي وعي الانسان او اللاوعي الحلمي في محاولته ادراك ذاتيته المغيبة وسط تداعيات مخيّلة الذاكرة التي يستلمها اللاشعور في عشوائية من التداعيات وانتقالات خارج الزمان والمكان المدركان في حالة وجود الانسان ضمن الطبيعة، أي ان النائم يخرق قوانين الطبيعة في احلامه من دون وعيه وارادته.
وفعلا تبقى مقولة فرويد أن اللاوعي لا يحتاج الزمن أو هو متحرر منه صحيحة فالإنسان لا يتحرر من سطوة الزمان عليه الا في حالة اللاوعي او اللاشعور اثناء النوم والاحلام التي تتداخل فيها صور الاشياء بالذهن من غير زمن ينظمّها، واللاشعور تنشط فعاليته في غياب وصاية الزمان عليه في الاحلام.
الزمان لا يشتغل الا مع وعي الانسان المتبادل معه حدسا او ادراكا استدلاليا. بفارق أن الزمان يدرك الانسان كوجود في الطبيعة حاله حال جميع ادراكات الاشياء المحيطة به، لكن الانسان لا يقوى على أدراك الزمان سوى من خلال حدس تجليّاته في ادراكه الاشياء المنقولة للعقل عبر معطيات المدركات، كما لا يستطيع الانسان أدراك الزمان في حالة اللاوعي ايضا كما هو في حالة الانسان الحالم في تداخل المكان والقطوعات الزمنية غير المنّظمة عنده من دون حضور الزمان المنظّم في تحقيقه وعي الانسان بذاته وفي محيطه في غياب لاشعور النائم وتداعيات صور الاشياء عشوائيا بالذهن الحالم.
أن اللاوعي في مفهوم علم النفس هو وعي مغيّب الحضور على مستوى تغييب الادراك العقلي له، واللاوعي مرادف اللاشعور، لذا يكون اللاوعي أو اللاشعوري الحلمي أثناء النوم وجود مفارق للواقع الزمني والمكاني، يلغي الحدود التي يضعها الشعور الافتراضي في تحقيب الزمن تاريخيا الى ماضي وحاضر ومستقبل وفي توقيتاته الزمنية في التقويم الزمني المعتاد المتواضع عليه في تقسيم اليوم والساعة والفصول وغير ذلك أيضا.
في اللاشعور أو اللاوعي عند النائم لا يدرك ذاته ولا يدرك المحيط من حوله لأنه ثبات لا يمكنه ادراك متغيّرات صورية متداعية لا ينتظمها الزمان ولا المكان، بخلاف آلية وعيه الاشياء والطبيعة في حالة اليقظة، عن طريق نقل الزمان الذي يعتبره كانط ادراكا مقولبا ثابتا في العقل وسابق على وجود الاشياء، نقل الزمان معطيات المحسوسات، فاللاشعور في ثباته لا يدرك الزمان منتظما توقيتيا او تحقيبا تاريخيا، ولا يدرك المكان وجودا منتظما لأنه محكوم بزمن غائب ومتغير ومكان خارق للطبيعة في تداخله مع تداعيات صور الاشياء بذهن النائم الحالم ، عليه يكون تداخل التحقيب الزمني غير وارد ولا حاصل مع ادراك اللاشعور لصور الاشياء بأشكال مختلفة عنها اثناء النوم بالمقارنة في حضور ادراك الاشياء المادي الواقعي في حضور وتأطير أدراك الاشياء بانتظام زمني وانتظام مكاني معا، وانما يدرك اللاشعور وجود الاشياء واجترارت الذاكرة الصور القصّية البعيدة والقريبة في عشوائية ذهنية مكانية حالمة لا يداخلها الزمني في حلم غياب الشعور اثناء النوم.
والانسان في وعيه الادراكي الشعوري الواقعي لذاته، وفي أدراكه وجود الاشياء من حوله في الطبيعة، أنما يتم له ذلك من خلال تحقيبه الزمن أدراكيا في وجود الاشياء وفي التوقيتات الزمنية بدءا من الساعة وليس انتهاءا بتعاقب الفصول الاربعة. وبذلك تكتسب الاشياء انتظام وجودها الزماني – المكاني في الطبيعة وليس في اللاشعور.
أن أي تجزيء توقيتي للزمن أو تحقيب تاريخي له أنما هو عمل افتراضي لا واقعي لزمن واحد يعيشه الانسان في وعيه الشعوري وأدراكه وجود الاشياء، ويتعذّر على الانسان تجزئة الزمان او التقسيم أو التحقيب التاريخي، كما يعيشه الانسان فقط في مدركاته الاشياء في الطبيعة وليس في أدراك الزمن لذاته او معرفة الانسان ماهيته. الزمن لا يدركه الانسان ولا يحس به وانما يحدسه عقليا فقط في ادراكاته ونتائجه الاستدلالية وفي ملازمته الشعور فقط وليس اللاشعور.
والزمن واحد في تداعيات صور الموضوعات غير المنتظمة في استقبال ذهن الانسان وذاكرته في انتظام ادراك الاشياء عقليا. فالزمن ثابت ولا يتغير لافي ثبات الاشياء مكانيا ولا في تغيراتها زمانيا بالنسبة لإدراك الانسان للأشياء وليس ادراك الزمان لها، فالزمن لا يعي ذاته ولا يعي دوره في تحقيق مهمة العقل أدراك الاشياء.
وبالعودة مجددا الى مقولة فرويد، نجد غياب الزمن في اللاوعي أو في اللاشعور لا يتم الا في فقدان الانسان شعوره المادي الواقعي بالحياة كذات وموضوع معا، بمعنى أن حلم النائم هو موت مؤجل في الحياة ويعيشه الانسان في لا شعوره به أثناء النوم بفارق بقاء العقل والنظام البايولوجي يعمل في الجسم.
وفي غياب الزمن التوقيتي او التحقيبي اثناء النوم كما يجري في الاحلام تتوفر امكانية أن يجد الانسان نفسه كائنا خارقا لقوانين الطبيعة، ويستطيع بكل يسر وسهولة وبغير ارادة مسبقة منه القيام بالخوارق في كسر قوانين الطبيعة في الزمان والمكان الذي نعيشه، والتي يستحيل على الانسان في عالمه الواقعي القيام بأبسطها في وجوده الطبيعي الشعوري .أن خرق قوانين الطبيعة في الاحلام عند الانسان ممكنة الفعل والتصديق بها من قبل الفرد الواحد صاحب التجربة الحلمية، ولا يشابه هذا خرق قوانين الطبيعة التي يحتازها الانبياء وينسبوها لأشخاص يمتلكون بعضا من المعجزات كما في الاساطير الدينية على الارض، ويتم خرق قوانين الطبيعة عند غالبية الاشخاص زمانيا – مكانيا اثناء الاحلام، وبلا حدود واقعية فارقة تعودوها واستمدوها من وجودهم الارضي الواقعي الذي ينتظمه الشعور والادراك الواقعي الحسي العقلي وتنظيم الزمان.
كما يتحقق للانسان أثناء النوم أن يعيش الزمن في بعد واحد فقط تتداخل فيه الامكنة غير المترابطة ولا المنتظمة، ولا يوجد هناك أكثر من بعد زمني واحد تتداخل فيه صور الامكنة الماضية بالحاضر والمستقبل المتخّيل في الاحلام. وأن تقسيم الزمن وتحقيبه هو من ابتداع ملكة الانسان العقلية والخيالية على السواء في تنظيم ادراكاتنا واساليب حياتنا المتواضع عليها عبر العصور في خضوع الانسان لتحقيب وتوقيتات الزمن التي أبتدعها وأوجدها ملائمة لتنظيم حياته، ولم يكن الانسان في يوم ما مسيطرا على الزمن في تحقيق رغائبه وامانيه، بل العكس هو الصحيح تماما فلا يقدر الانسان الفكاك من سطوة الزمن عليه واستعباده له منذ الولادة وحتى المماة، فالانسان في تحقيبه الزمن تاريخيا وتنظيم مواقيت التقويم الزمني له يدرك ماذا يفعل ، بينما تكون سيطرة الزمان على الانسان عملية لا تعي ذاتها ولا تعي ما يفعله الانسان بها ولا تدرك أن الانسان عبد لزمانه وليس سيدا عليه.
شذرة 3: هيجل والحقيقي
يقول هيجل ما معناه، أن كل واقعي هو حقيقي وكل حقيقي هو واقعي، أراد هيجل بذلك القول أن ما يدركه العقل واقعيا يتحتم وجوده بالضرورة الادراكية له أن يكون موجودا حقيقيا في عالم الاشياء، وهي نظرة ميكانيكية في الادراك لا تقبل التعميم على أدراك جميع الموجودات في الطبيعة.
كما نجد بارمنيدس قوله (اللاوجود موجود) ويقصد به أنه يتعذر علينا تحديد الوجود الحقيقي للاشياء بغير اللاوجود الافتراضي لها. وكلاهما الوجود واللاوجود أنما هما حالتين من أدراكنا الاشياء مكانيا – زمنيا، وأدراك مكان الشيء زمانا يلزم بالضرورة أدراكه في وجود مكاني وزماني متغيّر على الدوام وفي حالة من الصيرورة الحركية الدائمية. فيصبح اللاوجود هو وجود مكاني مدرك زمانيا باستمرار الاستدلال المنطقي عليه. بعبارة ثانية أن الفراغ لا يدرك بغير الامتلاء. وبذلك نتمكن أدراك وجود الاشياء ماديا. بمعنى أن الوعي الحقيقي الذاتي هو في وعي الاخر كموضوع في وجوده المادي الواقعي أو في وجوده الخيالي. كما أن الآخر هو وجود مغاير للوعي الذي يدركه.
شذرة 4: برجسون والذاكرة
أرجو التركيز معي في عبارات الفيلسوف الفرنسي برجسون الآتية، كي يتم ربطها ربطا توضيحيا نقديا مجديا في تعقيبنا عليها.
(يرفض برجسون ربط الذاكرة بالدماغ، الدماغ العضو الذي يقدمه الماديون على انه مركز الذاكرة، ويقول برجسون انه لو كان للذاكرة محل محدد في الدماغ، اذن لاختفت اجزاء كاملة من الذاكرة في حالة حدوث اصابات معينة بالمخ. ويرى برجسون ان الاهم هو تشبيه الدماغ بالمكتب المكلف بتوصيل الاشارات والرسائل من جهة الى اخرى. ويضيف ان مهمة الدماغ ليست القيام بواجبات الحياة الروحية بالمعنى الدقيق، ومن جهة اخرى يرى برجسون ان الذاكرة ليست ادراكا حسيا وقد ضعف، وانما هي مختلفة اختلافا جوهريا عن الادراك الحسي).
انظر الفلسفة المعاصرة في اوربا/سلسلة كتب عالم المعرفة – الكويت/تاليف ا.م. بوشنكي/ترجمة عزت قرني ص149.
التعقيب:
1. ان عدم ربط الذاكرة بالدماغ فسلجيا وظيفيا كما فعل برجسون لا يقول به ولا يقبله، اي طبيب متخصص بالدماغ والجهاز العصبي، ولا يقر به فيلسوف يحترم قيمة العلم، ولم يشر لنا برجسون صاحب جائزة نوبل بالأدب من هو المسؤول عن الذاكرة في غياب ربطها بالدماغ؟، وكيف تعمل وما هو فرق واجباتها عن واجبات ووظائف الدماغ؟ وما مصدر الافكار الاسترجاعية التذكرية في الدماغ غير الذاكرة؟
2. في تعبير الفيلسوف برجسون الذي لا يقول به شخص عادي يعرف الف باء وظائف الدماغ، يذهب الى استنتاج يتفرد به وحده دون غيره، ان الذاكرة اذا ما كانت مرتبطة بالدماغ، فأن أي تلف يلحق بالدماغ يمحو من الذاكرة اجزاءا كبيرة!
غريب أن يصدر مثل هذا الاستنتاج الفلسفي من متفلسف لا يقر بارتباط الذاكرة بالدماغ كي لا يكون اي تلف بالدماغ يستتبعه محو اجزاء من الذاكرة والذي لا ينكره عليه عاقل، ولكي نتجنب خطر محو أجزاء من الذاكرة علينا عدم ربط الذاكرة بعمل الدماغ، وأيضا لا يقدم لنا الفيلسوف ولا يعطينا بمن ترتبط الذاكرة ؟، ولا بمن نتبعها ونلحقها كي لا تتعرض للخطر ومحو اجزاء منها؟ هل نربط الذاكرة بعمل القلب فيكون عندنا أي عطل أو مرض يصيب القلب يمحو من الذاكرة الكثير، أم نربط الذاكرة بالضمير فيصبح كل صاحب ضمير ميّت بلا ذاكرة، وهكذا في تعدد احتمالات ربط الذاكرة بعضو من الجسم يكون مسؤولا عنها، أم نبقي الذاكرة يتيمة بلا أم ولا أب ولا معيل والكل بريء منها كي نضمن سلامتها اكثر من سلامة وجود الانسان حيّا؟
3. ان وظيفة الدماغ حسب برجسون هي ليست القيام بواجبات الحياة الروحانية بالمعنى الدقيق، ويريد على افتراض حسن النية بسلامة فكرته بهذه المسألة، أن القضايا الروحانية يعنى ويتحكم بها ضمير الانسان أو أخلاقه او نفسيته وليست هي من واجبات الدماغ في المعنى الدقيق حسب تعبيره. وكي نخلص من احراجات برجسون اللفظية، نقول أن مجمل عواطف ووجدانات الانسان وعواطفه وميوله النفسية وعلاقة الحب والكره، والشر والخير وكذلك العلاقة الجنسية واشباعها، أنما المسؤول عنها ملايين الخلايا التي يتحكم بها الدماغ لا غيره، والقول بان مصدر تلك الفعاليات التي مررنا بها هي من خاصية القلب او اللاشعور والنفس، فهذه بمقاييس الطب العلمي النفسي والجهاز العصبي غير معمول بتصديقها كمسلمات علمية أكثر منها تعبيرات لفظية في مسائل هي من اختصاص طب النفس البت بها وليس الفيلسوف. وفي الاخير هي تتبع وظائف وعمل الدماغ تحديدا ولم يثبت لحد الان علميا براءة الذاكرة من الدماغ ولا براءة الروحانيات من النفس التي تتبع الدماغ، الذي يمتلك وسائل علمية في اعطاء أجوبة كل تساؤل بهذا المجال.
شذرة 5: الوضعية المنطقية الجديدة
في محاولة اقطاب احياء فلسفة الوضعية المنطقية الجديدة، وهما الفيلسوفان الايطالي كروتشة والفرنسي برنشفيك بداية القرن التسع عشر، في طروحاتهما الفلسفية النقدية التي خرجت خروجا تاما على افكار كانط في ادعائها محاولة تجديد تلك الافكار، فهما ينكران أن يكون الحس مصدرا موثوقا واصيلا متقدما على باقي وسائل المعرفة، ولا يقران تقسيم وجود الاشياء فينومين ونومين، اي الظواهر(الصفات) والجواهر(الماهيات)، كما لا يعترفان ايضا بما يسمى (الوجود في ذاته)، معتبرين الفلسفة هي تحليل لغة العلم فقط، وان منهج الفلسفة منهج علمي صارم، ويدين برنشفيك في مثاليته النزعة التصورية التي تذهب الى أن الحكم على الاشياء يسبق كل انشطة العقل الاخرى، وتعريفه الفلسفة أنها (نشاط عقلي يعي نفسه).
اضف تعليق