كما هو مستقر ان الامن القضائي موكول للمحاكم العليا ويتجلى ذلك في جودة الاحكام القضائية وسهولة الولوج للقضاء واستقرار الاجتهاد القضائي، والغاية من ذلك ترسيخ الثقة بالمؤسسة القضائية لان اعظم مفسر للقانون يفترض ان يكون قاضي المحاكم العليا، اذ على عاتقه يقع عبء اطمئنان المتقاضي لاجتهاده...
كما هو مستقر ان الامن القضائي موكول للمحاكم العليا ويتجلى ذلك في جودة الاحكام القضائية وسهولة الولوج للقضاء واستقرار الاجتهاد القضائي، والغاية من ذلك ترسيخ الثقة بالمؤسسة القضائية لان اعظم مفسر للقانون يفترض ان يكون قاضي المحاكم العليا.
اذ على عاتقه يقع عبء اطمئنان المتقاضي لاجتهاده، وهذا يقتضي وضع آلية لاطلاع الجمهور على كل تغيير يطرأ على هذا الاجتهاد كما هو معمول في القضاء المقارن ومنع التناقض بالاحكام وتحديد اليات وشروط ودواعي العدول عن المبادىء القانونية، الا ان قانون مجلس الدولة لم ينص للاسف على انشاء هيئة او دائرة قضائية تضطلع بمهام توحيد المبادىء والاحكام القضائية ومنع تناقضها.
كما ان المجلس لغاية التعديل الاخير على قانون المجلس بالرقم (17) لسنة 2013 كان يفتقر لوجود مكتب فني يعمل على استخلاص القواعد والمبادئ القانونية التي تقررها هذه المحكمة وبقية محاكم مجلس الدولة وتبويبها فهرستها.
في حين ان قانون مجلس الدولة المصري اوجد في المادة (54/مكرر) من قانونه رقم (47) لسنة 1972 مثل هذه الدائرة حيث نصت هذه المادة على ان (اذا تبين لاحد دوائر المحكمة الإدارية العليا عند النظر الطعون انها صدرت منها أو من احد دوائر المحكمة احكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته احكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها احالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الاقدم فالأقدم من نوابه.
ويجب على سكرتارية المحكمة ان تعرض ملف الدعوى خلال ثلاثة ايام من صدور قرار الاحالة على رئيس المحكمة ليعين تاريخ…)، ومهمة هذه الدائرة توحيد الاحكام الصادرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا، اذ تتولى هذه الدائرة بحكم ما أوتيَ اعضائها من خبرة في العمل القضائي وحكمة تدبر الأمر من اقرار وضبط اي تعديل أو تغيير في هذه المبادئ ومواكبة التطور الحاصل في الحياة الإدارية وهو ما يحقق الاستقرار النسبي للمبادئ التي تقررها المحكمة الإدارية العليا، بما يوفر توحيداً للتفسير الصحيح لأحكام الدستور والقوانين واللوائح واعلاءً للمشروعية الموحدة الاسس والمبادئ.
وهذا من شأنه ان يحقق للمتقاضين الاستقرار القانوني والقضائي، فأنشاء المحكمة الإدارية العليا في مصر بموجب القانون رقم (165) لسنة 1955 كان الهدف منه التعقيب النهائي على جميع الاحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة، وهي تمثل القمة في تدرج محاكم مجلس الدولة وكلمتها هي الفيصل في النزاع المعروض عليها بلا معقب لقضائها.
غرف قضائية
أما المحكمة الإدارية العليا في العراق فهي لا تتألف من هيئات (غرف) قضائية متعددة كما هو الحال في المحكمة الإدارية العليا المصرية التي تصل إلى عشر دوائر قضائية كل دائرة تختص بنظر جانب معين من الطعون بل تتألف من هيئة واحدة تنعقد برئاسة رئيس المجلس اومن يخوله من المستشارين وعضوية (6) ستة مستشارين و(4) اربعة مستشارين مساعدين يسميهم رئيس المجلس.
ان تشكيلة المحكمة الإدارية العليا من هيئة واحدة يفترض ان يعزز توحيد الاحكام والمبادئ القضائية لهذه المحكمة لأنها صادرة من هيئة واحدة تمثل اجتهاد ورأي واحد، الا ان ان زخم العمل القضائي جعل هذه الهيئة الواحدة عاجزة عن تحقيق الجودة بالاحكام وضمان وحدة المبادىء، وازاء هذا الواقع الذي فرض نفسه بدأت المحكمة الادارية العليا بالعمل على شكل مجاميع تتالف من ثلاث مستشارين للنظر بالطعون دون سند قانوني ويكون تدقيق الطعون من قبل كل مجموعه وفي حال التوافق على نتيجه الطعن يوقع اعضاء المحكمة الادارية العليا على القرار اما في حال وجود راي مخالف فيعرض الطعن على مجموع هيئة المحكمة الادارية العليا للبت به.
هذا السياق ساعد على تخفيف العبء والاقتصاد بالوقت في حسم الطعون الا انه من جانب اخر لم يحقق الوحدة في المبادىء القانونية لان تقسيم هذه المجاميع والتي هي اشبة بالهيئات المصغرة لم يكن تقسيماً نوعياً وفقاً لنوع الطعون فتنظر هذه الهيئات المصغرة اذا جاز التعبير مختلف الطعون الصادرة من محاكم مجلس الدولة.
كما ان كل هيئة قد تصدر احكاماً تناقض الاحكام الصادرة من الهيئات الاخرى لعدم وجود جهة تتولى توحيد المبادىء والاحكام القانونية الصادرة عن المحكمة الادارية العليا وهذا من شأنه خرق مبدأ الامن القضائي الذي تضطلع به المحاكم العليا، فالمشرع اغفل النص على وجود هيئات متخصصة داخل المحكمة الادارية العليا مع وجود هيئة عامة او موسعه تتولى النظر فيما اختلفت به الهيئات المتخصصة على غرار محكمة التمييز الاتحادية.
كما اغفلت النص على تشكيل هيئة او دائرة لتوحيد المبادىء القانونية على غرار المحكمة الادارية العليا في مصر رغم ان قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل قد نص في المادة (2/رابعاً/ب) منه على ممارسة المحكمة الادارية العليا للاختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز الاتحادية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل عند النظر في الطعن بقرارات محكمة القضاء الاداري ومحكمة قضاء الموظفين فهذا النص استعار الاختصاصات من محكمة التمييز الاتحادية واهمل التشكيل في حين ان ممارسة هذه الاختصاصات مرتبط بالهيئات داخل محكمة التمييز الاتحادية.
وهذا اغفال تشريعي بين انعكست اثاره على عمل المحكمة الادارية العليا حالياً التي تقسم العمل وفقاً لاجتهادات وسياقات عمليه لاتستند لنص او غطاء تشريعي، لذا ندعو المشرع العراقي ومجلس الدولة لتلافي هذا الاغفال التشريعي لضمان فاعلية ممارسة المحكمة الادارية العليا لاختصاصاتها عن طريق هيئات متخصصه نوعياً داخل المحكمة مع تشكيل هيئة تتولى توحيد المبادىء القانونية والله ولي التوفيق .
اضف تعليق