من أهم الخطوات التي تنتهجها الأمم والدول المتطورة، أنها تعزز بناء الشباب فكرا وشخصية واثقة منتجة حيوية متجددة، فالشباب كما أسهب في ذلك علماء الاجتماع والمعنيون، يمثلون الشريحة الأكبر والنسبة الأعلى من الشرائح التي يتكون منها المجتمع، وهذه الزيادة العددية المرونة بالقوة والحيوية والطاقات المتحركة، تجعل من هذه الشريحة معيارا لحيوية المجتمع كله، فليس هناك شريحة يمكن من خلالها قياس نشاط الأمة وطبيعته غير شريحة الشباب، ومن هذا التفسير وحده نستطيع أن نفهم لماذا تتبوأ فئة أو شريحة الشباب هذه المكانة الحاسمة في تحديد طبيعة المجتمع أو الأمة.
علما أن الشباب (ويسمى الشاب فتى، والشابة فتاة)، مصطلح يطلق على مرحلة عمرية هي ذروة القوة والحيوية والنشاط بين جميع مراحل العمر لدى البشر، وتختلف تلك المراحل العمرية لدى بقية الكائنات الأخرى، حيث معدل النضج عند الفرد قد لا يتوافق مع عمرهم الزمني، والأفراد الغير ناضجين يمكن أن يتواجدوا من جميع الأعمار.. حيث يطلق على الذكر(شاب) وعلى الجمع شباب أو شبيبة، وعلى الأنثى شابة، والجمع شابات، وجمعها للجنسين في حالة العزوبة شبان وشابات، ولأن أعدادهم في الغالب تكون هي الأكثر وطموحاتهم هي الأعلى فإن توجيههم في المسار الصحيح وتعزيز حضورهم المجتمعي ينطوي على نتائج باهرة تصب في صالح الجميع.
أما الأسباب التي تقف وراء مثل هذه النتائج الكبرى، فلأن مرحلة الشباب تعد من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث تبدأ شخصيته بالتبلور، وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف، ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر، وإذا كان معنى الشباب أول الشيء، فإن مرحلة الشباب تتلخص في أنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة.
ولعلنا لا نوغل كثيرا في المبالغة أو تضخيم التصورات التي لا أساس لها في الواقع، عندما نقول إن من أخطر الإشكاليات التي يواجهها شبابنا في العصر الراهن، حالة الإهمال المستشرية، وهي تلف واقع الشباب وتجعلهم بلا أهداف واضحة في الحياة، على الرغم من أن البنية الأساسية للمجتمعات الحيوية تعتمد على شريحة الشباب أولا، كما أن البنية الأساسية لشخصية الكائن البشري، تستدعي حالة من الاستعداد الجسدي والذهني، حيث تتوافر في مرحلة الشباب ظروف مناسبة جدا للشروع في تكريس الجانب الايجابي لدى الشخصية، سواء على مستوى الفكر أو السلوك، فمرحلة الشباب تمثل فرصة مناسبة بل هي الفرصة الأهم في التشكيل الصحيح لبنية الإنسان الفكرية والسلوكية في وقت واحد، لذلك من المناسب جدا أن يتم الاهتمام الفعلي المدروس بهذه الشريحة وتعزيز حضورها وفاعليتها ومنحها الشخصية والمكانة التي تميزها بالفعل عن سواها، كونها الفاعل المهم الذي يشكل المحور أو (الداينمو) المغذي للآخرين.
مقولات في مزايا الشباب
أما الضعف الذي قد يتلبس شخصية الإنسان، والاهتزاز والنكوص والتراجع الذي تعاني منه، فهو غالبا ما ينتج عن تعامل رديء مع هذه الشريحة، والإيغال المتعمّد بإهمالها من لدن الجهات المعنية والنخب، وحرمان المنتسبين لها من فرصة ترصين البنية الأساسية للشخصية الإنسانية في مرحلة الشباب.
وحول استثمار واستغلال مرحلة الشباب بصورة فاعلة وناجحة، وردت روايات وأحاديث شريفة، تبعها كلمات وأقوال مأثورة لمفكرين وكتاب عن مرحلة الشباب، فقد جاء في الحديث الشريف: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، و غناك قبل فقرك)، في حين قال الكاتب الشهير الساخر برنارد شو إن (الشباب صدمة للمسنين تجعلهم يطلعون على ما يجري حولهم)، في إشارة بالغة للفارق بين حماسة الشباب وطموحهم العملي في الوقت الذي يعاني كبار السن من ضآلة الطاقة وضعفها خاصة تلك التي تتعلق ببذل الجهد العضلي.
ومع كل هذا الحث على أهمية مراعاة الشباب، هناك من يقف بالضد من هذه الشريحة، من خلال التجاهل المقصود لها، فإذا جئنا الى مجتمعنا العراقي على سبيل المثال، فإنه يشكل مادة دسمة ومثالا صارخا على حالة الإهمال التي يتعرض لها الشباب عن قصد أو من دونه، فلا نكاد نجد اهتماما بالشباب في مجال التعليم والتوعية والقضاء على البطالة وإقامة أماكن الترفيه المناسبة، لذا نراهم متروكين بين أذرع الفراغ الفتاكة، تأكلهم البطالة، ويبطش بهم البؤس والعوز، وتتناهبهم الأمنيات الفارغة، والطموحات المؤجلة الى حين لم يأت بعد، ولا يعرف الشباب متى ينتهي هذا التأجيل، مع أن الجميع يعترف بأهمية هذه الشريحة، ويؤكد ارتباط قوة المجتمع بحضور وفاعلية هذه الشريحة.
لهذا قد لا تجدي نفعا جميع البحوث والدراسات والدوافع التي تحث على رعاية الشباب، ما لم يتم الإيمان الفعلي بهذه الفئة المهمة التي يتشكل منها الحاضن الاجتماعي المتميز، علما أن الخطر يحدق بهذه الشريحة ونعني بذلك تركهم تحت وابل من السيل الإعلامي والثقافي حيث تفد إلينا عبر وسائل العولمة المتعاظمة ثقافات مدمرة للشباب، تسهم في انحرافهم فيما تغض الجهات المعنية طرفها عما يحدث، ولا تبدي أي حرص لتجنيب الشباب هذه المشكلات الأخلاقية والفكرية التي تحيط بهم من جميع الجهات.
كيف نحمي شبابنا من الانحراف
سؤال ربما نكرره كثيرا، ونطلقه على أسماع المسؤولين كثيرا، ونعني بذلك كل الجهات المدنية والرسمية التي ينبغي أن تتنبه الى المصاعب التي تلتف حول الشباب، وتحاول أن تضعف من دورهم، من خلال إضعاف شخصية الشاب وتجريده من طاقاته وقدراته ومواهبه، من خلال محاصرته بالفراغ والبطالة والمقاهي والتسكع والمخدرات وما شابه، في حين أن الأجدى والأنفع والأفضل للجميع وليس للشباب وحدهم، أن نمد لهم يد العون في المجالات كافة.
كيف يمكن أن يقوم المعنيون بمهمة مساعدة الشباب وإنقاذهم، او بالأحرى إنقاذ المجتمع كله، فالخطوات المطلوبة ليست غامضة ولا عسيرة، لكنها تحتاج الى مرتكزين.. الأول أن يتم تقديم الدراسات والمقترحات التخصصية العلمية في هذا المجال، والمرتكز الثاني أن تكون هنالك أرادة تنفيذية عبقرية ذات إرادة جبارة تعمل على تنفيذ هذه الدراسات والمقترحات والحلول لإنقاذ الشباب ومن ثم حماية المجتمع من السقوط في المنحدر الخطير الذي يمضي به نحو الهاوية الأخلاقية والحياتية على وجه العموم، وهذا العمل ليس عصيا على المعنيين فيما لو تم تحضير المرتكزين الذي سبقت الإشارة إليهما.
هل نحن إزاء معضلة اجتماعية، نقول نعم إنها معضلة تتطلب السعي الفوري لتحصين الشباب من فخ العولمة ووسائلها خاصة أنه بات من المستحيل عزل الشباب والمجتمع عموما من وسائل العولمة، لأن هذا النوع من العزلة لم تعد مجدية، ولكن بالإمكان اتخاذ ما يلزم من الخطوات التي تدرأ الخطر وتبعده من خلال إجراءات فعلية عملية تبادر لها المنظمات المعنية والجهات الحكومية والمدنية، بما يجعل من تعزيز الشخصية الشبابية هدفا للجميع، وعلينا أن نسهم في ترسيخ الحضور الشبابي في المجتمع، فمن خلال ذلك يمكننا حماية الشباب من منزلق الانحراف الخطير، فضلا عن قطف النتائج الجيدة المتأتية من تحريك هذه الطاقات الشبابية الكبيرة في الاتجاه المطلوب والصحيح.
اضف تعليق