q

في أحدث الاخبار الواردة الينا عبر وكالات انباء عالمية، ان تركيا تقاطع مؤتمر الأمن في ميونيخ بسبب مشاركة إسرائيل.

ومثل اخر حول المواقف من قانون الحرس الوطني المقدم للتصويت عليه داخل البرلمان العراقي، صرح التحالف الكردستاني، ان قوات البشمركة "غير مشمولة" بذلك القانون، وفي مقابل ذلك يشير الى ان الاكراد سيحصلون على نسبة معينة في حرس ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك.

وفي خبر اخر نشرته احدى الصحف الشيعية العراقية وعلى صفحتها الاولى نقلا عن وكالة انباء اشهر من نار على علم، وهي تنقل تصريحا لمسؤولين امريكيين قولهم: الآن على الحكومة العراقية التعامل مع 20 مليون سني محروم.

ما الذي تعنيه مثل تلك الاخبار والوقائع وهي تنتقل من مكان الى اخر بسرعة البرق؟

يختصر ذلك بكلمة واحدة هي (التلفيق).

وهي في العربية نوع من أنواع الجناس، وهو ما تماثل ركناه وكانا مركّبين، كقولهم: ولمَّا كلَّ متني كلّمتني.

وكَلامٌ كُلُّهُ تَلْفيقٌ: كَلامٌ كُلُّهُ زَخْرَفَةٌ وَتَمْويهه.

وتَلْفيقُ تُهْمَةٍ: حَبْكُها، نَسْجُها.

ولَفَّقَ الرَّجُلُ: طَلَبَ أَمْراً فَلَمْ يُدْرِكْهُ

ولفَّق الشَّخْصُ الكلامَ: اختلقه، زخرفه وموَّهه بالباطل، موهه بالكذب والافتراء.

ولَفَّقَ تُهْمَةً ضِدَّهُ: حَبَكَهَا، أَنْسَجَهَا ضِدَّهُ

ولفَّق شقَّتي الثَّوب: ضمَّ إحداهما إلى الأخرى وخاطهما ومنه أَخِذ التلفيقُ في المسائل

وفي العربية مرادفات لكلمة تَلْفِيق منها:

إِخْتِلاَق، إِفْتِئَات، إِفْتِراء، إِفْتِعَال، إِفْك، باطِل، بُهْتان، تضْلِيل، تَخَرُّص، تَدْلِيس، تَزْوِير، تَزْيِيف، تَضْليل، تَمْوِيه، خِدَاع، زَعْم، زُور، ضَلال، عَضِيهَة، فِرْيَة، كَذِب، مَيْن، مُخَادَعَة، مُرَاوَغَة، وَهْم.

وما يضاد تلك الكلمة: (أَمانةٌ، إخْلاصٌ، استقامَةٌ، ثِقَةٌ، حَقيقَةٌ، حَقٌّ، صِدْقٌ، نزاهَةٌ، وفاءٌ).

في اللغة الانكليزية نجد كلمة (Fabrication) التي تفيد نفس المعاني، وهي في لفظها تتشابه مع كلمة (فبركة) العربية، وربما قد تكون مأخوذة منها..

ما الذي جعل من الامثلة السابقة في بداية السطور هي من التلفيق، وهل يمكن ان تشمل تلك الكلمة اخبارا ووقائع اخرى؟.

في الخبر الاول موقف دولة، هي تركيا ويفترض ان تكون مواقفها انطلاقا من مبادئ عامة حين تتخذ موقفا ضد اسرائيل يتعلق بمؤتمر حول الامن، في وقت تفتح حدودها وتدعم كل الارهابيين القادمين من اوربا او بلدان عربية اخرى.

في الخبر الثاني، كيف تلفق القوميات او الاقليات مواقفها من واقعة ما وتكون مع وضد في الوقت نفسه تبعا لما تمليه مصالحها القومية تجاه الاخرين، وهي نوع من انواع الابتزاز لجهات اخرى تتشارك معها نفس المصير في البلد الواحد، اتاحته لها تغييرات في نظام حكم سابق.

وفي المثل الثالث تلفيق اعلامي تقع فيه الكثير من الصحف العراقية وغير العراقية، التي تنقل عن وكالات انباء عالمية، لترويج اكذوبة معينة، وهي في مثالنا هذ، اكذوبة الاكثرية السنية التي يراد لها قلب الواقع امام الاغلبية الشيعية، اذا اخذنا بنظر الاعتبار تعداد سكان العراق وهو 33 مليون نسمة، وبالتالي فان مايترتب على ذلك سينسحب على تمثيل كل طائفة في الحكم وفي دوائر الدولة وامور اخرى.

هل ثمة مثل اخر للتلفيق؟

مابثته داعش حول حرق الطيار الاردني، واثار جدلا اخلاقيا ودينيا واعلاميا، والذي استخدمت فيه داعش تكنولوجيا متقدمة في التصوير مع مؤثرات صورية اخراجية غاية في الاتقان، منهم من قارنها بما تقوم به هوليوود في افلامها.

ما الذي تريده داعش من تلك الافلام بهذه التقنية العالية؟

صناعة الخوف والرعب، التي يقول عنها نعوم تشومسكي انها لا تخرج عن نطاق الرغبة في السيطرة على المجتمع.

ولنشر ثقافة الخوف، كما يرى الخبراء، عدة أدوات ووسائل منها:

أ‌ - تزوير المعلومات ونشر الشائعات.

ب‌ - تحويل حادث فردي وتصويره وكأنه وباء اجتماعي.

ج‌ - وصم الأقليات أو فئات معينة في المجتمع بصفات غير محببة كنعت فئة من المواطنين بالصفوية أو وصم المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية بالإرهاب.

د‌ - تلفيق كامل للحقائق والوقائع مثل الحديث عن هلال شيعي، أو إطلاق كلمة شهيد على صدام حسين، واطلاق تسمية ثوار العشائر على مجاميع داعش في العراق، او محرومية اهل السنة وابادتهم في العراق.. وغيرها من تسميات وصفات.

هذا التلفيق في محصلته النهائية يستهدف السيطرة على العقول عبر وسائل الاعلام، ولا فرق في ذلك بين الديكتاتوريات او الديمقراطيات كما يرى الدكتور علي ناصر كنانة في كتابه (انتاج واعادة انتاج الوعي.. عناصر الاستمالة والتضليل) ففي الاولى يعاقب الجسد بحماقة لتطويع العقل واجباره على قبول الممالأة، وفي الثانية يغازل الجسد لترويض العقل بدهاء.

بكلام اخر، في الدكتاتوريات يتم التعامل السلبي مع الجسد لتدجين المعارضة، ومن خلالها الراي العام في سياسة تقوم على التخويف المباشر، وفي الديمقراطيات تدور اليات العمل في مجال صناعة الوعي لتحويل اتجاهات الراي العام وصناعة الخوف المباشر ضمن سياسة تخويف غير مباشرة.

اضف تعليق