تراكم التجربة تمنح للعاملين في مجال ما خبرات إضافية، في حالة توظيفها بصورة صحيحة، فإنها تصلح أن تكون معيارا لتصحيح المسارات الخاطئة، وهذا يعني معالجة مستمرة ومبتكرة لمشكلات مستجدة، ما يعنينا في هذا الخصوص هو التعليم بأنواعه، ونقصد بذلك التربية بمراحلها الثلاث، والتعليم العالي أيضا، فهناك مشكلات تستجد في كل سنة دراسية جديدة، يمكن للكادر التدريسي او التعليمي المسؤول معالجتها قياسا لأخطاء السنوات الماضية.
في البدء لابد من معرفة المشكلات والأخطاء التي تتكرر في كل سنة، تُرى هل هناك معوقات للعملية التربوية تظهر نفسها في كل سنة دراسية، نعم عندما يتعلق الأمر بالقطاع التربوي والتعليمي في العراق، فإن ثمة مشاكل ربما تعيد نفسها في كل سنة، من الأمثلة على ذلك:
- قلّة البنايات المدرسية.
- الدوام المزدوج أو الثلاثي في بناية واحدة.
- ضعف وتأخر المناهج الدراسية عمّا بلغه العلم والمناهج في الدول المتقدمة.
- اقتصار عملية التدريس في العراق على التلقين.
- عدم خلق وتخريج الكوادر القادرة على التحليل والابتكار والإبداع.
- ضعف الكادر التدريسي التعليمي الأكاديمي بصورة عامة أو ما يسمى بطرق التدريس.
- ضعف المؤسسات العلمية كالجامعات في توجيه وتعضيد أنشطة الدولة.
هذه النقاط وغيرها قد تمثل مشكلات شبه مزمنة يعاني منها التعليم بأشكاله المتنوعة في العراق، ولكن ثمة تساؤلات يطلقها بعض المعنيين في هذا الشأن، هل يمكن تقليص تلك الأخطاء التي حدثت في الماضي عمّا هي عليه في الواقع الراهن، من خلال تصحيحها ومعالجتها بالسبل المتاحة؟، الإجابة ستكون بالإيجاب بطبيعة الحال، لاسيما إذا كان هناك إصرارا وإرادة وتصميما لدى المعنيين على معالجة المشكلات، وتصحيح الأخطاء التي يمكن أن ترافق عملية التعليم في المراحل الدراسية المختلفة.
استثمار الخبرات المتراكمة
على سبيل المثال ثمة تراجع وضعف في المضامين التي يتم إعطائها للطلبة، تُرى لماذا لا تبادر الجهات المعنية الى معالجة هذا الخلل، ونعني به الإخفاق في المناهج الدراسية او التربوية في هذا الجانب أو ذاك، إن هذا الضعف لا ينبغي أن يستمر، ولابد من إجراء عملية تصحيح مستمرة ومستدامة، تقوم على علمية المنهج التربوي، وقدرته على تحقيق الفائدة المطلوبة للدارسين في جميع المراحل، وهذا يستدعي جهودا كبيرة في مجال معالجة المشكلات المتكررة لأن تجديد المناهج وتطويرها ربما يجري بصورة متباطئة الى حد كبير.
ولذلك عندما تتنبّه الجهات المعنية الى مثل هذه المشكلات ومعالجتها، ينبغي استثمار الخبرات المتراكمة من السنوات الماضية، لذا فإن هذا الأمر يستدعي التصحيح العلمي المستمر، علما أن الأخطاء ليست من النوع المستعصي، بل هي ممكنة الحل والمعالجة، ولكن الأمر يتطلب إرادة في التخطيط الاختصاصي وفي التنفيذ السليم، مع تحييد النظام الإداري البيروقراطي، الذي يعمل على إعاقة التصحيح، بسبب تمسك منظومة العمل البيروقراطي بنهج أكل الدهر عليه وشرب، حيث يتطلب الأمر حلولا حداثوية قادرة على انتشال التعليم من واقعه المتردي.
ومن المشكلات المستعصية تقريبا، والتي أشرنا إليها من بين المشكلات الواردة في أعلاه، مشكلة عملية التلقين في طرائق التدريس، فيقوم الكادر التعليمي بصنع طالب جامد من حيث التفكير والإبداع والابتكار بسبب تحديد قدراته الذهنية في قالب محدد.
وربما تكون هذه المشكلة، من أصعب المشكلات التي تواجهها العملية التربوية التعليمية في العراق، وقد لا نبالغ أو نغالي إذا قلنا أن اخطر ما تتعرض له العملية التربوية تلك الأساليب النمطية في التعليم، حيث تعجز عن إنتاج الطلبة المبدعين المبتكرين، بسبب آلية التعليم التي تراوح في مكانها منذ عشرات السنين، إذاً لا يتعلق الأمر فقط بالجانب المادي ونقص المستلزمات الإنسانية وسواها، بل هناك نقص في الجانب التعليمي التربوي النمطي نفسه، وهذا يعني أن الخلل لا ينحصر في نقص المدارس او نقص الكادر، او قلة وسائل الإيضاح رغم أهمية ذلك، ولكن المشكلة تكمن في طريقة التدريس، وفي كيفية صناعة طالب مفكر!.
أسباب جوهرية لضعف التعليم
كذلك لدينا مشكلات شبه مستمرة تتعلق بالعلاقة بين الطالب وأستاذه، وبين أفراد الكوادر التعليمية مع بعضهم البعض، إذ من المشاكل التي نجدها حاضرة في التربية والتعليم أيضا، ضعف الانسجام بين الكادر التربوي التعليمي نفسه، بمعنى ليس المدارس والبنايات والمنشآت هي سبب سوء التعليم فقط، يمكننا القول أنها تدخل من ضمن الأسباب، ولكن هناك أسباب جوهرية أخرى ليست ذات طابع مادي يجب معالجتها، منها على سبيل المثال العلاقة بين المشرف التربوي والمعلم أو التدريسي، حيث تسود بينهما علاقة يعتريها بعض الأمور التي تنطوي على الخطأ، لاسيما يتعلق بفرض السلطة على الآخر، فضلا عن الحساسية والتوجس الذي يتعامل فيه الطرفان مع بعضهما، متناسيان أن الهدف هو تقديم تعليم أفضل للطلبة.
يمكن أن تكون هناك معالجات ناجعة لكل ما رصدناه وطرحناه من مشكلات، ولكن الأمر يحتاج الى جهود مخلصة متخصصة هدفها تطوير التعليم وليس العكس، فهناك كما يتضح لنا الكثير من إشكاليات العلاقة بين الكوادر التدريسية نفسها، وثمة أخطاء أخرى تتعلق بالمناهج وطرق التدريس ومنح الطلاب الثقة اللازمة، وحتى تتم عملية التدريس والاستيعاب على نحو متوازن وناجح، ينبغي التنبّه الى هذه العلاقات اليومية المتبادلة بين أقطاب العملية التعليمية والتربوية على نحو العموم.
ومن المشكلات الأساسية أيضا، كيفية تعامل الكادر التعليمي مع الطلبة، وخاصة في مراحل المتوسطة والإعدادية حيث أجيال الطلاب تكون في مرحلة المراهقة، وهي الفئة العمرية الأصعب في السلوك وحتى التفكير، فتظهر لدينا مشكلة السيطرة على سلوك الطلاب، لاسيما أنهم مراهقون يحتاجون الى دراية وخبرة في التعامل معهم بسبب المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها، كذلك بالنسبة لطلبة الابتدائية الصغار ودخولهم عالم المدرسة الجديد، إنهم حتما يخشون هذا العالم الجديد، لذا يستدعي الأمر معلما متميزا واسع الإطلاع والتجربة وقادر على جعل الطفل الصغير سريع التأقلم مع واقعه الجديد وهذا يتطلب خبرة وحنكة وسعة صدر وصبر متميز وخبير.
وقد لا يتوقع بعض المعلمين أن الصف الذي يحتوي على 30 طالبا، يحتاج الى إدارة ناجحة وتخطيط ودراسة نفسية الطلاب كلا على حدة ومعرفة الأسلوب الأفضل في التعامل معهم، فقد أثبتت التجارب أن المستوى العلمي للطلاب له علاقة طردية في فهم المعلم لطلابه، لهذا تتعلق قضية التعليم بكيفية إدارة الصف من لدن التدريسي، أو المعلم الذي سينجح في مهمته هذه تبعا لإدارته للصف، ونوع العلاقة مع طلابه، إذ يمكن أن نعرف إدارة الصف بأنها تلك الإجراءات التي يتخذها المعلم لزيادة التفاعل مع الطلاب، ومشاركتهم وتعاونهم في النشاطات الصفية وإيجاد بيئة تعليمية منتجة فعالة، وعندما يحب الطلاب أستاذهم سوف يحبون درسه ويتفاعلون معه ويتميزون فيه وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات.
في الخلاصة، نحن بحاجة الى دراسة مشكلات الأمس والأخطاء التي قد نرتكبها عن عمد أو نقص في المعرفة، هذه الطريقة تعني أننا نوظف أخطاءنا لصالح النجاح، وهي أفضل طريقة لتحويل الزلل الى مسار مستقيم يؤدي بالعملية التربوية الى نتائج أكثر تقدما وتطورا مما هي عليه في السنة السابقة.
اضف تعليق