في مناهج التصحيح السنوي، هناك خطط جادة للاستفادة من الأخطاء السابقة، لاسيما في المؤسسات التي يأخذ عملها طابعا سنويا كالمدارس والجامعات، إذ يمكن المقارنة بين السنوات الدراسية، ومعرفة مستويات التعليم والإدارة والتطور والتلكؤ من خلال المقارنة سنويا بين النتائج، وهذه المنهجية في التصحيح تساعد على تحقيق قفزات مهمة في المجال العلمي والتربوي والإداري على حد سواء.
وطالما أننا في بلد يسعى بجدية الى التعليم، وتوجد فيه أسس وركائز قوية في المجال، حيث المتراكم التعليمي والتربوي يمتد على عشرات السنين، فإننا كدولة وكحكومة وكمؤسسات تعليمية ملزمين باعتماد منهجية التصحيح من خلال مقارنة النتائج العلمية والإدارية من سنة الى أخرى، ففي العراق تعاني العملية التربوية من أخطاء لا يمكن التغطية عليها، وليس من صالح أحد غض الطرف عنها أو تمريرها من دون إشارة أو بحث في الأسباب والنتائج.
لقد وقفت تلك الأخطاء وراء الكثير من مشكلات التعليم والإدارة، وكان لها الأثر الكبير على تدني مستويات التعليم والتربية، في هذا البلد العريق، علما أن الأخطاء ليست من النوع المستعصي، بل هي ممكنة الحل والتصحيح، ولكن أمر المعالجة والتصحيح يستدعي إرادة علمية متخصصة في التخطيط الاختصاصي وفي التنفيذ السليم، مع إيقاف عرقلة النظام الإداري البيروقراطي، الذي يعمل على إعاقة التصحيح، بسبب تمسك القائمين على العمل الإداري بنهجهم المعقد، ولعل الأسباب واضحة حيث يجلب هذا الأسلوب الإداري المعقد الكثير من المنافع والأموال لأصحاب النهج البيروقراطي.
على سبيل المثال كانت العملية التربوية ولا تزال على مدى السنوات الماضية تعاني من قلة البنايات (المدارس)، وكثيرا ما تم تهديم مدارس لا تستحق التهديم، أي بالإمكان ترميمها او إضافة بناء له وتوسيعها، لكن هناك إرادة خفية سعت الى تهديم الكثير من المدارس التي كان من الممكن الاستفادة منها وترميمها بدلا من تهديمها، وهذا الأمر ضاعف من مشكلة قلة المدارس، وتضاعفت الحاجة إليها.
لكن في المقابل هنالك جهات عرقلت البناء، من أجل تحصيل الفوائد، من خلال منهج إداري غالبا ما يجعل من المشاريع التربوية، أما وهمية وأما تبقى على النصف من حيث التشييد، أو أنها تنفذ بطرق رديئة جدا وبعيدة عن المواصفات الفنية والمعمارية المطلوبة، من اجل الاستحواذ على الأموال المخصصة للمشاريع التربوية والتعليمية.
مشكلة التقليد في طرق التعليم
علما أنت الأخطاء التي سبق الإشارة إليها، لا تخص مشكلات الإدارة وحدها، ولا المنهج البيروقراطي في إدارة التعليم والتربية، وإنما هناك قضايا مهمة جدا تتعلق بجوهر العملية التعليمية والتربوية نفسها، ولعل اخطر ما تتعرض إليه العملية التربوية تلك الأساليب النمطية في التعليم، حيث تعجز عن إنتاج الطلبة المبدعين المبتكرين، بسبب آلية التعليم التي تراوح في مكانها منذ عشرات السنين، فالقضية لا يتعلق فقط بالجانب المادي ونقص المنشآت التدريسية كالمدارس وسواها، ولكن هنالك مشكلات في الجانب التعليمي التربوي النمطي نفسه، وهو بحاجة الى معالجة دقيقة، من أجل النهوض بمستوى الطلبة وتخريج أجيال متطورة.
إن مهمة القضاء على التعليم الروتيني التلقيني ليست سهلة، بل قد تكون من أصعب المهام التي ينبغي ان تتصدى لها المؤسسات العلمية في البلاد، فعندما تقدم الدولة للتعليم مئات الملايين من الدولارات سنويا، وتقدم التسهيلات الكبيرة، وتعد الكوادر التعليمية وترسلها في بعثات دراسية متتالية، من أجل أن تعود وتعد الأجيال الشبابية علميا للمساهمة في بناء الدولة والمجتمع، فهذا الجهد لا ينبغي أن يتعرض للإهمال، او تذهب كل هذه الجهود سدى، بل لابد من معالجة مرض التلقين وفتح الآفاق الفكرية والابتكارات على وسعها للعقول العراقية.
وهناك أخطاء قد تكمن في العلاقات العملية والإنسانية بين الكوادر التعليمية نفسها، فمن المشاكل التي نجدها حاضرة في التربية والتعليم، ضعف الانسجام بين الكادر التربوي التعليمي نفسه، بمعنى ليس المدارس والبنايات والمنشآت هي سبب سوء التعليم فقط، وإنما هي احد الأسباب التي تعيق التعليم من تحقيق النتائج الجيدة، ولكن هناك أسباب جوهرية ليست مادية يجب معالجتها، منها على سبيل المثال العلاقة بين المشرف التربوي والمعلم او التدريسي، حيث تسود بينهما علاقة تعتريها بعض الأخطاء التي ينبغي معالجتها بطريقة حاسمة.
اذ ليس من المعقول أن تتصدى كوادر للعملية التربوية والتعليمية وفي الوقت نفسه تعاني من خلل في علاقات التعاون والتآزر العملي وتطوير العلاقات الإنسانية، حيث ينعكس الخلل في التعاون العملي على علاقات افراد الكادر فيما بينهم، لذا ينبغي أن تكون هناك خطط منهجية لتعضيد هذه العلاقات، ومضاعفة حالات التعاون العلمي والإنساني بين الكوادر العلمية، ولا ينبغي إهمال هذا الجانب، او التعامل معه على أنه حالة فردية طارئة لا تؤثر على المستوى التعليمي، وإنما تتعلق بالعلاقات الخاصة بين إفراد الكادر التعليمي، إن الانسجام بين هذه الكوادر، وتعميق العلاقات الإنسانية فيما بينها سوف ينعكس بصورة جيدة على مستوى التعليم.
مشكلات المناهج العلمية
لا يُخفى أن ثمة أخطاء جوهرية تتعلق بالمناهج التربوية والعلمية التي يتم تدريسها للطلاب، ولا شك أن هنالك أسباب تقف وراء هذا الأمر، ففي بعض الأحيان يتم توكيل إعداد المناهج الى لجان ربما لا تكون على مقدرة كافية في تهيئة المناهج لهذه المادة أو تلك، فثمة أخطاء تتعلق بالمناهج وطرق التدريس ومنح الطلاب الثقة اللازمة، لكي تتم عملية التدريس والاستيعاب على نحو متوازن وناجح، فالمهج السليم يجعل من الطالب أكثر انسجاما وتوافقا مع المادة التي يدرسها ويتعلمها ويفهما ولا يجد أنها تنطوي على تناقضات تخلخل ثوابته الفكرية والتربوية.
من جانب آخر نحتاج الى إعداد عقلية المعلم بصورة جيدة، وجعله قادرا على التعامل القويم مع طلابه، لأن المعلم يتعامل مع فئات عمرية مختلفة منها فئة المراهقين على سبيل المثال، حيث يحتاج المعلم للتعامل مع هؤلاء الى دراية وخبرة بسبب المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها، كذلك بالنسبة لطلبة الابتدائية الصغار ودخولهم عالم المدرسة الجديد، إنهم حتما يرهبون هذا العالم، لذا نحتاج الى المعلم الذي يزرع الأمان لديهم والقبول بالعالم الجديد والتعامل معه بصورة طبيعية، حتى يكون الطالب الجديد متأقلما مع هذا العالم الذي قد يكون صادما له اذا فشل المعلم في إقناع الطفل بعالمه الجديد.
فالأمر لا يتعلق بقلة المدارس وحدها، ولا اسلوب التلقين في التعليم، ولا الإدارة البيرقراطية، بل هنالك تفاصيل تحدث فيها أخطاء يجب معالجتها، فربما تتعلق قضية التعليم أيضا بكيفية ادارة الصف من لدن التدريسي، أو المعلم الذي سينجح في مهمته هذه تبعا لإدارته للصف، وطبيعة التعاون والتفاهم والقبول مع طلابه، إذ يمكن أن نعرف ادارة الصف بانها تلك الاجراءات التي يتخذها المعلم لزيادة التفاعل مع الطلاب، ومشاركتهم وتعاونهم في النشاطات الصفية.
وهذا يستدعي إيجاد بيئة تعليمية منتجة وفعالة، وفي حال وجود مشاكل ينبغي معالجتها بطريقة تضمن تحقيق النجاح للعملية التربوية والتعليمية، على أن يتم ذلك من خلال رصد الأخطاء السابقة ومحاولة وضع البدائل لها وحسب الممكن، في هذه الحالة يمكن أن نرتفع بالمستوى الدراسي ونحقق نسباً جيدة وربما عالية من خلال تقليل الأخطاء بمنهجية معدّة ومدرسة مسبقا.
اضف تعليق