ثمة معادلة تضم عنصرين مهمين على صعيد بناء الدولة والمجتمع، هذان العنصران هما، الحقوق مقابل الواجبات، وغالبا ما يكون المعني بذلك (حقوق الانسان) التي تعني المبادئ الأخلاقية أو المعايير الاجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري يفُهم عموما على أنه حقوق أساسية لا يجوز المس بها، مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان؛ ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر، وبحسب ما جاء في الوكيبيديا، فهي حقوق كلّية تنطبق على الناس في كل مكان وزمان، وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.
حقوق الإنسان لا يمكن حصرها في إطار تعريف محدد وثابت، لأن مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان، فهناك حزمة تفسيرات لهذا المصطلح، فمثلا يرى رينية كاسان وهو أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنها (فرع خاص من الفروع الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني).
أما كارل فاساك فيعرفها بأنها (علم يهم كل شخص ولاسيما الإنسان العامل الذي يعيش في إطار دولة معينة، والذي إذا ما كان متهما بخرق القانون أو ضحية حالة حرب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وأن تكون حقوقه وخاصة الحق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام)، فيما يرى الفرنسي ايف ماديو أنها (دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى).
ولو بحثنا في مفهوم الواجب فإنه مصطلح يحمل معنى الالتزام الأخلاقي أو التعهد والالتزام بشيء ما، وينبغي أن يتحقق الالتزام الأخلاقي في التصرفات، فهو ليس مسالة شعور غير فعال أو مجرد تقدير ولكن عندما يدرك الشخص ما هو واجب عليه فعله، فهو يسعى لتحقيقه دون النظر لمصلحته الشخصية. ويأتي الواجب على عدة أنواع منها الواجب المدني وغالبا ما يفهم على أنه ما يدين به الشخص لبلاده أو لموطنه أو لمجتمعه.
الحقوق مقابل الواجبات
ثنائية الأخذ والعطاء تتجسد في هذه المعدلة، فمن لا يعطي لا يجوز له أن يأخذ، ومن يريد أن يستمر بعيش كريم في الحياة عليه أن يعمل وينتج ويقدم ويتواصل بالعطاء، لذلك قيل أن الحياة حقوق مقابل واجبات، وأخذ مقابل عطاء، وهذه معادلة لا يصح إهمالها، أو عدم العمل بها، لأن النتائج معروفة مسبقا، فالحياة لن تعطي أحدا شيئا ما لم تكن لديه قدرة على تقديم المقابل، وأبسط الأدلة على ذلك أن الانسان العاطل عن العمل قد لا يجد ما يسد رمقه، حتى لو لم يكن هو السبب في هذا العجز، المهم في الأمر أن يكون مستمرا في عطائه حتى يكون قادرا على أخذ كل ما يجعل حياته جيدة مستقرة منتجة وآمنة.
معادلة الحقوق والواجبات، لا تسمح بإهمال أحد قطبيها، فإذا أهمل الانسان الواجب، ضاعت عليه حقوقه، واذا تخلى عن حقوقه لن يكون قادرا على القيام بواجباته، إذن لا عطايا من دون أتعاب، يبذلها الانسان في صيغ وصور مختلفة، منها تقديم الجهد العضلي أو الفكري أو المادي، بالنتيجة سيكون هناك نوع من التوازن بين ما تأخذه وما تعطيه، علما أن أكثر الناس فقرا وحرمانا في الحياة هم الأقل عطاء من غيرهم، حتى لو كان الامر مفروضا عليهم، فاذا حرمت الانسان من حقه لا تتوقع أنه سيقوم بالواجب المطلوب منه كما ينبغي، لسبب بسيط وواضح، قد يدخل في باب رد الفعل الذي سيأتي سلبيا في جميع الأحوال.
وهكذا نجد هناك علاقة ترابط بين طرفي المعادلة المذكورة لا يمكن إلغاءها، وكثيرا ما نسمع أو نقرأ شكاوى للمواطن البسيط، يقول فيها دائما عبر وسائل الاعلام المختلفة، أن حقوقه مهدورة، وهو واقع حال لا احد يستطيع إنكاره، وهذه الحقوق تتمثل بنقص الخدمات وضعف القوة الشرائية وقلة التعليم والصحة، وغياب أو ضعف الضمان الاجتماعي والصحي وغيرها من الحقوق الضائعة فعلا، لذا لا يمكن للنظام السياسي أن يطالب الشعب بالالتزام بواجباته بصورة كلية، طالما كان هناك تقصير في مراعاة حقوق الشعب.
يطفو على السطح تساؤل، يتردد على ألسنة كثيرين، ويدور في أذهان كثيرين أيضا، مفاده أن العراقيين يواجهون غبنا في مجال الحقوق، وهذا ينعكس على تدني سقف القيام بالواجبات، وهو أمر لا غرابة فيه، ولكن أين يكمن السبب في ذلك، هل الحكومات هي السبب الوحيد؟. الجواب: كلا، هناك طرف آخر مسؤول عن ظاهرة التجاوز والجهل والحرمان والبطالة وضعف الخدمات وانتهاك الحريات وسواها، هذا المسؤول هو المواطن نفسه، وهو طرف المعادلة الأهم، وحينما يختل التوازن بين طرفي معادلة الأخذ والعطاء، ستنتعش ظاهرة إهدار الحقوق، ولكن هناك من يرى أن الأصل يكمن في تقصير القيادة السياسية وإهمالها لحقوق الشعب في التعليم والصحة ورفع القدرة الشرائية، ما يجعله عاجزا عن تقديم الواجبات المطلوبة منه.
الدور المحوري للمواطن
العقد الاجتماعي الذي جاء في الفكر السياسي القديم، حاول أن يجعل معادلة الحقوق والواجبات أكثر توازنا، فمنذ زمن ليس بالقليل، هناك صراع بين الحاكم (الحكومة) والمحكوم (الشعب)، وهناك خلل مستمر في معادلة (الحقوق والواجبات)، إذ تبدو القضية نوعا من الصراع، بين المواطن والحكومة، وكلما كان المواطن أكثر قدرة وفهما لادارة هذا الصراع، كلما كان الحق المهدور أقل، فحينما يكون المواطن واعيا ستكون خسائره في مجال الحقوق معدومة أو قليلة، وحين يكون معطاءً وفاعلا ومتحركا، يكون تأثيره كبيرا في تثبيت حقوقه وعدم السماح بالتجاوز عليها، كذلك حين يقوم بواجباته كما يجب، فإن حصوله على حقه يكون محسوما.
وهكذا نلاحظ أن دور المواطن هنا محوري، أو منطلق لكل الأنشطة الأخرى، حيث يتوزع دوره بين الدفاع عن حقوقه والمطالبة بها، وبين قيامه بواجباته تجاه نفسه والآخرين ايضا، وتتمثل هذه الواجبات بالاستعداد الدائم للتضحية من اجل حماية الحقوق بأنواعها المختلفة السياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية وسواها، فضلا عن واجبه العملي وشعوره بالمسؤولية في المحافظة على المال العام، كالمنشآت والطرق والساحات والحدائق العامة، ومظاهر النظافة، وهي واجبات على الرغم من يسرها وسهولتها، لكن المواطن قد يتلكّأ في إنجازها، اذا عاش الإهمال الحكومي مجسدا بغياب الرفاهية وقلة الخدمات.
يتضح مما سبق، أن الطرفين، المواطن والحكومة، لهما حقوق وعليهما واجبات، وكلما كانت هذه المعادلة مستقرة متوازنة، كانت العلاقة بين الطرفين مستقرة وسليمة، والعكس صحيح طبعا، لهذا السبب لا يجوز للشعب أن يطالب الحكومة بحقوقه وهو يتهرب في أداء واجباته تجاه نفسه، ودولته، وحكومته، مثلما لا يصح مطلقا للحكومة أن تطالب الشعب بأداء الواجبات المطلوبة منه، وهي تتلكّأ في أداء واجباتها تجاه الناس، فالعملية هنا تبادلية، وعلى طرفيّ المعادلة الالتزام بعلاقة متكافئة تحفظ حقوق الجميع.
اضف تعليق