ارتبط تاريخ السلطة السياسية بالدولة والحكومة، وبالحاكم الأعلى في البلدان التي لا تعتمد المنهج الاستشاري (الديمقراطي) في ادارة الحكم وشؤون الدولة، فالسلطة وفقاً لتعريف سائد (هي الحق الممنوح من قِبل وضع اجتماعي معترف به، وفي كثير من الأحيان تشير كلمة سلطة إلى السلطة السياسية المخولة لفرد أو مؤسسة من لدن الدولة، ويمكن أن تشير السلطة أيضا إلى خبرة معترف بها في أحد مجالات المعرفة الأكاديمية، وتشير كلمة السلطة إلى الهيئة الإدارية التي تُخول صلاحيات معينة)، بمعنى هناك اشكال عديدة للسلطة مضافا الى الشكل السياسي لها، كسلطة زعيم القبيلة أو سلطة الأب في العائلة، لذلك يُقال هناك مجتمعات تعتمد في نظامها اسلوب (السلطة الأبوية)، وهو منهج سائد في الدول العربية على وجه الخصوص، فضلا عن انتشاره في الدول الاسلامية.
في البلدان الاسلامية غالبا ما كانت السلطة السياسية تُختزَل في شخصية الفرد الحاكم، ويتم تركيزها في شخصية بعينها، أو كما يُقال يتم (شخصنة السلطة)، فيصبح الجميع تحت رحمة فرد، ويتم اختزال جميع السلطات وتكثيفها وتركيزها في يد شخص يسمى بالحاكم أو (القائد الأعلى)، وهنا يكمن الخطر الفادح للسلطة، كما أثبتت التجارب في البلدان الاسلامية وعموم البلدان التي تقودها أنظمة دكتاتورية فردية، ولا يزال بعضها ينتهج المنهج نفسه في ادارة البلاد، فيتم تعريض شعب كامل الى انعكاسات عقلية سلطوية (لفرد) قد لا يعرف من الرشد والحكمة والاعتدال إلا اسمها، أما معاني هذه المفردات وتحولها الى فعل ملموس، فهي غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن تفكير وأفعال الحاكم الذي يشعر أن سلطاته مطلقة، بسبب غياب الضوابط والاحكام الدستورية التي لا يعمل بها الطغاة، علما أن الحاكم الطاغية، غالبا ما تتم صناعته من منظومة مجتمعية، تفرز بدورها طبقة انتهازية تتداخل مع السلطة، فتصبح مصالح الطرفين واحدة.
وقد لاحظ الدارسون والمعنيون، أن الدول التي تعتمد نظام السلطة المطلقة، غالبا ما تنتهي الى الانهيار، وقلما نجد بلدا ربط مصيره بهذا النوع من السلطات، ونجا من حالة الدمار التام، بمعنى أن تركيز السلطة بيد قائد أعلى واحد، كما اعتادت عليه الأنظمة السياسية في معظم الدول الاسلامية، يضاعف من فرص انهيار البلاد، لأسباب بعضها ظاهر بصورة واضحة، واخرى خفية او غير طافية على السطح، فالرأي الواحد، الذي يمثل رأي الفرد الطاغية، هو الذي يقود ويوجّه المسارات السياسية والاقتصادية في البلاد، بل حتى المجالات الاخرى تتأثر بهذا المنهج، فالتعليم يكون تحت رحمة الرأي الفردي للحاكم الطاغية، والنظام الصحي كذلك، بل تُدار شؤون المجتمع والدولة كلها على نحو مزاجي ارتجالي قد يدفع بدولة كاملة الى الهلاك، وهناك قرارات طائشة من حكام طغاة، ألحقت بشعوب كاملة أضرارا وصلت حدودها الى درجة الانهيار.
لذلك لا ينبغي أن تتركز السلطة السياسية بأيدي الأفراد مهما كانت الذرائع والحجج، فهناك من يحاول اعتماد السلطة المطلقة وتكريسها فرديا بحجة توحيد الشعب والأمة على كلمة واحدة!، وغالبا ما تختلق مثل هذه الدول مواجهات خارجية مفتعلة او حتى حقيقية، من اجل توفير الحجج لتكريس السلطات وترسيخها ووضعها تحت تصرف ارادة القائد الأعلى، والحجة هنا توحيد الصفوف والكلمة لمواجهة الاخطار الخارجية المحدقة بالبلاد!، ولكن حتى لو صحّت هذه الذرائع، وحتى لو كانت هناك اخطار تهدد البلاد والامة، فلا يمكن أن يكون الفرد الواحد مهيّأ لمواجهتها مهما كان ذا حنكة او تجربة وعقلية وما شابه، ولا شك أن تنظيم السلطة دستوريا ومشاركة الجميع في صناعة القرار هو الأفضل والأجدى نفعا.
ولعل التاريخ القريب والمنظور والبعيد ايضا، وما ينطوي عليه من احداث سياسية، لاسيما في البلدان العربية والاسلامية، يؤكد لنا بما لا يقبل الشك، أن السلطة المطلقة تمثل أحد الامراض الخطيرة في هذه الدول بخصوص ادارة السلطة والوصول إليها، ولا شك أنها تنطوي على تبعات كبيرة تعرِّض بلدانها لخسائر فادحة ربما تصل بها الى الانهيار، من هنا لابد للسياسيين والنخب في بلداننا أن تعتمد الإجراءات التي من شأنها الحد من جعل السلطة مطلقة، لفرد أو حاكم أو قائد أعلى، اعتمادا على المبادئ التالية:
- ترسيخ وإشاعة مبدأ التعددية في العمل السياسي، وفي المؤسسات الاجتماعية والعلمية وسواها، بمعنى أن يصبح هذا المبدأ، منهج تنظيم عام.
- ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وعدم السماح بأي شكل من الأشكال، انتزاع السلطة بالقوة الغاشمة، كما كان معمولا به في عصر الانقلابات العسكرية.
- ترسيخ منهج الفصل بين السلطات، وتنمية ودعم المؤسسات المستقلة للدولة.
- حماية حرية الاعلام وحرية الرأي ومؤسساته وفق ضوابط قانونية تحكم عمل هذه المؤسسات بما يضمن عدم التجاوز عليها.
- دعم تجربة منظمات المجتمع المدني كمؤسسة رقابية فاعلة تحد من تجاوزات الحكومة وتصحح أخطاءها وتشكل قوة ضغط دائمة عليها.
- تنمية عمل الاحزاب السياسية وفق ضوابط دستوري، ترسّخ التعددية، ومضاعفة المشاركة في صناعة القرار.
- بالنتيجة لابد أن يقود العمل بالمبادئ أعلاه، الى تماسك المجتمع، والى بناء دولة قوية متحضرة، مستقرة، قادرة على مواكبة العصر والاصطفاف بجدارة الى جانب الركب العالمي المتقدم.
اضف تعليق