ماذا نعني بالتخطيط الشخصي؟؟ هل نقصد بذلك أن الأشخاص مثل الدول، يجب أن تكون لهم خرائط واضحة للتخطيط تقودهم الى أهدافهم بنجاح بعد الاستقراء الدقيق؟، الدولة فيها (وزارة تخطيط) وتعد هذه الوزارة حجر الزاوية في نجاح أو فشل الدولة في ميادين الأمن والصناعة والسياسة والتعليم والصحة وسواها، فمن دون التخطيط العلمي القائم على قاعدة رقمية يدعمها الواقع الفعلي للدولة وأركانها، فلا نستطيع أن نقول أننا أمام دولة متكاملة، ينطبق كثير من هذا القول على حياة الأشخاص والأسرة.
لماذا بات التخطيط في عالمنا المعاصر الخطوة الأولى والأهم في بناء حياة الأشخاص، والجماعات، والمجتمعات عبورا الى الدول، يقول د. محمد مايمون مؤسس مشروع سفراء التنمية الدولي والذي يُعنى بتدريب وتأهيل مدربي التخطيط الاستراتيجي الشخصي في أكثر من 30 دولة عربية وعالمية: التخطيط الاستراتيجي الشخصي هو "عملية بناء المستقبل المشرق في الأذهان ووضع الإجراءات العملية لتحقيقه"، أما كلمة استراتيجي بحد ذاتها فتأخذ خمسة أبعاد أساسية وهي: المدى البعيد، حسن التموقع وتعني أفضل موقع يمكن أن تكون فيه عند إتمامك الهدف، الأهمية البالغة، إدارة الضغوط والقدرة على المنافسة .
إن التخطيط الشخصي.. هو خريطة عمل يتم وضعها من لدن الشخص نفسي، ولا بأس في الاستعانة بذوي الخبرة من الزملاء أو الأصدقاء وحتى الخبراء، لكي تكون هذه الخريطة ديقة، ومرسومة بمساعدة قاعدة معلومات رقمية مأخوذة من واقع حياة الشخص، اذا كان الأمر يتعلق بالتخطيط الشخصي الاستراتيجي، أما عندما يتعلق بحاضر ومستقبل الدولة، فإن الأمر لا يختلف كثيرا، فالدولة التي تمتلك وزارة تخطيط علمية رصينة، سنجدها في المقدمة دائما، من حيث تحقيق النتائج الجيدة في مجالات الحياة المختلفة.
لا يختلف الأمر كثيرا عندما نتحدث عن التخطيط الشخصي، أي التخطيط الذي يتعلق بالأفراد، فكلما كان الشخص مخطِّطاَ جيدا للمستقبل كان أكثر نجاحا من أقرانه غير المخططين، أو غير المهتمين بالتخطيط في رسم حياتهم المستقبلية وتوجيه مساراتها في الوجهات الصحيحة، ولا شك في أن الشخص الذي يخطط جيدا لحاضره ومستقبله، يحتاج أيضا الى التنفيذ الجيد، وهكذا ينبغي أن يرتبط التخطيط العلمي الشخصي الاستراتيجي بالتنفيذ العملي، كي تتم الاستفادة بصورة فعلية من عملية التخطيط المتقن.
العجز في قراءة المستقبل
ما هي المرتكزات والمقومات التي تجعل من التخطي الشخصي ناجحا، لابد أن تكون هناك عوامل ومقومات تساعد الشخص على انجاز الفعل التخطيطي على أكمل وجه، يقول أحد المختصين في مجال التخطيط الاستراتيجي الشخصي (لقد دربت ما يفوق 120 متدربا من كافة الأعمار والفئات في محور التخطيط الاستراتيجي الشخصي، وأعلم أنه ليس بالعدد الذي يؤهلني لإصدار الأحكام وادعاء الخبرة القاطعة، ولكن دعم تلك الخبرة بالممارسة الفعلية للتخطيط الاستراتيجي ومقارنة الأهداف بالنتائج وأسباب النجاح أو الفشل في تحقيق تلك الأهداف، كان دائما ما يقودني إلى تلك الثغرة في الخطط الشخصية وهي العجز في قراءة المستقبل) .
من الأمور المعقولة فعلا، أن نتفق على أن قدرتك على قراءة المستقبل بصورة دقيقة، أو جيدة، تجعلك أقرب من غيرك للنجاح، ولكن يستدعي ذلك خريطة عمل مخططة بصورة متقنة حتى يكون هامش الخطأ فيها قليلا أو منعدما بصورة تامة، (فكثيرا ما نسمع قصصا مثل، سجلتُ للدراسة في تخصص كذا لأنه كان تخصصا حيويا ونسبة الطلب عليه مرتفعة ولكن عند تخرجي أصبح التخصص مستهلكا وانخفضت نسبة الطلب عليه كثيرا، ولو كنت أقرأ المستقبل جيداً لدرست التخصص المناسب!، أو مثلا بنيت منزلي في غضون سنة واحدة وقد كان الطراز الذي اخترته حديثاً، وعندما انتهيت وجدت أنني أقيم في أقدم تصميم في المنطقة).
إن مثل هذه الأخطاء قابلة للحدوث على نحو متكرر مع أشخاص كثيرين، ولكن أين يكمن الخلل في ذلك، وما هي العلّة التي تجعل من التخطيط لا يؤتي أُكُلُه؟، هل هناك سبب واضح في هذا الجانب؟، بطبيعة الحال السبب يكمن في فشل التخطيط الشخصي، وعدم قراءة المستقبل في ضوء الحاضر، إضافة الى عدم الإحاطة بالظروف والمفاجآت المستقبلية.
ماذا يفعل الشخص في هذه الحالة كي يحقق نسبة أعلى من التطابق بين خريطة عمل التخطيط، وبين النتائج التي يتمخض عنها المستقبل؟، في الحقيقة أفضل ما يمكن عمله في هذا المجال، هو تحقيق التقارب بين خبراء في التخطيط الشخصي الاستراتيجي، فلا ضير من الاستفادة من خبرات الآخرين، والجميع يمكن أن يتعلموا من غيرهم، لا عيب في ذلك، وعلينا أن نعترف بقضية تباين القدرات والمواهب، في هذه الحالة نستعين بمن هو أكثر قدرة على استقراء المستقبل ووضع التخطيط المقارب للنتائج المستقبلية.
التخطيط الشخصي وخريطة النجاح
في حياتنا الراهنة، وضمن العصر الذي نعيشه اليوم، ليس أمامنا كأشخاص إلا أن نتقن التخطيط الشخصي الاستراتيجي، لسبب بسيط جدا، أن كل شخص يتكاسل أو يتأخر عن إتقان هذا النوع من التخطيط، سوف يتخلف عن أقرانه في تنظيم حياته وترتيبها بطريقة علمية مضمونة، لذلك على كل شخص أن يسعى كي يتعلم ويتقن هذا النوع من التخطيط.
ليس الأمر بالصعوبة التي قد يتوقعها كثيرون، فمثلا إن التخطيط لا يختلف عن وضع ميزانية شهرية للبيت استنادا الى الإيرادات التي تحصل عليها العائلة، الفارق بين هذين النوعين من التخطيط، أن التخطيط الشهري لميزانية العائلة يكون قريبا وسهلا وبسيطا أيضا، أما التخطيط الشخصي الاستراتيجي، فهو تخطيط قائم على التنبؤ أو الاستقراء المستقبلي، مع دراسة دقيقة للتوقعات على أساس ما متوفر من معلومات وأرقام دقيقة، مع ترك هامش للمفاجآت، وفي لغة المخططين أو مستطلعي البيانات تسمى (هامش نسبة الخطأ).
ما هو المطلوب منا معرفته ودراسته عندما نباشر بوضع خريطة التخطيط الشخصي الاستراتيجي، بالطبع نحتاج أن نحدد الهدف المطلوب من عملية التخطيط، ومن المستحسن أن يكون له بديل او عدة بدائل للانجاز، حتى لا يكون الفشل مصير المخططين فيما لو تم حصر الهدف بشكل قاطع غير قابل للاستبدال، اما في حالة وضع البديل او البدائل، فستكون هنالك فرصة اكبر لنجاح خطوات التخطيط وبالتالي نجاح الشخص في خريطة العمل التي أعدها.
هناك قضايا آنية ينبغي حسمها أثناء وضع التخطيط، أي قبل الشروع بتنفيذه، منها هل تم توفير كل ما يحتاجه الشخص المخطط من قضايا دعم مادية ومعنوية وتمويل وترويج وتسويق وإتقان وما شابه، لأن هذه التفاصيل تشترك في إنجاح عملية التخطيط، وتضمن صحة خارطة الطريق الموضوعة سلفا، علما أن هناك أحداث كثيرة ينبغي أن نتوقع حدوثها، لا أن نستبعد ذلك، وفي هذه الحالة نكون أكثر حرصا على تحقيق النجاح والدقة في النتائج.
ليس هذا فحسب، فربما ترافق عملية التنفيذ ظهور عوامل مساعدة لم تكن بالحسبان، أي أننا يمكن أن نستفيد مما قد يظهر في صالح التخطيط المستقبلي، وهو غير محسوب من قبل، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك سببا في عدم الركون الى الدقة في التخطيط، ولا ينبغي أن نبالغ بالنتائج الجيدة والعوامل الداعمة غير المحسوبة، في جميع الأحول على المخطط الشخصي الاستراتيجي، أن يعتمد على قاعدة معلومات رقمية مهمة، مع ضبط التوقعات، ووضع هوامش للخطأ ووضع البديل الناجح، وصولا الى الهدف المبتغى.
اضف تعليق