لايسعف الشيعة وهم يسترجعون تاريخهم (العراقي) استذكار تجربة للحكم فيه، منذ عرفوا كمذهب مغاير للسائد عن المذاهب الاسلامية ومفارق لها..
انهم في اكثر حالات الاسترجاع التاريخي تفاؤلا ودلالة، يعودون الى التجربة العلوية في الكوفة، وهي تجربة قصيرة زمنيا مقارنة بما سبقها او مالحق بها.. وهي لايمكن ان تكون تجربة مناطقية خاصة بالعراق الذي نعرفه منذ تشكلت حدوده بعد الحرب العالمية الاولى..
قد يسعفهم التاريخ ببعض التجارب خارج (الاطار الجغرافي العراقي) بما اكتمل عليه شكله الحالي، مثل البريديون في البصرة والذين حكموا جنوب العراق وخوزستان في النصف الاول من القرن الرابع الهجري، والذين استطاعوا السيطرة على بغداد سنة 320 للهجرة، لكن من المفارقات ان من اخرجهم منها هو سيف الدولة الحمداني، الحاكم الشيعي على الجانب الاخر من الحدود الغربية.
او يتحدثون عن الامارة الشاهينية، او العقيليون الشيعة، او دولة بني مزيد الشيعية، لكنها لاترقى ان تكون تجربة حكم يشار اليها، انها مجرد ومضات من ضوء في تاريخ طويل، كانوا فيه محكومين لاحاكمين..
كان الشعار الابرز للشيعة هو المظلومية التاريخية، بكافة تلويناتها (دينية – اجتماعية – اقتصادية – سياسية – ثقافية)..
العام 2003 شكل منعطفا حادا للشيعة كجماعة دينية، لم تحكم نفسها بنفسها، وهو حاد يشي بعدم الاستعداد له من قبل الجماعات السياسية الممثلة للشيعة، وتهيئة الاجوبة لسؤال: ماذا بعد صدام حسين؟ ليس كشخص بل كنظام سياسي رسخ بنيانه في العقل السياسي العراقي، وكنظام ثقافي شيد بنيانه في الصميم من طرق واساليب المعيش اليومي للعراقيين طيلة عقود اربعة..
قد يرد اعتراض على عدم الاستعداد لمابعد لحظة العام 2003، وان مؤتمرات المعارضة العراقية، قد حفلت بالكثير من تلك الاجوبة، الا انها في حقيقة الامر لم ترتق ان تكون اجوبة حاسمة في القدرة على بناء الدولة، او معالجة الازمات التي يمكن لها ان تنوجد طبيعيا او قسرا، وانها في احسن الاحوال كانت نوعا من الميكافيلية السياسية التي تريد ارضاء الراعي الاكبر لتلك المؤتمرات وهي امريكا، مع مراعاة مظلومية اخرى لكنها قومية هذه المرة وهم الاكراد...
الشعار الابرز بعد العام 2003 هو الاغلبية السكانية، وهي وان كانت حقيقية، الا انها وقد اصبحت على سدة الحكم والسلطة، لم تستطع ان تطمئن الاقليات الاخرى، التي برزت مع مفهوم جديد للجماعات وهو مفهوم المكونات، وكان يراد منه خلق نوع من الاختلال والاختلاف المفارق للجماعات فيما بينها، سيقودها في الشهور اللاحقة الى نوع من اقصاء متبادل لتلك المكونات، ويرتفع هذا الاقصاء الى عنف متصاعد، ينحصر بين الجماعتين الاكبر في العراق وهم الشيعة والسنة..
العام 2014 ليس تحديدا زمنيا يفترض الدقة في التأريخ للحظة الشيعية، انه دلالة رمزية بما انتهت اليه السنوات التي سبقته عند العام 2003، فالمآلات الراهنة والان، هي ما ولدته او استولدته تلك السنوات، نتيجة تغير الواقع السياسي العراقي..
السنوات الماضية عبرت بالشيعة كجماعة دينية الى مجموعات سياسية، تتصارع على السلطة فيما بينها، وتتصارع مع الاخرين عليها..
العام 2015 هو الاخر ليس بالضرورة عاما سيتوقف عند لحظته الاخيرة القادمة، بل انه ايضا ينفتح على ابعد من ذلك لسنوات اخرى بعده، فالتحديات السابقة والانية في راهنيتها، هي مخاطر كبيرة لم يستطع صانع القرار الشيعي من بلورة حلول لها، يمكن ان تجعل من الاغلبية صمام امان للأقليات الاخرى..
هل يعفى الاخرون من مسؤولياتهم؟ بالقطع لا، فالآخر المذهبي اخذ يبلور مظلومية جديدة في الاجتماع العراقي، يعمل الاعلام على تشكيل سردياتها ويتوجه بها الى محيطه الاقليمي والذي يشعر فيه بانه الاغلبية الوحيدة..
الاخر القومي، وهو الذي كسب الكثير من المظلومية المشتركة مع الشيعة، اصبح حليفا ثقيلا لاتقف مطالبه المبتزة عند حد، وهو يلوح باستمرار بالانفصال عن العراق.
اللحظة الشيعية في العام القادم، هي لحظة الخوف على مصير العراق من التشظي والتقسيم، فلا احد من قادة العمل السياسي الشيعي يريد لهذه اللحظة ان تتم، رغم قناعتهم التامة انها لحظة تلوح في الافق..
العام 2015، يطرح اكثر من سؤال: ماهو مستقبل التحالف الدولي؟ ماذا بعد داعش؟ هل سيتشكل اقليم البصرة؟ واذا تشكل كيف سيكون عليه وضع الشيعة؟ ماهو مستقبل الحشد الشعبي؟ وهل داعش ستكون المحطة الاخيرة في سلسلة المخاطر؟ ماهو دور الاحزاب الشيعية في المرحلة القادمة؟ ولعل السؤال الابرز ماهو دور المرجعية الدينية الشيعية في مواجهة تلك التحديات وهل يمكن تحويلها الى فرص تحفظ للشيعة منجز الحكم في العراق؟
اضف تعليق