يُشاع بين الناس أن العمل - والمعني بذلك أي عمل فيه فائدة- هو نوع من المسؤولية التي يُسأَل عنها المسؤول، وكما ورد في معجم المعاني الجامع، فإن المسؤول في اللغة: اسم مفعول من سأَلَ، مُحاسَب، وهو مَنْ تقع عليه تبعةُ عملٍ أو أمرٍ، و (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) كما ورد في الحديث الشريف، والمَسْؤول من رجال الدّولة: هو المنوطُ به عمل تقع عليه تبعته.
بمعنى أوضح، أن أي إنسان يتصدى لانجاز عمل محدد مقابل أجر أو تعهّد، سوف يتحمل مسؤولية انجازه ضمن مواصفات وشروط تتعلق بإتقان المنجَز المعلَن عنه، وسرعة تشييد العمل والسقف الزمن له، ضمن أخلاقيات الانجاز المعروفة.
وهذه الشروط المتفق عليها تسمّى بالمسؤولية، وهي تقع على عاتق المسؤول، وقد يكون العمل مادي ذا نتائج ملموسة، أو فكري علمي لساني ذا نتائج مدرَكة، ولكن على العموم يبقى المسؤول معرَّضا للمساءلة، طالما أنه وافق بالتصدي لهذه المسؤولية أو تلك، وأعلن رغبته بذلك، ضمن تعاقد تحريري أو شفوي مشهود به.
وكلما كانت المسؤولية أكبر وأندر، تكون درجة المساءلة أكبر، وأكثر دقة وإلحاحا، لأن المسؤولية اذا تعاظمت، فهذا يعني أنها تشمل عددا أكبر من الناس من حيث الاستفادة أو الضرر من العمل المنجَز، وطالما أن المسؤول الحكومي الذي يتصدى لمهمة معينة، يكون على احتكاك مباشر مع مصالح الناس وحقوقهم، فهنا تكون المسؤولية أكبر والمساءلة كذلك.
من هنا يؤكد ذوي الشأن على مواصفات خاصة ينبغي أن تتوافر في شخصية المسؤول، وكلما كانت مسؤوليته أكبر وأكثر حساسية، كانت تلك المواصفات الذاتية مهمة جدا، بالإضافة الى الضوابط القانونية والأخلاقية الرادعة التي تسهم في المحافظة على المسؤولية والتصدي لها، بما يحفظ حقوق الطرفين المسؤول والطرف الآخر الذي يكون في الغالب عامة الناس.
من مواصفات المسؤول الأخلاق الرصينة، والأمانة الراكزة، حيث تتميز النفوس الكريمة بنكران الذات، ونبذ الطمع، والتفكير بالآخرين أكثر من الذات، وينطبق عليهم مضمون القول النبوي الشريف: أحبب لأخيك ما تحب لنفسك). لذا غالبا ما تُسهم نفوس المسؤولين الملتزمين بتحقيق الإنجاز الجيد والمفيد، لأنها تنطلق من قاعدة انسانية سليمة راسخة الجذور والبنيان، تؤمن بقيمة الإنسان، وتساعده على العيش بكرامة ضمن سقف الحقوق المتعارفة والتي لا يصح التجاوز عليها أو اهمالها من لدن المسؤول.
ما أعظم النفوس الكريمة
العمل ضمن مهام خدمة الناس شرف من طراز خاص، حتى لو كان مقابل أجر أو ثمن، وهناك من يحافظ على هذا الشرف ويصونه، ويحفظ شرف المسؤولية، بأخلاقه المتميزة، فهو يحمل الصفات الإنسانية التي لا تتوافر إلا في النفوس الكبيرة، وهي نفوس الكرماء.
هؤلاء هم من تليق بهم المسؤولية، وليس من يسيل لعابهم إزاء الامتيازات الزائلة، نحن نتكلم عن أولئك الذين يقدمون الخير أينما تواجدوا وأينما حطوا الرحال، وهؤلاء يبذرون الخير أينما كانوا، لذلك دائما تراهم أو أكثر المضحين من اجل الآخرين، فيتم وصفهم بذوي النفوس الكبيرة والكريمة، وهؤلاء هم الذين يفكرون بالآخرين قبل أنفسهم وقبل ذويهم وأهلهم والمقربين منهم، أو بطانتهم كما يسميها الامام علي (ع).
المسؤول الذي يقود نفسه، ويربيها على التضحية، ويجعلها تقدم مصالح الناس على مصلحتها، هو الذي يحمل الصفات المطلوبة، فهناك سمات راقية تتحلى بها النفوس الكريمة، فهي على الرغم من صبرها على الشدائد، وقدرتها الكبيرة على التضحية والإيثار، وتفضيلها للآخر على ذاتها، إلا أن هذه النفوس الكريمة لا تقبل بالإذلال، ولا ترضى بمن يحاول ان يفرض عليها الظلم، أو يتجاوز على كرامة الناس وحقوقهم، ومثل هؤلاء المسؤولين من ذوي النفوس الكريمة، لن يقبل بخيانة الأمانة، ولا الإساءة لمسؤوليته.
والمسؤول الحق، هو الذي يحفظ حقوق الناس بما يحمله من نفس كريمة تقودها أخلاقه العالية، وإنسانيته الفطرية الراسخة، فضلا عن تدريبه لنفسه على الصبر والتضحية ونكران الذات، ففي هذا الوقت يحتاج العراقيون الى مسؤولين كرماء النفوس، يختلفون عن النماذج التي ظهرت لنا قبل أيام، تحت طائلة الاتهام التي قدمها وزير الدفاع العراقي مؤخرا، وأعلنها على الملأ العراقي حتى باتت تعد من القضايا التي تتعلق بالرأي العام، هذا النوع من المسؤولين اذا ما تم إثبات الاتهامات قضائيا بحقهم، فهؤلاء خائنون للأمانة والمسؤولية.
وهؤلاء قاصرون عن حمل هذا النوع من المسؤولية لأنهم يفتقرون الى الأمانة، وينصاعون الى أوامر نفوسهم (الأمارة بالسوء)، على العكس من حامل النفس الكريمة، فهو يتميز بالكرم والسخاء، والعطاء الدائم، ولكنه في الوقت نفسه مع سمة او ملكة الصبر التي يتحلى بها، قد يثور على من يتجاوز عليه، عندما يبلغ السيل الزبى، ولم يعد للصبر نفع، وعندما يثور الكريم فإن ثورته تختلف عن غيره، أو نقيضه، الذي يسيل لعابه على المنافع الزائلة وينسى أمانته.
المسؤول بين اللؤم والشرف
المسؤول الذي نعنيه، هو من يرعى الشرف ويتمسك بالخلق الرفيع، ويحافظ على أمانته، وهذا النوع من المسؤولين لا يسمح باستمرار الخطأ ولا الظلم ولا الإجحاف، وهو يعمل دائما ضد من هم مرضى في العقل والنفس والتفكير والسلوك أيضا، اولئك الذين نطلق عليهم وصفا او تسمية تليق بهم، وهي صفة اللؤم وتفضيل النفس والأنانية، لأنهم من أصحاب النفوس الضعيفة التي تضع مصالحها أمام مصالح وحقوق عامة الناس.
هذا النوع من المسؤولين، هو الذي يوصف باللؤم، وهو في الغالب يتجاوز على كرماء النفوس وعلى حقوقهم، كأن يكون قد تمكن من السلطة، او حصل على منصب يجعله فوق رؤوس الناس ورقابهم، مثل هؤلاء اذا تمكنوا على غيرهم فتغيب الرحمة من قلوبهم، ويتعاملون مع الآخرين بتعال وتكبر، وبنفوس لئيمة يقودها الجهل والضغينة والحقد، ولكنهم بالنتيجة سوف يفشلون لا ريب في تحقيق ما يصبون إليه.
ومما يحدث في عمق الحياة اليومية، أن المسؤولين الخبثاء، يضيقون الخناق على الكرام، ويجعلونهم يشعرون بالغربة وهم في أوطانهم، بسبب الإقصاء الذي يتعرضون، فيصبح الأغنياء بالأفكار فقراء بالمادة، بسبب حالات الحرمان التي يتعرضون لها، والسبب دائما هو الجنوح صوب الامتيازات للمسؤولين القاصرين على حساب الشعب أو عامة الناس.
أما المسؤولون الشرفاء فإنهم حريصون على أداء الأمانة كما ينبغي، وغالبا ما يتحلى أصحاب النفوس الكبيرة بالقناعة، والقبول بما لديهم من جاه ونفوذ واموال حتى لو كانت قليلة، فالاصل لديهم ليس البذخ ولا الجاه ولا كثرة المال ولا السلطة، بل حفظ الأمانة وبياض الوجوه عند المحاسبة، فكل مسؤول يُسأل من الناس ومن الله تعالى.
لذا يحتاج العراقيون الى المسؤول الشريف، المحصّن بالأخلاق العالية، والمبادئ، والانتماء للانسانية، ولا يحتاج العراقيون الى مسؤولين يسيل لعابهم على أقل المغانم، ويتهافتون على سرقة قوت الفقراء على شحته وقلته أصلا، العراقيون يريدون مسؤولا لا يسرقهم بالطرق المعروفة وغير المعروفة، بالاختلاس او الصفقات الوهمية او التهريب أو غسيل الأموال، كما يفعل بعض المسؤولين الآن.
اضف تعليق