حسناً قال احد العلماء أن "السر في عظمة الامام علي، عليه السلام، انه لم يكن يبحث عن عظمة"، على هذا النهج سار العلماء والمفكرون والمجاهدون، حاملين رسالة الإصلاح والبناء، متحدين في هذا الطريق كل اشكال الصعاب حتى الرمق الاخير، ومنهم الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – قدس سره- الذي نجح في الاقتداء بأن يكون "كأحد الناس"، فأحبه الناس جميعاً.
هذا الحب تكون من الكلمات التي خرجت من القلب فدخلت طواعية الى القلوب، فخاطبت الضمير والعقل في آن واحد، فتثير في المستمع المشاعر الانسانية وتذكره بواقعه وضرورة الاهتمام به وتحسين وضعه، فإن كان سيئاً أصلحه وغيره، وإن كان جيداً طوره الى الافضل ليفيض الى محيطه الاجتماعي.
لذا جاءت كلماته فيما يتعلق بالتربية والعلاقات الزوجية والسلوك الاجتماعي وبناء الشخصية الايمانية والاخلاقية، كالماء العذب على الارض الجدب فأحيتها، وهذه هي العلاقة الطبيعية في الحياة التي سنّها الله –تعالى- .
لقد جرّب الكثير من الرموز السياسية والثقافية أن تحظى بمحبوبية الناس، فيكونوا بين مصفقين للرئيس، وبين متفاعلين مع هذا المفكر او ذاك المؤلف، وهذا يفيد – بالطبع- لاغراض عدّة؛ سواءً في مناسبات سياسية مثل الانتخابات للوصول الى كرسي الحكم، او في لتحقيق المكانة الاجتماعية او حتى الدينية.
وأي تجربة من هذه التجارب يكون نجاحها نسبياً ومحكوماً بصدق العلاقة مع الجمهور، ومدى شمولية الخطاب والافكار لحاجات الناس ومشاكلهم، أما الفشل فانه لذاك الذي حاول شراء الولاء والحب بوسائل مختلفة، فربما كسب شيئاً من ذلك، ووجد الناس حوله يبتسمون له ويعظمون شأنه، بيد أن هذا يتلاشى فور زوال تلك الوسائل وانتفاء الحاجة.
وهذا تحديداً ما جربه العراقيون – تحديداً- في السنوات الماضية، سواءً قبل او بعد التاسع من نيسان عام 2003، وعندما جربوا الخطاب المميز لسماحة الفقيه الشيرازي، اكتشفوا فجأة الفارق الكبير بين هذا الخطاب وما جربوه من قبل، وربما لا توجد ثمة مقارنة بين الاثنين، فقد أدرك المستمعون لكلماته وافكاره، قدرتهم بأن يكونوا سعداء في بيوتهم مع أطفالهم و زوجاتهم، وأن تكون لهم علاقات اجتماعية صالحة وبناءة، بل ويكونوا علماء ومثقفون، من ثم منتجون ومبدعون، كل هذا وغيره كثير، يبينه سماحة الفقيه الراحل بالأدلة العقلية والنقلية، وبالشواهد التاريخية وتجارب الماضين.
والاستنتاج الذي توصل اليه الجميع أن الفقيه الشيرازي، لم يأت اليهم ليكسب منهم شيئاً، إنما ليكسبوا هم، بدءاً من القيم والمفاهيم والسلوك والاخلاق وغيرها، فيعقدوا علاقة الحب مع الله – تعالى- ومع كل قيم الخير والفضيلة، قبل ان يعقدوا علاقة الحب والود معه شخصياً، ويعلم الجمهور العراقي المحب لسماحته، بأنه لم يحظ يوماً بلقاء مباشر ومحاضرة واحدة يلقيها سماحته في العراق قبل وفاته.
لهذا السبب وأسباب اخرى كثيرة، يبقى اسم الفقيه الشيرازي وصورته وكلماته مغروسة في الذاكرة وايضاً في الضمير، وتتحول الى شجرة باسقة مثمرة على الدوام تغذي الاجيال بالفكر والثقافة، ولعله يكون من نوادر العلماء في تاريخنا المعاصر، حظي بهذا التفاعل الجماهيري المفاجئ بعد وفاته، وكلما تمضي الايام والسنين يشعر الناس بزيادة الحاجة اليه، والى ما يطرحه من مواضيع وافكار.
اضف تعليق