تعددت الاسباب التي دعت الولايات المتحدة لغزو العراق في العام 2003 واسقاط نظامه، تبعا لمرجعيات اصحاب الشأن السياسي الذين ادلوا بتصريحاتهم حول ما جرى في ذلك العام.
فالامريكان اندفعوا الى غزو العراق من اجل انهاء حكم استبدادي استمر طيلة عقود طويلة، ومن اجل نشر الديمقراطية في العالم العربي عبر العراق للقضاء على التطرف والارهاب الذي تعتبر منطقة الشرق الاوسط وخاصة العربي منها هي المصدر الرئيسي له.
الدول المحيطة بالعراق "اشقاء وجيران" رأوا في ذلك الغزو تهديدا لوجودهم، بعد حدوث اولى البوادر الديمقراطية من دستور وانتخابات وصحافة حرة.. بعد هذه السنوات على ذلك الحدث هل نجحت الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق تلك الديمقراطية، وهل صحت مخاوف الجيران "اشقاء واصدقاء"؟.
في كل عام يغيب العراق عن مؤشر الديمقراطية السنوية الذي تصدره وحدة الاستخبارات الاقتصادية (تتبع قطاع الأعمال الخاصة) لقياس حالة الديمقراطية في 167 بلداً، منها 166 دولة ذات سيادة و165 عضو في الأمم المتحدة.
ويستند هذا المؤشر على خمس فئات مختلفة من التقييمات هي:
(العملية الانتخابية -التعددية والحريات المدنية -أداء الحكومة -المشاركة السياسية -الثقافة السياسية).
من خلال هذا المؤشر يتم تصنيف الدول إلى (ديمقراطيات كاملة -ديمقراطيات معيبة -أنظمة هجينة -أنظمة سلطوية).
المؤشر ليس ثابتا في تصنيفه كل عام، فمن الممكن ان تنتقل دولة من مراتب متقدمة الى ادنى وبالعكس، وخاصة المراتب الثلاث (المعيبة – الهجينة -السلطوية) تبعا لبعض التغيرات في العملية السياسية وحتى في الاقتصاد.
الا ان الثابت هو الديمقراطيات الكاملة والتي تنحصر في 25 بلدا من بلدان العالم، وحتى لو تغير ترتيبها فأنها تبقى ضمن هذا التصنيف الاول.
في الديمقراطيات المعيبة توجد 53 دولة، وفي الانظمة الهجينة توجد 36 دولة، وفي الانظمة التسلطية توجد 53 دولة.
اين يقع العراق ضمن هذا المؤشر؟
لا وجود له في الديمقراطيات العشر الاولى للدول العربية، على اختلاف تصنيفات الديمقراطية فيها، الا انه يحتل مرتبة متقدمة في الديمقراطيات الهجينة على مستوى العالم.
حيث يحصل العراق كل عام على تقديرات ضعيفة من التقييمات فيما يتعلق ب"المشاركة السياسية - العملية الانتخابية والتعددية - الأداء الحكومي - الحرية المدنية - الثقافة السياسية".
تتميز الأنظمة الهجينة والعراق واحدا منها، بضغط الحكومات على أحزاب المعارضة، وانتشار الرشوة، وعدم إيلاء الأولوية للحقوق والمجتمع المدني، كما تمارس الدول ذات النظام الهجين الضغط على الصحفيين وعدم استقلالية السلطة القضائية.
في العام 2005 أي قبل أكثر من عشر سنوات نشر معهد السلام الامريكي تقريرا ل"فيبي مار" ذكرت فيه ان فرص بقاء الديمقراطية على قيد الحياة في العراق لا يبشر بالخير، فلا شيء من الشروط التاي تساعد في تعزيز الديمقراطية سيكون موجودا. وفي ظل تدهور البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فان النظام السياسي القائم سيكون في نظر الكثير من العراقيين وليد "غير شرعي" وستشعر جماعات معينة من السنة العرب بالاستياء لخسارتهم سلطتهم ووضعهم الشرعي، وسيكون حشد من جماعة "المفسدين" جاهزا لتخريب التجربة الديمقراطية.
عقد على هذا التقرير، ما الذي تغير؟
لا شيء في الحقيقة فالابنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مستمرة في التدهور، بعد ان انضافت لها اسباب اخرى جديدة لم تكن موجود في العام 2005 "داعش – ترسخ الطائفية - – هبوط اسعار النفط – زيادة التدخلات الخارجية – انتشار الفساد" وغيرها من اسباب اخرى قد تكون ذات صلة بالأسباب الرئيسية والجوهرية المارة الذكر.
التظاهرات الاحتجاجية في العراق، والتي انطلقت ضد الفساد ونقص الخدمات ووصلت في قمة احتجاجها الى اقتحام البرلمان، كشفت عن وصول "الديمقراطية" في العراق الى طريق مسدود، لا تشفع له بعض الهوامش في حرية التظاهر او حرية التعبير، لان هذا الانسداد اوصلنا الى حقيقة ان الضغط على الخدمات المتهالكة ونقص الوفرة المالية في خزينة الدولة العراقية، سيضعف قدرة الحكومة على تهدئة الوضع المرشح للانفجار اكثر، اذا لم يستطع اللاعبون السياسيون في العراق تدارك الوضع قبل فوات الاوان..
ان نذر الشر المستطير تلوح في الافق.
اضف تعليق