لا شيء في الوضع العراقي يبعث على الاسترخاء، فاذا كنت متابعا لما يحدث فتأكد ان لديك القابلية لارتفاع ضغط دمك، واصابتك بالصداع، والخمول، والكسل، والتوتر، والكآبة.. وكثير غيرها من اعراض تظهر عليك، واذا لم تتداركها اصبحت مشاريع امراض مزمنة ومستعصية العلاج في المستقبل.
لا شيء في الوضع العراقي يبعث على الامل في غد مختلف عن الامس، مجرد تنويعات على كوميديا سوداء، تضحكك اليوم وتبكيك غدا، بعد ان تتحول الى تراجيديا طويلة لا تنتهي.. ما رأيك في ان توجه صفعة على خد الالم وتديره الى الناحية الاخرى ليتحول الى امل؟.
ربما هذه واحدة من وظائف الصفعة، وهي التي تعرفها اللغة بانها:
الضَّرْبُ عَلَى الخَدِّ بِكَفِّ اليَدِ مَبْسُوطَةً - صفَع الشَّخصَ لطَمه، ضرب قفاه أو بدنَه بكفِّه مبسوطة أو مقبوضة، والفاعل في فعل الصفع يسمى (الصافع) والذي يتلقى الصفع يسمى (المصفوع).. وفي الامثال: ان الصافع ينسى ، والمصفوع لا ينسى، وكثيرا ما يقود ذلك الى حقد مستدام، وثأر بين المتصافعين.
ومن الصفع ما يكون ماديا، واحيانا يترك اثره على خد المصفوع.. مثل: (عندما رفع الولدُ صوتَه صفعه أبوه). ومنه ما ينسحب على الجماد مثل: (صفع البابَ : أغلقه بُعنف وبصوتٍ مُدَوٍّ).
ومنه مايكون الصفع للاشارة الى اثره المعنوي مثل: (كان هذا الفشل صفعة له : إهانة وإذلالاً)، ومثل: (صَفَعَه ببذيء الكلام : وجّهه إليه).
في العامية البغدادية تطلق كلمة (كفخة) على الصفعة، وهي كلمة عربية فصيحة، وفي لبنان تسمى الصفعة: كفّا.
ما هي وظائف الصفع او الصفعة، كما دلتنا عليها كتب التراث العربي؟، في اصل الصفع ان يكون للتأديب، كأن يصفع القاضي من يخل بالاحترام الواجب نحو مجلس الحكم.. وقد يرد لإجبار المكلف على أداء الضريبة المتحققة عليه.
وقد يرد لإلزام العمال المصروفين بسداد ما بذمتهم من الأموال الاميرية.. وقد يرد لاجبار من صودر على أداء المبلغ الذي صودر عليه .. وقد يرد من اجل استخراج الودائع.. او لتقرير مبلغ المصادرة.. او للاهانة والايذاء.
وقد يرد عقابا للمدعي الذي عجز عن القيام بما ادعى، وقد يرد كذلك لاجبار المصفوع على ترك عناده.. وقد يصفع المتشدق المتقعر في كلامه.. وكان الصفع اول ما يعاقب به العامل عند صرفه ومحاسبته، كما كان متعارفا انه اذا عزل الوزير، اعتقل هو واصحابه، وضربوا، وصفعوا، وطولبوا بالاموال..ربما هذه الوظيفة الاخيرة للصفع فيها الكثير من المتعة للمتظاهرين والمعتصمين في الوقت الحالي، لو امسكوا بوزير او سياسي فاسد من تلك الاسماء الرنانة في الفساد، وهم الذين يطالبون بمحاسبة الوزراء والسياسيين الفاسدين الذي لم يشبعوا مما اكتزوه من اموال طيلة فسادهم، وهي افضل من تعليق المشانق في ساحة التحرير، والتهديد باستخدامها، وهو نكوص خطير بعد هذه السنوات، يذكر بالحبال والسحل والمشانق التي سادت في العراق في عقود سابقة في فترات الاضطراب السياسي.
ومما يبعث على العجب كما تحدثنا كتب التراث العربي، ان المصافعة كانت في بعض الأوقات تتخذ سببا من أسباب المداعبة بين الاخوان والخلان، فقد ذكر التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة، ان جماعة من قوّاد المعتضد وامرائه، كانوا مشتهرين بالمصافعة، مكاشفين بها. وذكر أبو حيان التوحيدي، في البصائر والذخائر انه سمع القاضي أبو سيار يقول: الصفع على الريق، اصلح من شربة سويق.. وكانت للمصافعة في بعض الأوقات سوقا رائجة، وان الصفع كان على سبيل المباسطة، وكان من يتبادلون الصفع يسمون (الصفاعنة) الذين اسقط ارزاقهم علي ابن عيسى لما استوزر للمقتدر..وهناك حكايات كثيرة في هذا الباب، غير هذه وتلك، تؤكد رواج مثل هذه المهنة، وهذه الوظيفة للصفع وهي المداعبة والمباسطة.
وذكر التوحيدي في كتاب البصائر والذخائر، يقال: اذا رأيت رجلا خرج من عند الوالي وهو يقول : يد الله فوق أيديهم، فاعلم انه قد صفع.. وقد عرف عن الصفع وظيفة اخرى في العراق غير وظائفه تلك العديدة، فقد كان الأطباء البغداديون يستعملون الصفع لعلاج اللقوة، والتي تسمى ببغداد: الشرجي، يراد به الهواء الشرقي، والمصاب باللقوة يقولون عنه: ضربه الشرجي).. وكان العلاج يتم بان يصفع المصاب باللقوة صفعة شديدة على غفلة من ضد الجانب الملقو، ليدخل قلب المصفوع ما يحميه، فيحول وجهه ضرورة بالطبع الى حيث صفع، فترجع لقوته.
اضف تعليق