هل هناك بوادر او علامات تشي بانتشار الطائفية في العالم العربي، وهل تعاني الأقليات من مخاطر حقيقية في هذه البلدان؟ الجواب نعم هنالك مخاوف حقيقية تتهدد الأقليات في العالم العربي، وهناك احداث واقعية سجلتها منظمات حقوقية مستقلة، اكدت أن بعض الأقليات واجهت مصاعب ومخاطر وصلت حد تهديد الحياة.
ولكن من يقف وراء مثل هذه الاحداث، ولماذا لا تجد هذه الاقليات من يحميها، ثم أين القوانين الدولية او المحلية التي تمنع تهديد حياة هذه الأقليات. لقد استبشرت شعوب الشرق الاوسط عندما تم اسقاط الحكام المتجبرين من عروشهم العالية، وتصاعدت بوادر الامل بانتهاء الانظمة السياسية التي تمجد الفرد، أو الحزب، أو الجهة، أو الطائفة، وقامت الجماهير العربية باحتجاجات وثورات متواصلة لكي ينتقل العرب، من عصر الفردية السياسية الى عصر الانفتاح ومحاكاة الركب العالمي المتطور، ومع ذلك لا تزال هناك مؤشرات تؤكد المخاطر التي تعاني منها الأقليات.
وهناك نوع من التأجيج المتعمد للطافية، وتأليب الأكثرية على أقليات بعينها، في ظل صمت دولي، ما خلا بعض الاصوات الخجولة هنا وهناك، لقد أسقطت الجماهير العربية بعض جبابرة التسلط، كما حدث في تونس ومصر وليبيا، واليمن، ولا تزال الاحداث في دول أخرى حبلى بالمفاجآت السارة على صعيد إسقاط الانظمة المستبدة كما يشير الى ذلك معنيون بالاوضاع السياسية خاصة في السعودية وبعض دول الخليج، فكما يقول المراقبون، إن زمن الفرد او الملك والوراثة او الحزب الواحد ولى الى الابد، وأن الديمقراطية بدأت مرحلة انتعاشها التي لن تتوقف حتى يدخل العرب في عصر الديمقراطية مثل سواهم من الدول والشعوب، ولكن هذا الامر لا يتحقق من دون تضحيات وخسائر كبيرة، ويبدو ان من يتحمل الجانب الأشد والأكبر منها هو الاقليات غير المحمية بقانون دولي واضح له آليات عمل ملزمة.
توجد مؤشرات هنا او هناك تهدف الى تسليط الضوء على معاناة الأقليات في العالم العربي، ولكنها ليست كافية، لدرجة أن المسؤولين عن هذه الاقليات يؤكدون غياب الحماية القانونية والحقوقية فضلا عن غياب الحماية الحكومية، في حين تحاول الاقليات نفسها أن تصل بصوتها الى العالم الديمقراطي فعلا، وقد سعت الى ذلك بصورة جيدة ومدروسة ولكن في حقيقة الامر لم تجد المساندة المطلوبة في هذا المجال.
سعي متواصل لتثبيت الحقوق
من المبادرات الجيدة، ان الاقليات تسعى لتثبيت حقوقها عالميا، كما نلاحظ ذلك في المحاولات (التي تبدو فردية) لبعض الشخصيات، ولكنها مؤثرة في العالم، إن مثل هذه التحركات والنشاطات الحقوقية الاعلامية تثلج الصدر حقا، وتجعل الأقليات العربية والجماهير بصورة عامة، غير آسفة على ما قدمت من خسائر وتضحيات، على طريق التحرر والانعتاق من التسلط السياسي للحكومات الفردية المستبدة، بيد أن بواعث القلق لا تزال تطفو على السطح بين حين وآخر، ورحنا نلاحظ علامات لا تبشر بخير، يمكنها إعادة الحال السياسي العربي، الى ما كان عليه ابان الانظمة العسكرية، خاصة ما يتعلق بالتهديد المباشر وغير المباشر لبعض الأقليات.
حيث لا تزال هذه الأقليات تواجه مصاعب حقيقية وتعاني من المخاوف التي تطول أقليات وطوائف بعينها، وكأنها مستهدفة كما حدث في مصر مع الأقلية الشيعية والشيخ (حسن شحاتة) والوحشية التي تعامل بها هو وأقليته، وتخلي الحكومة عن حمايتهم، واستمرار الصمت على مثل هذه الاعمال في دول عربية اخرى، مع العلم أن هذه الاقليات تشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمع العربي، ولهذا بدأ بعض السياسيين والمراقبين، يحذرون من ظاهرة استمرار التهميش التي تتعرض لها الاقليات، فضلا عن حرب الطوائف التي يخوضها البعض تحت ستار الثورة الجديدة، في حين تشير دلائل ومؤشرات الى محاولات تصفية جديدة تستهدف هذه الأقليات الامر الذي يتطلب حملات قوية لمواجهة مثل هذه السياسات الهمجية التي لا تراعي حقوق الانسان ولا تلتزم بالمواثيق الدولية التي تتعلق بحماية الأقليات..
لقد حذر سياسيون كبار في العالم اجمع من ظاهرة استهداف الأقليات في العالم العربي، أي ظاهرة الحرب على الاقليات، وتم مطالبة الحكومات في مصر وتونس وليبيا ودول الخليج والسعودية على وجه الخصوص وغيرها من الدول العربية بضرورة الحفاظ على حقوق الاقليات، وهذا ما أكده الواقع، إذ أننا نلحظ أيضا في مصر وسواها حربا سنية على طائفة الشيعة، ليمتد ذلك الى دول عربية اخرى، بل ودول اسلامية غير عربية مثل باكستان والهند، حيث التفجيرات تطال الشيعة في أماكن العبادة وأثنائها، وحيث الدعوات المعلنة الى منع الشيعة من ممارسة طقوسهم وعقائدهم بحجة مخالفتها للشرع وما الى ذلك من حجج واعذار وضعها أناس همهم الاول هو احتكار السلطة السياسية ورفض المعارضة والتضييق على الحريات وهي علامات ومؤشرات تدل على مضايقات وتجاوزات غير مسموح بها دوليا، ولكن هناك شبه صمت تجاه هذه التجاوزات وهي قد تكون مدفوعة الثمن اوان هناك لوبيات تقوم بدورها في التعامل مع الاعلام من اجل تثبيت الصمت حيال هذه التجاوزات.
عودة الحريات الى الوراء
هناك من يؤكد أن الحريات في العالم العربي لا تزال تعاني من مشكلات كبيرة، بل يقال أنها تتراجع الى الوراء لاسيما ما يخص الأقليات، وثمة سؤال جول هذا الجانب، هل هناك استعداد للعودة الى الوراء بعد الانجازات الثورية للجماهير في بعض الدول العربية حيث تمت الاطاحة بالانظمة العسكرية التي كانت تكتم اصوات وحريات الناس؟، وهل تريد بعض الجهات التي تحاول تسيير دفة الامور قيادة الدول العربية نحو مسارات سياسية خاطئة؟.
المطلوب اثبات أن الاقليات في امان، وانها تعيش مثل سواها في ظل حكومات تدّعي الديمقراطية فها سيتحقق مثل هذا الهدف؟ خاصة أن الامثلة على محاربة هذه الطوائف واضحة، وهي في غاية الخطورة حقا، لاسيما ما يتعرض له الكثير من هذه الأقليات من تفجيرات، في ملاعب كرة القدم او في الاسواق حيث الابرياء، او في مساطر العمال، حيث يدفع الفقراء من الشيعة او سواهم من الاقليات ثمن صراعات دولية واقليمية لا تزال مجهولة بالنسبة للبسطاء من الناس.
إن هذه التجاوزات على الاقليات تقتل الانجازات التي تم تحقيقها في الدول العربية، وتحيلها الى منجزات عكسية، قد تقوّض جميع المكاسب التي تحققت بفعل الجماهير، لهذا لابد أن يتنبّه الجميع ونعني بهم المسلمين، الى ضرورة فهم المرحلة الجديدة ومقتضياتها، وعدم السماح لعودة اساليب الانظمة الدكتاتورية المطاح بها، مجددا الى ساحة الفعل السياسي وسواه، أي ينبغي الحذر من اعتماد اساليب القمع والاقصاء والدعوات المشبوهة، لتقييد العقائد والحريات كما كانت تفعل الانظمة السابقة، لهذا علينا أن نضع صمامات أمان حقيقية تحمي حقوق الأقليات من التجاوز، وينبغي تشريع قوانين ملزمة دولية ومحلية في هذا الاطار.
وهذه مهمة دولية ومحلية ينبغي أن تتصدى لها المنظمات الحقوقية، لاسيما أن المؤشرات على تفاقم المخاطر التي تهدد وجود الاقليات في بعض الدول العربية لا تزال قائمة حتى اللحظة، بل هناك انظمة ترعى الارهاب وتستهدف الأقليات بأغطية وأستار مختلفة، تظهر في العلن رفضها للتجاوز على الاقليات، ولكنها هي التي تغذي ذلك سرا.
اضف تعليق