ربما لن تكون أكثر من فرضية او نسجا من الخيال، لكن وفي ظل الازمات التي تعاني منها دول الاتحاد الأوربي هل يمكن استبعاد تفكك الاتحاد الأوربي، كسيناريو شبيه بما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق في العقد التاسع من القرن الماضي؟
لنبدأ من رواية "خضوع" للروائي الفرنسي (ميشيل ويلبيك)، والتي صدمت الجميع بحبكتها الاستفزازية التي تناولت فرنسا في العام 2022 حيث " تواصل فرنسا انهيارها التدريجي البطيء، فيما يتولى زعيم حزب اسلامي رئاسة البلاد، تشجع النسوة على ترك اعمالهن، مما يؤدي الى انخفاض معدل البطالة، الجريمة تختفي في الاحياء السكنية الفقيرة المكتظة، الحجاب يصبح الزي السائد، والحكومة تسمح بتعدد الزوجات، وتجبر الجامعات على تدريس القرآن، اما الشعب الفرنسي المخدر والفاسد، فيعود الى سليقته التي عودنا عليها منذ الحرب العالمية الثانية وهي التعاون مع المحتل أيا كان ويتقبل فرنسا المتأسلمة الجديدة"، وفي الحقيقية فان هذه الرواية تعبر عن ازمة حقيقية داخل فرنسا والعواصم الاوربية الكبرى، ازمة البحث عن الهوية الضائعة وسط الكم الكبير من الهويات الأخرى (دينية/قومية/عنصرية...الخ)، والتي انعكست بصورة اعمق من خلال الهزائم التي منيت بها الأحزاب اليسارية (المحافظة) في مناطق قوتها (المانيا، فرنسا، بولندا، إيطاليا...الخ) امام الأحزاب اليمينية (المتطرفة)، وصعودها لأول مرة بنسبة جيدة الى برلمان الاتحاد الأوربي، وهي (الأحزاب اليمينية) معروفة برفضها لجمع الدول الاوربية تحت غطاء الاتحاد الأوربي (سياسيا واقتصاديا وثقافيا)، وتعتبر مطالباتها للدول الاوربية بالعودة الى جذورها القومية، من اهم مبادئها اليمينية، وتعتقد هذه الأحزاب ان جميع المشاكل الاقتصادية التي عانت منها الدول الاوربية (بالأخص الدول الغنية اقتصاديا داخل الاتحاد) جاءت نتيجة تحمل أعباء الغير، مثلما تحملت الدول الاوربية أعباء تدفق ملايين المهاجرين من (المسلمين)، وما نتج عنه من تداعيات اطلقت عليها الكثير من الحركات اليمينية "اسلمة الغرب"، ودعت الى مظاهرات ومسيرات احتجاجية ضد الإسلام والمسلمين، سيما في المانيا التي خرج فيها 18 الف متظاهرا من انصار "حركة بيغيدا".
عندما اجتاحت المنظمات المتطرفة العالم الشرق الأوسط وسيطرت على أجزاء واسعة من العراق وسوريا واليمن وليبيا، مستفيدة بذلك من فوضى الربيع العربي التي غطت العالم العربي عام 2011، انتشرت الترويج للحرب الطائفية والمذهبية بشكل كبير بين المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان العالم العربي، كما شنت حملة كبيرة لاستهداف معتنقي الأديان وأصحاب الأقليات الأخرى، من الذين عاشوا لألاف السنين ضمن حدود العالم العربي، وشهد العراق وسوريا اكبر موجة نزوج جماعي لأقليات دينية وعرقية نتيجة تعرضها لأعمال عنف مباشر من قبل جماعات متطرفة وارهابية، وقد حذر الغرب من تداعيات تنامي التطرف والعداء الطائفي والعرقي في منطقة الشرق الأوسط، واثاره الخطيرة بعيدة المدى.
اليوم تخشى الدول الغربية والأحزاب اليسارية المحافظة تكرار احداث الشرق الأوسط، لكن بطريقة عكسية، فالأزمة الاقتصادية التي أنعشت اليمين المتطرف، والهزات التي أحدثتها الاعتداءات الإرهابية داخل المجتمعات الاوربية، والتي طالت عدد منها (وكان اخرها في فرنسا على صحيفة شارلي ابيدو الذي أوقع 23 قتيل وجريح، بينهم أربعة رسامين ممن قاموا بعمل رسوم مسيئة للنبي محمد "ص") واحدثت بيئة اجتماعية غير مستقرة (سيما وان المتوقع ان تكون هناك المزيد من الهجمات الإرهابية التي يشنها متعاطفين مع تنظيم داعش والقاعدة في اوربا)، بعد ان تنامى العداء للإسلام ومن يعتنقه، باعتبار ان من قام بالاعتداءات الإرهابية هم من المسلمين المهاجرين او أبنائهم.
واعترف العديد من الخبراء والمراقبين بأن اوربا لم تعد متسامحة امام الاخرين، وهي في ازمة بحث عن هوية لها، انطلقت من اهم عواصمها (برلين وباريس)، وربما لن تتوقف قريبا، وقد يؤدي هذا الخلاف الى خلاف أعمق يطال منظومة الاتحاد الأوربي ككل، والذي يأن تحت ضربات ضعف الاقتصاد ومخاطر الإرهاب واليمين المعارض، إضافة الى تفشي العنصرية والتي فشلت سياسيات الاتحاد الأوربي على مدار خمس عقود من الزمن في جعلها من الماضي، او تذويبها، فيما لم تنجح، أيضا، السياسيات والبرامج الثقافية التي انفقت لأجلها المليارات، من تجاوز عقبة دمج المهاجرين داخل المجتمعات الاوربية، وكما قال خبير اوروبي "حين لا يكون لدينا اتصالات مع الاخرين وحين لا نكون نعرفهم، يعترينا خوف منهم"، واضاف "لقد شهدنا هذا الامر عند اجراء الاستفتاء حول المآذن في سويسرا، هؤلاء الذين يقيمون في القرى النائية وبالتالي هم اقل طرف معني بهذه القضية، كانوا اشد المعارضين للمآذن".
اضف تعليق