حب الشهرة، يمثل نزعة نفسية غريزية يُقرها جميع العلماء والباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع، وهي تظهر احياناً في مسيرة البحث عن التفوّق والتميّز، سواء في مسيرة طلب العلم، او طلب الرئاسة والسلطة وغيرها، وربما تكون عن غير قصد وإرادة من صاحبها، كما الطالب المجدّ الذي يتفوّق على اقرانه في الدراسة فيكون مشهوراً فيما يعيش عالم الدراسة والبحث والمطالعة.
ولكن؛ خشية العلماء تظهر عندما يكون هنالك اهتمام بالغ وحرص شديد على استحصال الشهرة والحفاظ عليها بل وتوسيع نطاقها، لان في هذه الحالة غير العفوية، ستدفع صاحبها الى الاصابة بامراض نفسية تجعله عنصراً سلبياً في المجتمع، وتهدد قدراته وكفاءاته بالاضمحلال، وبدلاً من أن يكون جزءاً من الحل وسط أزمات مجتمعه وأمته، وأحد عوامل النهضة والتطور، بما يملك من تلك القدرات، سيكون هو وقدراته سبباً في تعقيد الازمات وربما خلق أجواء الاضطراب اجتماعياً او سياسياً او اقتصادياً.
لماذا التفريط بالشهرة؟!
ربما يتساءل البعض عن سبب الاحجام عن الشهرة وانتشار الاسم مع الكنية، لاسيما اذا كانت تدل على انتماء اجتماعي او رتبة عسكرية او تخصص علمي؟ وربما عدّه البعض "حقاً طبيعياً" لأن تكون الشهرة وسيلة لأداء دور معين في المجتمع. بيد أن العلماء والخبراء الباحثين في هذا الشأن يضعون الخطوط الحمراء إنما لمصلحة الانسان نفسه، ثم المجتمع والامة، فهنالك تحذيرات شديدة من العواقب؛ النفسية على ذات الانسان، والاجتماعية وانعكاساتها الخطيرة على الواقع الخارجي.
يقول صمويل خليل، استاذ مساعد بقسم علم النفس بكلية التربية في جامعة اسيوط: ان الافراط في حب الشهرة ربما يدفع صاحبه للانزلاق الى حالة مرضية تدعى "الاضطراب ثنائي القطبية، ويتميز بتأرجح قوي بين محورين من الهوس والاكتئاب، وهو ما يؤثر سلبياً على النشاطات اليومية الطبيعية للفرد، ويحطم العلاقات الاجتماعية، ويؤدي الى عمل سيئ في العمل والدراسة". فيما يشير استاذ آخر في علم النفس بجامعة الزقازيق، وهو احمد عبد الرحمن، الى أن "الابحاث تؤكد أن الذين يعانون من ثنائي القطبية ربما لديهم اختلال في بعض المواقع الكيمياوية المهمة في الدماغ وتسمى النواقل العصبية...".
والى جانب الحالة المرضية نفسياً، فان الحالة المرضية روحياً (اخلاقياً) تقتحم بقوة سلوك صاحبها، عندما تظهر عليه إمارات العجب والتكبّر والاستخفاف بقدرات الآخرين، ومحاولة تغييبهم وإلغائهم بأي طريقة.
أما عن التداعيات الاجتماعية فيسلط الضوء عليها سماحة المرجع الديني الامام السيد محمد الشيرازي – قدس سره- في كتابه "السبيل الى إنهاض المسلمين" عندما يعد حب الشهرة طريقاً مختصراً نحو الديكتاتورية والاستبداد بالرأي، لأن "حب الشهرة وحب السمعة، وحب أن يقال عن الانسان الخير، يوجب غمط حق الآخرين. انه لا يستشير الناس حتى يقال إن هذا الرأي رأيه وهذا العمل عمله، وليس عمل غيره...".
من هنا تبدو الضرورة قصوى في تحاشي الشهرة وإذاعة الصيت – إن صحّ التعبير- بالمقابل إفساح المجال لما لدى الآخرين من قدرات ومؤهلات وما يمكن ان يقدمونه للمجتمع والبلد، لاسيما في وضع كالذي تعيشه شعوبنا، ولكن؛ كيف يكون ذلك؟، وكيف ينجح الانسان في الإسهام بمشاريع تنموية ونهضوية من خلال غض الطرف عن أسباب جاهزة للشهرة؟.
ليس بالضرورة أن تكون الأول دائماً
من متطلبات الشهرة والانتشار في الاوساط، أن يكون الانسان دائماً في الصدارة وفي موقع الريادة، فهو أول من يتحدث! و أول من يفعل! أو من يدخل! وهكذا... الى آخر القائمة، وربما نجد هذه النزعة المتفرعة من الشهرة، تتجسد في المجالس والمحافل، حيث يحرص البعض على أن تكون المقاعد الامامية لاشخاص معينين، لاسباب لا تخلو من شبهة الشهرة مهما كانت المبررات. بيد ان الرؤية الحضارية لمن يروم – حقاً- الإسهام في مشروع النهضة والتطلع الى آفاق التقدم والتطور، تدعو الى غير ذلك.
وقد أثبتت التجارب أن مشاريع تغيير كبرى حصلت في العالم، لم يكن فيها الرجل الاول، عامل النجاح على طول الخط، لان ببساطة؛ هو رجل واحد، بينما من حوله رجال متعددون باختصاصات وقدرات ومواهب متعددة ايضاً، فكان الدور الابرز والاكثر اهمية على صعيد المستقبل للرجال الذين وقفوا في الصف الثاني والثالث والرابع وهكذا... لان الثاني، لن يبق في مكانه عندما يقوم بدور المكمل للمشوار والأمين على المنجزات والمكتسبات.
ولعل خير مثال نأتي به في هذا السياق، ما نُقل عن الامام الشيرازي – قدس سره- إبان وجوده في العراق، وعندما طرق سمعه مديح البعض بانه السبّاق دائماً الى مشاريع اجتماعية وثقافية رائعة، فكان جوابه؛ بان الهدف من ذلك ليس المشروع بحد ذاته، إنما لحثّ الآخرين واستثارتهم للقيام بما هو أحسن وأكبر...
هذا النوع من النبل والزهد، ما يحتاجه أي شعب وبلد لينجح في نهضته على الاصعدة كافة. فالاعمال الكبيرة تكون ذات فائدة في الحاضر والمستقبل – مع ما تكتسبه من شهرة وسمعة طيبة- عندما تتكامل مع جهود ومبادرات الآخرين.
اضف تعليق