يتسم العنف باحوال لاحصر لها من الغرابة، فالناس مبدعون ومبتكرون بشكل مذهل عندما يلجأون الى ايذاء او قتل غيرهم من بني الانسان، وانت لست في حاجة الى القراءة عن "الماركيز دي ساد" لتدرك ذلك، عليك فقط بالاستماع الى نشرة الاخبار او قراءة الروايات ومشاهدة التلفاز والافلام السينمائية، او التعرف على احداث التاريخ.
صفحات كتب التاريخ وسجلاته التي من المفترض ان تكون اقل اثارة، تمثل مستنقعات من الدماء تموج بنماذج من المعاناة المريرة: اطفال تبتر اطرافها وتقطع اوصالها، وبالغون تسلخ جلودهم او تنزع احشاؤهم ونساء يغتصبن حتى الموت، ورؤوس مقطوعة لمن قاموا بتفجير انتحاري وجدت بين اشلاء ضحاياهم، واجنة انتزعت من ارحام امهاتهم بعد القتل، وتشريح اجساد المسجونين الاحياء او حقنهم بميكروب معدي. وبعض الناس يحرق او يوضع في غلايات او يقطع اربا او يدفن حيا او يمزق بالحيوانات المفترسة او الالات، وبعض اخر يتم شنقه او اغراقه او خنقه، وقد تنزع الاظافر او تقيد الضحية او تعلق وتترك لتموت..
وخلافا لما يشترطه الحس المشترك، فان العنف البشري، بالمحصلة، لايتعلق بتحرر الحيوان في الانسان.
وما يميز هذا العنف هو ان بوسعه ان يمارس بانعدام اي تهديد او اي هدف للحفاظ على البقاء. ان ميزات العنف البشري هي بالاحرى استخدام كل براعات المعرفة والعلم والثقافة لابتكار اشكال لاتحصى من التعذيب، بمن فيهم ابرياء حتى لا يدافعون عن انفسهم.
ميزة العنف البشري هي انه لا حدود له، وبهذا العنف بالتاكيد، يتميز جذريا عن كل ما يمكن ان يشاهد في ما تبقى من النظام الحيواني. وكما قال احد المفكرين "ليس الانسان ذئبا للانسان، انه شيء اخر اخطر من الذئب".
في مقال حمل عنوان (الحركة الجهاديّة ثورة عدميّة لا تنشغل بعالم المُثل) يحلل الباحث الفرنسي أوليفييه روا الاسباب وراء تطرّف شريحتين من الشباب الفرنسي، وهما الجيل الثاني من المسلمين ومعتنقو الإسلام من الفرنسيين «الأقحاح» (ونسبتهم من مجمل المتطرفين الفرنسيين كانت 25 في المئة في نهاية التسعينات، وهي الى ارتفاع).
ويرى ان المتحولين الجدد الى الإسلام ينتسبون الى دين «خام» أو «نقي». وهم شأن أبناء «الجيل الثاني» يبادرون الى قطيعة ثقافية وسياسية مع محيطهم. ولن يجدي نفعاً اطلاعهم على «الإسلام المعتدل»، فما يجذبهم الى الحركات الجهادية هو التطرف.
لكن «المسلمين المولودين من جديد» لا يتسترون على عقيدتهم الجديدة ويشهرونها على «فايسبوك»، ويستعرض كلّ منهم أناه الجديدة ورغبته في القتل وافتتانه بقتل نفسه. وتطرّف هؤلاء الشباب يدور على بطولة متخيلة والعنف والموت، وليس على الشريعة أو عالم المثل.
وأبناء الجيل الثاني يزعمون الانتساب الى هوية بدّدها الأهل وفرّطوا بها: فهم «مسلمون أكثر من المسلمين» وأكثر من أهلهم. ويسعى هؤلاء الى دعوة الأهل الى عقيدتهم الجديدة، ويخفقون. ويعتنق فرنسيون الإسلام للمشاركة في الثورة المتطرفة. فالانتساب الى اليسار المتطرف يقتضي مطالعة أعمال أعلامه، وهؤلاء لا يقرأون. والالتحاق بـ «داعش» هو ضمانة نشر الرعب.
ونشر هذا الرعب قدرته الجهات المختصة بفنون السينما والمؤثرات الصورية بمبلغ ثلاثة مليارات دولار لتضخيم صورة داعش امام الاخرين.
حيث يحرص هذا التنظيم على صنع صورة ذهنية تؤدي وظائف نفسية واجتماعية مؤثرة. وارتبطت الصورة الذهنية لداعش لدى الآخرين بالرعب والعنف والدم.
وامثلة استغلال تلك الصور كثيرة، فإعدام مصريين في ليبيا، هو "استغلاله إعلاميا لبث الرعب في النفوس من أجل تنفيذ أهداف وإيصال رسائل بعينها"، كما يوضح المنتج السينمائي المصري صفوت غطاس في معرض تعليقه على هذا التسجيل .
وأضاف "التسجيل يهدف لعمل نوع من التحضير النفسي للمشاهدين بأن هناك كارثة ما ستحدث، حيث بدأ بصوت البحر أثناء دخول الإرهابيين وهم يمسكون بالضحايا لإحداث نوع من التوتر".
اما ما يتعلق بعملية اعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة، فقد كشف المخرج السينمائي الفلسطيني خليل المزين أن التصوير تم من زوايا متعددة، وبتتابع محترف.
واعتمد مخرج الفيديو على أخذ لقطات طويلة ومتوسطة وقصيرة من زوايا متعددة للحدث، ونوّع بين المشاهد السريعة والبطيئة لإبراز بشاعة عملية الحرق، "وهو ما أظهر قلبا متحجرا يقف خلف شاشة الحاسوب لاختيار المشاهد الأكثر قسوة لإبرازها".
ماتريده داعش من تلك الصور هو إيصال رسالة الى الأعداء، وهي جزء أساسي من السياسة التي تسعى «داعش« الى تكريسها، بتكريس صورة ذاتية لها، ولعالم إسلامي، ولإسلام دموي، يخدم مصالحها وتوجهاتها السياسية.
تحاول «داعش« احتكار صورة الإسلام، وتعميم صورته بوصفه «إسلاماً دموياً». وأمام المشهدية الدموية التي تنتجها «داعش« يختفي تنوع الإسلام، الذي لم يكن يوماً واحداً، وتصبح صورة «داعش« الصورة النمطية للإسلام، ما يثير العداء ليس ضدها فحسب، بل ضد العالم الإسلامي، ما يعزز العداء والصراع بين المسلمين و«الكفار«. والعداء ضد الإسلام يأتي بالمزيد من الشعبية لـ»داعش« الدموية بوصفها انتقاماً لآلام المسلمين من الكفار في الداخل والخارج. إن تعزيز صورة «الاسلام الدموي« واحتكار «داعش« للصورة النمطية للاسلام، يصبان في مصلحة سياسة أقصى التطرف التي تتبعها «داعش« من خلال تصوير جرائم القتل بطريقة مشهدية، تخيفنا نحن، فما بالك ما تفعله هذه الصورة في الأوساط الشعبية الغربية.
«داعش»: المشاهد الدموية بوصفها أقصى السياسة / سمير الزبن
للمزيد حول العنف والقسوة راجع:
القسوة:شرور الانسان والعقل البشري / كاثلين تايلور
معجم الجسد: ميشيلا مارزانو واخرين..
اضف تعليق