تطرق الفلاسفة وعلماء الفكر والسياسة للديمقراطية وناقشوا فحواها وفسروها – كما ورد ذلك في مؤلفات ومفاهيم متنوعة- بموقع الوكيبيديا، بأنها شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين- في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع.
وعندما ترتبط الديمقراطية بثقافة المجتمع، أو تعبر عن درجة وعيه، فهذا دليل على الترابط بين هذا المفهوم وبين طبيعة الثقافة المجتمعية، لذلك فالديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.
أما بخصوص مصطلح (ديمقراطية) فهو يعنى "حكم الشعب" لنفسه، وهو مصطلح قد تمت صاغته من شقين (ديموس) "الشعب" و(كراتوس) "السلطة" أو"الحكم" في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية، وخاصة أثينا؛ والمصطلح مناقض لـ (أرستقراطية) وتعنى "حكم النخبة". وتشكلت في جميع الحكومات الديمقراطية على مر التاريخ القديم والحديث، الممارسة الديمقراطية من فئة النخبة حتى منح حق العتق الكامل من العبودية لجميع المواطنين البالغين في معظم الديمقراطيات الحديثة من خلال حركات الاقتراع في القرنين التاسع عشر والعشرين .
كما ذكر آنفا الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ "الديمقراطية" لوصف الديمقراطية الليبرالية خلطا شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق.
فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة، وهي تعني الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولكن بسبب تداخل الاقتصاد مع السياسة، حدثت تجاوزات على عامة الشعب باسم الديمقراطية سوف نمر عليها في صلب هذا المقال.
ماذا تعني النيوليبرالية وما اهدافها؟
بتوضيح مباشر، تعني النيو ليبرالية، الليبرالية الجديدة، وهو توصيف للمستجدات التي طرأت على الديمقراطية في العصر الراهن، فلم تعد الديمقراطية نقية من الشوائب كما كانت بالأمس، كذلك فإنها حسبما تشير الوقائع، تعرضت لتشويهات كثيرة بعد أن حدثت ضغوط اقتصادية، منها وأكثر وضوحا، تكريس الثروة العالمية بأيدي أنفار أو أقلية من الشركات والأشخاص، حرّفت المبادئ الديمقراطية للحكم، من أجل خدمة مصالحها في تكديس الاموال بخزائنها.
فبحجة الديمقراطية، صارت تُنتهَك الحقوق العامة والخاصة، وبات المعنى والمفهوم الديمقراطي لا يتطابق مع النتائج التي تحدث بسبب (الديمقراطية الجديدة).
يقول مؤلف كتاب (معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي) السيد مرتضى الشيرازي، عن أخطار(النيوليبرالية) والمؤسسات التخريبية، ودور مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال: (ان بعض مؤسسات المجتمع المدني قد تكون من ألد أعداء المجتمع المدني ومؤسساته، بمعنى أنها تكون في الواقع ضد جوهر المجتمع الإنساني).
ويرى المؤلف أن (هذه المؤسسات المعادية للمجتمع المدني تكون على قسمين: أ- المؤسسات المحلية الهدامة: فقد تكون مؤسسات محلّية هدامة، وذلك مثل بعض المافيات والعصابات المحلية، حيث إنها تمتلك تنظيماً ولهم تخطيط، وعندهم قيادة، وإذا فرضنا (مافيا) ديمقراطية فستكون لديهم انتخابات، لكنها مع ذلك تبقى عصابة السراق، أو عصابة الإرهابيين، أو عصابة المختلسين، أو عصابة الراشين والمرتشين، أو ما أشبه ذلك، أي إنها تبقى مؤسسات معادية للمجتمع المدني، مخربة، أو هدامة.
ب- النيوليبرالية وآثارها الاقتصادية المدمّرة: وقد تكون المؤسسة دولية، وكمثال على ذلك نلاحظ المؤسسات والشركات العملاقة، وهي حوالي الألف، وفي الوقع إنها هي التي تسیّر العالم، وهي الأذرع الاخطبوطية للدول الكبرى التي تستخدمها للسيطرة على الدول الصغرى، أو دول العالم الثالث أو الثاني، وإن التنظير الفلسفي الذي تعتمده الكثير من الدول الاستعمارية، ومنها هذه المؤسسات الدولية العابرة للقارات لنهب الشعوب، ولتحطيم الاقتصادات الوطنية، ولزيادة الأرباح، هو ما يسمونه (النيوليبرالية) وهي الليبرالية الحديثة، أو التحريرية الحديثة).
وهذا يعني أننا ازاء مخالفات خطيرة تحدث باسم الديمقراطية، على صعيد الداخل، أي في اطار الدولة الواحدة بشكل منفرد، وخارجها عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية في اطارها العالمي الأوسع، فالديمقراطية الجديدة تدعو اليوم الى (حرية التجارة وفتح الاسواق امام الجميع) بحجة الحرية الاقتصادية.
ومن الواضح أن الاقتصادات الضعيفة لا تصمد أمام القوية، فعندما تحاول دولة فتية ذات اقتصاد ناهض للتو حماية منتجها الوطني وفق نظام ضريبي يتم وضعه على السلع الداخلة من الخارج، يكون هناك رفض واسع لاسيما من الغرب بحجة حرية التجارة العالمية وحرية الاسواق، وعندما ينعكس الامر، أي عندما تدخل سلع الى الدول المتقدمة، فإنها تبادر الى حماية منتجها بقوة عبر نظام ضريبي صارم على السلع الخارجية.
هذا التعامل المزدوج، يؤكد هشاشة (النيوليبرالية)، ويؤكد أنها نظام ذو وجهين مختلفين، يعتمد سياسة الكيل بمكيالين، والتي تهدف بالدرجة الاولى لتحقيق الربحية على حساب الاخلاق، فالنظام الاقتصادي الغربي المدعوم بالنيوليبرالية (الديمقراطية الجديدة)، لا يهمه الانسان ولا الاخلاق، إنما الذي يهمه بالدرجة الاولى كيف يحقق ربحية أعلى أولا، ولذلك تحاول الدول القوية (دول الغرب) بصورة خاصة، أن تفرض نظامها الاقتصادي على الدول الأقل منها اقتصاديا (ومنها دولنا)، كما يؤكد ذلك سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي مشيرا في كتابه المذكور نفسه الى:
(إن الدول الاستعمارية -مثل أمريكا أو بريطانيا- تحت شعار وستار تحرير الأسواق، وحرية حركة رأس المال، وتنافسية الأسواق، تسعى جاهدة لعقد -بل لفرض- الاتفاقات الاقتصادية مع دولنا، ودول العالم الثالث بشكل عام، والتي لا تنتج إلا تحطيم الاقتصاد الوطني، وتطالب دولنا، بل تمنعها من حقها الطبيعي في أن تفرض حماية للمنتج الوطني عن طريق وضع الجمارك على بضائعهم، التي تغزو بلادنا كجيوش المغول، فتحطم الصناعة، وتحطم الزراعة، وتحطم كافة منتوجات هذا الوطن وصناعاته).
ما هو جوهر الديمقراطية؟؟
ويضيف السيد مرتضى الشيرازي: (لكن الأمر عندما يصل إليهم، يعني عندما تكون هناك بضاعة أجود وأرخص يراد تصديرها لهم، نجدهم فوراً يفرضون الحماية لمنتجاتهم الوطنية، ويتخلون عن منطق اقتصاد السوق في ازدواجية صريحة في المعايير ناسين، بل متناسين منطق تنافسية الأسواق، وحرية حركة البضائع ورأس المال، وناسين قاعدتهم الذهبية في أن الأسواق تصحح نفسها بنفسها، وإن التنافسية الاقتصادية هي الحكم لا غير)!.
يتضح مما سبق، أن هناك ازدواجية في الرؤية والتطبيق بخصوض الاقتصاد العالمي، وحركة السلع والتجارة، ونظام العمل في الاسواق وفق الحدود المفتوحة عالميا، فهذا النظام الاقتصادي الذي يرفع لواء (حرية التجارة)، يتحدث بصوت عال عندما يتعلق الامر بالسلع التي يتم انتاجها في الدول الغربية او الدول ذات الاقتصادات القوية، ولكن عندما يتعلق الامر بالسلع التي تنتجها الدول الاسلامية او سواها من دول آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية كالبرازيل والمكسيك وكوبا، فإن الامر يختلف تماما، ويتم تطبيق النظام الضريبي الصارم بحق جميع السلع الداخلة الى اسواقهم بهدف معلَن هو حماية المنتَج الوطني لهم.
هذا التناقض في المبدأ وفي القول وفي العمل او التطبيق الذي يعتمده دعاة الديمقراطية الجديدة، يشكل تهديدا خطيرا لنا، نحن في الدول الأقل قوة من حيث الاقتصاد والموارد وما شابه، لذا من الأجدر بنا أن نرفض هذا التعامل الاقتصادي الذي يفتح اسواقنا للسلع الاجنبية من دون غطاء او حماية ضريبية، في حين يسمح لهم بالتعامل مع سلعنا ومنتجاتنا وفق النظام الضريبي الذي يفرضونه على سلعنا الداخلة الى اسواقهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال، ما هو المعيار الذي يتم الاحتكام له بشأن هذه السياسة المزدوجة، وأين هي الاخلاق الانسانية؟، ولماذا تتقدم الأهداف الربحية للغرب على الاهداف الأخلاقية، وبعد هذا وذاك، كيف علينا أن نتصرف لحماية أنفسنا وأخلاقنا ومبادئنا واقتصادنا؟ وهو امر مشروع لنا، بل ينبغي أن نعمل بكل ما نمتلك من رجاحة العقل والتخطيط، لمنع مثل هذه السياسات العالمية من التطبيق، بحجة الديمقراطية تحت غطاء (حرية التجارة) وسياسة الاسواق المفتوحة.
إن إثارة هذا الموضوع الجوهري، والحاجة الى مواجهة سياسة (النيوليبرالية)، وتنقية الداخل من (العصابات والمافيات التي تعمل تحت غطاء سياسي)، يعد اليوم مهمة كبيرة، وهدف ينبغي أن يتصدى له الوطنيون المخلصون، من كفاءات علمية اقتصادية والمشاركين في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، فهؤلاء الذين يتصدرون موقع المسؤولية يقع عليهم حماية الاقتصاد والوطن من ازدواجية المعايير، وعلينا تقديم الاخلاق على الربحية او تحقيق الربحية في اطار الاخلاق، فلا يصح أن تتقدم الأرباح على الاخلاق مطلقا.
اضف تعليق