كثيرة هي أوجه التشابه بين الرسالتين المحمدية الإسلامية، واليسوعية المسيحية، وهذا التشابه تشترك فيه عوامل عدة، تجعل من الرسالتين النبويتين، تسيران في مسار واحد، وتنصهران في بوتقة واحدة، كي تقفا في مواجهة العنف والتطرف وإثارة الفتن والضغائن على المستوى العالمي، فالرابط الأول والأساس الذي يوحّد بين الرسالتين، هو الدعوة للسلام العالمي، والعمل على نشره وتكريس مبادئه بين بني البشر، على مستوى الأمم والدول والجماعات والأفراد، أينما كانوا يسكنون، ومن أي عرْقٍ ينحدرون.
إن هذا التقارب الزمني في ولادة النبي محمد (ص)، والنبي عيسى (ع)، يشكل فرصة نموذجية للعالم، كي ينطلق من جديد نحو السلام المرتكِز على العدل، من خلال اعتماد الجوهر الانساني المسالم للتعاليم الاسلامية التي وردت في رسالة الرسول الكريم (ص)، وفق المضامين والتعاليم الواردة في القرآن الكريم، وفي المقابل نجد الدعوة نفسها من حيث الجوهر، تنطلق من رسالة السيد المسيح (ع)، وهي في جوهرها رسالة سلام الى العالم المسيحي بكل مكوناته، ومن ثم الى العالم أجمع، فالمجد لله في اﻻعالي وعلى اﻻرض السلام.
هذا هو العنوان العريض لرسالة السيد المسيح، ولذلك نلاحظ أن هذه المناسبة الجليلة تلقي بظلال السلام على النفوس وتهدّئ من روعها، ويهدأ العالم أجمع على الرغم من أنه يخوض في موجات الاحتراب والقلق والصراع والفتن، لكن سرعان ما يختفي هذا الهدوء والأمان، ليعود الانسان الى دوامة التصادم والصراع الدائر في عموم الكرة الأرضية، بفعل الجشع والطمع ونسيان المبادئ التي حملتها رسالة خاتم الأنبياء محمد (ص)، وجاء بها السيد المسيح كي ينشر السلام في ربوع المعمورة كلها.
ولو قمنا بمقارنة في الظروف الاجتماعية والتاريخية لظهور الرسالتين المسيحية والاسلامية، فإننا سوف نكتشف أيضا تقاربا وتماثر بين تلك الظروف والدواعي والاسباب التي عجّلت في ظهورهما، فقد كان المجتمع البشري يمر في أحلك الأوضاع تحت سيادة نظام الغاب والاستعباد، حيث القوي يقضي على الضعيف ويستعبده، فيما يسود الأغنياء على الضعفاء ويتحكمون بهم وبأرزاقهم وحياتهم وكرامتهم أيضا، لذلك وصل السيل الزبى كما يقال، وارتفع منسوب الظلم الى أقصاه، حتى بات انسان ذلك العصر يتمنى الموت على مواصلة حياة الاستعباد والظلم والكراهية والاحتراب.
من يقف وراء صناعة التطرف وصدام الحضارات؟
إن الأفكار والمبادئ التي جاء بها السيد المسيح (ع)، حولَّت العالم من حال الى حال، فسرعان ما انتشر السلام في الأرجاء، وانطفأ اتون التطرف والكراهية، وقلَّ منسوب الاستعباد وانتهاك الحريات الى أدناه، والمبدأ الأكثر انتشارا في عهد الرسالة المسيحية، هو التضحية وإيثار الناس على أنفسهم، فصار الانسان بعيدا عن البخل، وانتشر الحب، وبدأت قيم جديدة تسود المجتمع، على رأسها، التسامح والتعاون وتألق الانسانية بين الجميع.
لقد هبط منسوب الخوف، وصار الجميع في ظل رسالة السلام المسيحية، مثل أسنان المشط، لا يعلو أحدهم على أحد، فالكل سواسية، ولا غبن ولا تعالي ولا إقصاء كما كان هذا سائدا قبل مجيء السيد المسيح (ع)، وباختصار، تم صنع مجتمع آخر، إنه مجتمع السلام والمحبة والتوازن والابداع.
وعندما بزغ نور الرسالة المحمدية، وأعلن النبي محمد (ص) رسالته على الملأ، كانت ظروف السوء قد بلغت أقصاها في مجتمع الجزيرة، وكان الظلم قد بلغ أقصاه، أما الجهل والمرض، فقد فتكا بالناس أيما فتك، لدرجة أن وأد البنات، كان أمرا لا فكاك منه، في ظل انتشار الكراهية والبغض، فكانت المرأة مسحوقة مظلومة، وكان النسيج الاجتماعي بسبب الظلم، حاضنة نموذجية للتطرف والتشدد والكراهية.
حتى ظهر الاسلام، وأظهر معه، قوة الروح الانسانية، وحكمة العقل، ووهج النفس الخلاقة المؤمنة، فانتعشت القيم من جديد، وارتدَّتْ العادات السيئة المسيئة، وصار الانسان داعما لأخيه الانسان ومأوى له من فدر الزمان، فانتشر الحب، وأضاءت القيم دروب الضعفاء والفقراء على حد سواء، فلم يعد هناك ظلم، وتساوى العبد مع سيده، وصارت الاخلاق والتقوى والقيم الخلاقة هي المعيار الذي تُقاس على أساسه قيمة ومكانة الانسان.
إذن هناك أوجه تشابه كثيرة وكبيرة بين الرسالتين الاسلامية والمسيحية، ولكن هذا التشابه والعمق والتأثير، لم يرقْ لكثيرين ومنهم (دول كبرى وصغرى وشركات وشخصيات تسيطر وتتحكم بالاقتصاد العالمي)، هذه الجهات لا يمكن أن تقبل بانتشار السلام في ربوع العالم، لأنه يقضي على أهدافها ومآربها كافة، لذلك لم تتقبل أفكار المسيح ولا افكار الاسلام الحقيقي، كونها يضع حدا لنزقهم وطمعهم، وتطفئ مآربهم وهي في مهدها، لذلك شرعت هذه (الدول والشركات) والعقول والإرادات الشريرة تحيك المؤامرات، وتثير الدسائس وتخطط لذلك بعقول خبيثة وقلوب تغص بالحقد والكراهية، كي تنشر التطرف والارهاب في العالم بدلا من السلام.
كيف نصنع عالماً أفضل؟
إن موجات الاحتقان التي تضرب الشرق والغرب على حد سواء، وتثير الأحقاد بينهما، تستدعي من قادة العالم في السياسة والدين والاقتصاد، استلهام مبادئ السلام في الرسالتين أعلاه، وعدم الرضوخ لمخططات العقول الخبيثة التي تنتج الأفكار الهدّامة بين الغرب والشرق، لأسباب يفهمها أولي الأمر، وليس ثمة مهرَب من مواجهة هذا الواقع العالمي الخطير، وعلى الجميع أن يعملوا بإخلاص وجدية، لدحض الأفكار الحتمية لـ (صدام الحضارات)، فثمة متسع في الأمر، وهناك لدى العالم فرصة أخرى لاستبدال الصدام (بحوار الحضارات) والتنافس الخلاق فيما بينها، خدمة لتطوير الطاقات البشرية بدلا من تدميرها.
هذا الهدف الاستراتيجي (تعميم السلام العالمي)، ليس من السهل تحقيقه، كما أن المعارضين له كثيرون وأقوياء، ويكفي أن المحتكرين للثروة العالمية هم من أبرز المعارضين للتوافق بين الغرب والشرق، لذلك نشر الوئام والسلام في ربوع الأرض، يستدعي جهدا استثنائيا يشترك فيه مفكرو وسياسيو ونخب العالم أجمع على الصعيدين النظري والتطبيقي.
على قادة العالم في الغرب والشرق أن يتحركوا لنشر السلام في الأرض، مستمدين العزيمة من ومخاض التجربة من رسالتيّ النبي (ص) والسيد المسيح (ع)، وهذا يتطلب توافر الإرادة المؤمنة لتحقيق هذا الهدف، وتواجد عقول وشخصيات حكيمة، تضع الخير والإيثار ونكران الذات في مقدمة القيم التي تؤمن بها، وتعمل على تحقيق ما يلي:
- محاصرة بؤر الارهاب والتطرف من خلال اجراءات عملية منها:
أ- رصد حركة المتشددين في عموم العالم وقطع مصادر تمويلهم بقوانين أممية صارمة.
ب- رصد الأفكار المتطرفة ومراكز نشرها ومكافحة ذلك بخطط عملية ناجحة.
ج- استخدام القوة بتشريعات من مجلس الأمن إن لزم الأمر لضرب المتطرفين.
- وضع معايير تقوم على ركائز العدل والمساواة وعدم الكيل بمكيالين في التعامل مع هذه القضية ذات البعد العالمي.
- القيام بحملات تثقيفية واسعة لنشر الفكر المعتدل، وتعميم قيم الاحترام المتبادَل بين الشعوب والأمم.
- نبذ سياسة الاستحواذ التي ينتهجها بعض قادة الغرب والتنبيه على ذلك.
- عدم السماح بحصر (الثروات العالمية) بأيدي شركات وأشخاص لا تمثل إلا نسبة قليلة جدا من سكان العالم.
- اعتماد سياسة العدل والانصاف بين الشرق والغرب في نشر التعليم والطب والتكنولوجيا والعلوم كافة.
- محاصرة الفكر العنصري وعدم الركون إليه في التعاملات كافة بين أمم ودول العالم.
- فضح المفكرين المتعصبين، ومحاصرة الأفكار المؤلّفات ذات الفحوى العنصري الديني أو العرقي أو سواه
- محاصرة وتجفيف مصادر الفتن والضغينة بالتعاون بين صنّاع القرار في العالم أجمع.
- أن يكون التوافق المبدئي الفكري بين رسالة الرسول محمد (ص)، ورسالة السيد المسيح (ع)، نموذجا لتوافق مبادئ القادة السياسيين والمفكرين ورجال الدين في عموم العالم.
اضف تعليق