عادة ما يتكون كادر المؤسسة من عدة مدراء يعمل تحت سلطتهم الادارية، ويأتمر بتوجيهاتهم عدد آخر من الموظفين والعاملين حسب نوع وطبيعة عمل تلك المؤسسة وحجمها، والمهام التي تقوم بها، ولكن في جميع الأحوال ينضوي تحت الهيكل الاداري والعملي والانتاجي لهذه المؤسسة او تلك كم ونوع من المنتجين، يخضع عددهم وطبيعة أعمالهم للمنتج الذي تلتزم المؤسسة بانتاجه، فهناك مؤسسات كبيرة واخرى متوسطة وبعضها صغيرة، تديرها كوادر بشرية وفق حجمها، ولكن الهيكل الاداري لها يكون متقاربا.
في الغالب يحدث نوع من التنافس بين الأفراد والمدراء وحتى بين العاملين الصغار، وهذا أمر لا بأس به اذا كان ضمن الاطار الايجابي للتنافس ولكن، المشكلة سوف تظهر عندما يتحول هذا التنافس من صيغته الايجابية الى السلبية، فيصبح نوعا من الصراع الذي يقود المؤسسة الى نتائج خطيرة قد تطيح بها وبأهدافها كافة، بسبب الصراعات التي ستؤثر في عمل المؤسسة، بل تشل انتاجها وتدفعه نحو فقدان الجودة كمّاً ونوعا.
من ناحية أخرى يعرف المختصون المؤسسة بأنها كيان متكامل ينحو الى الكليّة في التخطيط والعمل والانتاج، لذا تتناغم مكوناتها وتقترب من بعضها حد الاندماج، كي تكون المؤسسة منسجمة كليّا في الجانب الاداري أو التنفيذي، لتحقيق الانتاج الأفضل بغض النظر عن كونه ماديا أو فكريا، هذا هو التوصيف النموذجي للمؤسسة الناجحة، ولكن هناك نزاعات تنشأ داخل المؤسسات لأسباب عديدة، تؤدي في الغالب الى تراجع الانتاج المؤسساتي، بسبب تصاعد النزاعات، وغياب التخطيط المنهجي لاحتوائها قبل استفحالها.
إن المشاكل التي تطفو على السطح في المؤسسات أمر ليس بغريب، بل هو متوقع دائما، ولكن الغرابة تكمن في تحول تلك المشكلات من حالتها الطبيعية الى حالة الاستعصاء على الحل، فيبدأ كادر المؤسسة بالتناحر والعمل المضاد، فيتم فقدان حالة التعاون، وبالنتيجة، سوف يتأثر الانتاج، وسوف تهبط مستوياته الى ادنى المستويات، وبالتالي سوف تكون النتيجة هي فشل المؤسسة واغلاقها.
الخسارة هنا سوف تكون كبيرة وقد يتضرر منها الجميع، العاملون في المؤسسة والقائمون عليها، والمجتمع والدولة، فالكل سوف يكون عرضة للضرر بسبب عدم القدرة على احتواء المشاكل ومعالجتها بالطريقة السليمة التي تجعلها ضمن اطار التنافس وليس الصراع الذي يدفع بها ويزيد من حجمها، لتغدو نزاعات كبيرة تدمر البنية الادارية للمؤسسة، كونها انتقلت من حالة التنافس الى الصراع ومن ثم النزاع، وبالنتيجة الكل سوف يتعرض الى نسبة من الاضرار الناتجة عن عدم السيطرة على الاختلافات التي قد تكون طبيعية في اطار العمل المؤسساتي.
مشكلات العمل المؤسساتي
قد لا يتنبّه القائمون على ادارة المؤسسة الى بعض المشكلات الصغيرة، فلا تأخذ من اهتمامهم شيئا، ولكنها في الحقيقة قد تكون بداية لمصاعب جمة قد تتعرض لها المؤسسة، ولا شك أن من اخطر المشكلات التي تنشأ في العمل المؤسساتي، حين تتحول الصراعات الفردية الصغيرة، الى صراعات ذات عمق مؤثر وخطير على عمل المؤسسة، حيث تبدأ الأمزجة الشخصية، تطغي على مصلحة المؤسسة الأهم، فتغدو مصلحة الفرد، مدير عام، رئيس قسم، مراقب عمل، عامل عادي، وما الى ذلك، وهو عضو صغير من الكل الشامل للمؤسسة- متقدمة على الجميع.
إن هذا التفضيل ليس في صالح المؤسسة قطعا، اذ سرعان ما يدفع هذا الاسلوب باتجاه نزاعات فردية أو جماعية تطيح بالمؤسسة أو تعرقل تقدمها في أضعف الايمان، لذلك أخطر النزاعات، هي تلك التي تخضع للمزاج الشخصي، وتضرب مصالح المؤسسة عرض الحائط، فتغيب المهنية وتسود العشوائية، وتتراجع المؤسسة وتضمحل كليا، بسبب النزعات الفردية أو سواها، وهناك توصيفات مختلفة لمفهوم النزاع الفردي، فهو كما يرى أحد المعنيين كل خلاف يقوم بين العامل و صاحب العمل بسبب وجود خلاف في تنفيذ التزامات العامل أو صاحب العمل.
هناك صيغة قانونية تحتوي المشاكل التي تحدث في المؤسسات، وهو أمر معمول به في المؤسسات الناجحة، ومنها على سبيل المثال قانون العمل بكل ما من شاًنه أن يقي العلاقة من النزاع في حالة حدوثه، وذلك باتخاذ الإجراءات المطلوبة لحل هذا النزاع، أي على مستوى المؤسسة والافراد المنتمين لها والعاملين فيها، وهكذا تكون النزعة الفردية متفوقة على سواها، بسبب فشل احتواء الميول الشخصية وتصحيحها.
وفي هذه الحالة يكون كادر المؤسسة نموذجا جيدا للآخرين، يتعلمون منه النجاح في ادارة الشؤون العامة والخاصة على حد سواء، لاسيما أن التعامل الانساني ينبغي أن لا يغيب حتى في العمل المحكوم بقوانين وضوابط حازمة لضبط العمل والانتاج، لأن الحس الانساني هو الأصل في النشاطات البشرية، وغيابه يقود الى نتائج سيئة للغاية، أما اذا كان هذا النوع من التعامل حاضرا، فإن الفائدة سوف تكون كبيرة، ويتحول هذا النوع من التعامل الى صورة نموذجية مصغرة، تنعكس على حياة المجتمع ككل.
تسوية النزاعات الفردية
عندما يسود الحس الانساني في التعامل بين المؤسسة وأفرد كادرها، سوف يسود نوع من التعامل المنضبط، وينعكس ذلك بصورة حتمية على جودة الانتاج، أما العكس، أي بغياب الحس الانساني، سوف تظهر مشكلات لا حصر لها، وتبدأ الخلافات الفردية والجماعية بالظهور، ففي كثير من الاحيان تطفو خلافات بين الفرد العامل، وبين الكل المؤسسة، قد يكون مصدرها طبيعة العمل أو قيمة الاجر الذي يتقاضاه العامل وما الى ذلك من امور تدور في مدار (الاجر وساعات العمل).
هذا هو السبب الظاهر للمشكلة، ولكن هنالك مشكلات اخرى خفية ينبغي البحث عنها ورصدها ومن ثم معالجتها، وفي حال اهمالها سوف يتطور النزاع من فردي قليل التأثير الى جماعي مؤثر بدرجة عالية، لذلك أصبحت تسوية نزاعات العمل الفردية من أهم اهتمامات التشريعات الحديثة، وذلك للتوصل إلى إيجاد تسوية عقلانية، تهدف إلى الحفاظ على العلاقة بين العامل وصاحب العمل، بيد أن الامر يتطلب تأسيس وتطوير علاقات عمل مناسبة تحفظ للطرفين حقوقهما، على أن لا تطغي المصلحة الفردية والمزاج الشخصي على روحية العمل الجماعي للمؤسسة.
لذلك نلاحظ أن المؤسسات الناجحة تبحث دائما عن عناصر النجاح، وتضعه في اطار العمل الانساني اولا، فقد وضعت المؤسسات الكبرى والناشئة، خططا عملية لمعالجة المنازعات بكل اشكالها وأحجامها، وقد وعت التأثير الخطير لهذه المنازعات في حالة اهمالها، وتركها رهن الافراد وصراعاتهم، فأنشأت منظومة حلول على شكل تشريعات وعقود يطلع عليها الجميع ويوافق عليها ويعمل في ضوئها، درءاً لمخاطر المنازعات بكل أنواعها.
إن التعامل بين ادارة المؤسسة وبين كادرها من جهة، وبين افراد الكادر مع بعضهم من جهة اخرى، يمكن أن يشكل نموذجا رائعا للجميع، اذا كان الحس الانساني هو الرابط المشترك فيما بينهم، لذا يستدعي هذا الجانب وقفة جدية من لدن مؤسساتنا الانتاجية بمختلف أنواعها، من اجل معالجة هذا الجانب قبل تطوره واستفحاله، وهذا ما تسير وفقه مؤسسات عالمية، لها تأريخ متصاعد في طريق النجاح والنمو المضطرد، والسبب دائما، هو وجود المقدرة التخطيطية والعملية، التي تسعى لتجنب النزاعات بين كوادر المؤسسة، بالاضافة الى العمل بروح الفريق مع أهمية تعميق الحس الانساني، والاستعداد الدائم بأن تكون المؤسسة وكادرها نموذجا جيدا للآخرين.
اضف تعليق