قبل أيام أعلن رئيس الوزراء العراقي، ان القوات الأمنية حررت "ما يقارب 40% من الأراضي المغتصبة (من قبل تنظيم داعش) وأبعدنا الخطر العسكري عن بغداد"، فيما أشار قادة امنيون وضباط كبار في الجيش العراقي وقادة في فصائل "الحشد الشعبي" ان الرمادي (مركز محافظة الانبار، الأكبر مساحة بين محافظات البلاد) باتت في قبضة الجيش والقوات الأمنية الأخرى، بعد ان تمكنت من قطع اخر خطوط الامداد فيها (جسر فلسطين الذي يقع على نهر الفرات في شمال غرب الرمادي).
وبالتالي فان الجميع يؤكد ان دخولها وطرد المسلحين منها مجرد مسألة وقت، سيما وان الاحياء والطرقات الرئيسية المؤدية الى مركز مدينة الرمادي (108 كم غرب العاصمة بغداد) زرعها عناصر التنظيم بالعبوات الناسفة بدائية الصنع.
كما ان الأوضاع الأمنية، بصورة عامة، أفضل من العام الماضي وما جرى فيه من احداث سقوط الموصل والانبار وأجزاء واسعة من عدة محافظات في الشمال والغرب والشرق، وحتى الجيش العراقي والقوات الأمنية الحكومية قد بدت أكثر انسجاما واقداما في المعارك اللاحقة لانهيارها في الموصل، بعد ان شاركت فصائل من المتطوعين لقتال تنظيم "داعش" الإرهابي، بمباركة المرجعية الدينية في العراق، واندرجت تحت مسمى "الحشد الشعبي".
وهو تطور أشادت فيه الولايات المتحدة الامريكية، بعد الانزعاج السابق الذي ابدته وزارة الدفاع الأمريكي من ضعف أداء الجيش العراقي، فضلا عن تخوف البيت الأبيض من تنامي قوة "الحشد الشعبي"، الا ان هذا لم يمنع السفير الأميركي في بغداد، "ستيوارت جونز"، من القول إن "قوات الأمن العراقية بما في ذلك قوات البشمركة وقوات الحشد الشعبي قد ألحقت الهزيمة بداعش في العراق".
ويبدو ان المقياس الذي سارت عليه الأمور في محاولة استعادة السيطرة الكاملة على محافظة الانبار ستؤخذ بعين الاعتبار، ربما لإعادة استخدامها مرة أخرى في القضاء على اخر معقل لمسلحي داعش في العراق، خلال معركة تحرير مدينة الموصل أيضا.
لاكن الأمور ليست جميلة دائما، فمثلما تذكر الإيجابيات، لا بد من ذكر السلبيات او المعوقات الكثيرة التي تعترض اكمال مشوار مكافح الإرهاب وتحقيق الامن الداخلي للبلد الذي فقده منذ 13 عِام، ويمكن القول ان البعض من هذه المعوقات داخلية، بينما برزت أخرى كوضع خارجي طارئ نتيجة لتعقد ملف الازمة السورية وما شهدتها من صراعات جانبية وحروب بالوكالة، اثرت في نهاية المطاف على جهود مكافحة الإرهاب العالمي.
من هذه المعوقات:
- الحالة الاقتصادية الحرجة، بعد هبوط أسعار النفط عالميا، مقابل اعتماد العراق على الاقتصاد الريعي (احادي الجانب)، فيما تتعرض الموازنة العراقية السنوية الى ضغط شديد لتغطية نفقات الحرب على الإرهاب التي تستهلك معظم مواردها.
- بطء الإجراءات الإصلاحية التي وعد السيد رئيس الوزراء، حيد العبادي، بتنفيذها بعد موجة الاحتجاجات والتظاهرات التي عمت 9 محافظات عراقية رفضت الفساد (الإداري والمالي) المستشري في البلد، ودفع بالخدمات والوضع الاقتصادي والسياسي للبد نحو الهاوية... ويرى خبراء ان إصلاحات العبادي اصطدمت بجدار صخري من المافيات والروتين والحيتان الكبيرة، إضافة الى الخلافات السياسية حول أصل الإصلاحات! ومن تشمل؟ ولماذا؟
- الخلافات السياسية بين المكونات والكتل السياسية الرئيسية في العملية السياسية العراقية، والتي يعزو لها الكثير من المراقبين السبب في تردي الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في البلد منذ عام 2003 ولغاية اليوم، لعدم توحدها حول هدف مشترك يخدم الجميع، فمن خلافات إقليم كردستان الى ازمة الثقة بين الفرقاء (السنة والشيعة)، فضلا عن الصراعات الثانوية داخل الأحزاب والكتل الرئيسية.
- التدخلات الأجنبية احدى المشاكل الكبيرة التي عانى منها العراق وما زال حتى الوقت الراهن، وقد ساهمت هذه التدخلات في خلق الإرهاب وانعدام الامن والعنف الطائفي وغيرها من المشاكل التي لم يعهدها العراق في السابق، وتعد هذه النقطة تحديدا التحدي الأبرز لجميع الحكومات التي مرت على العراق بعد عام 2003، سيما وإنها تحتاج الى إرادة وقوة في تحجيم النفوذ الخارجي ومنع تأثيره على الإرادة الوطنية والقرار السياسي العراقي.
ومع ما سبق يمكن للعراق ان ينجح كما نجح في ظروف عاشها وتجاوزها وهي أصعب بكثير مما يمر به اليوم، لو توفرت حسن الإرادة والإدارة الصحيحة، وسيكون تجاوز عقبة تحرير الموصل وانهاء والوجود الداعشي فيها امرا يسيرا مقارنة بما مضى من صعوبات... المهم ان تتوافر الإرادة الحقيقية لفعل هذا الامر بعيدا عن الأدوار الجانبية والمزايدات وهوامش الربح والخسارة التي يركز عليها البعض على حساب قضية الوطن الرئيسية.
اعتقد ان العراق امام فرصة تاريخية ليستعيد ثقته بنفسه، ويلتقط أنفاسه من جديد، وهي فرصة مثالية لو أحسن ساسة العراق استغلالها بشكلها المثالي.
اضف تعليق