لقد عانى العراقيون في فترات عديدة من تاريخهم من فقدان روح التفاهم والتعاون فيما بينهم، وتوزعوا تبعا لذلك إلى معسكرات متقابلة أو متقاتلة، لذلك هم بأمس الحاجة الى الاستمرار في نهج الحوار الحضاري، وذلك بالتخلي عن الانفعالات الارتجالية والعشوائية، والاستسلام لمنطق العقل وسيرة العقلاء، حيث الحوار تعقل للمستقبل الآمن...
يمثّل غياب الحوار بذاته أكبر وسيلة لانتشار الفرقة وتكاثر الصراعات، بين مختلف الأفراد والمجموعات والفئات والجماعات، ففقدان الحوار المستدام يؤدي الى الجفاء الذي يحرك وساوس الشياطين ويرسخ تمثلات سوء الظن، وهو السبب المباشر في تفاقم الصورة النمطية السيئة السائدة، ويجعل من منظومة الأوهام المضللة متصلبة ومسيطرة على ذهنية الرأي العام، فيتراكم الخوف في عقل الآخر الذي يستجيب لرهاب الانفتاح فينغلق نحو المنعزل.
لذلك فإن الانفتاح نحو الحوار مع الآخر وبالأخص النقيض، يمثل طريقا استراتيجيا لتحقيق التحولات السليمة والتغيرات الصالحة، فالحوار قد لا يؤتي ثمره عاجلا لكنه كفيل بتقريب النفوس، ودحض الأوهام والمخاوف على المدى البعيد، ويحق لنا هنا أن نستشهد بتجربة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وما يتبع لها من مراكز بحوث ودراسات، إذ إن هذا التجمع الثقافي الذي أخذ على عاتقه نشر ثقافة الحوار يدأب دوريا على عقد حوارات مختلفة زمنيا وموضوعيا، ويجمع في تلك الحوارات طيفا واسعا يجمع بين جمهوره الداخلي والخارجي.
ولعل أبرز النتائج التي تتمخض عنها تلك الحوارات هو شيوع حالة الاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر، فعلى الرغم من الاختلافات الحادة التي تنشأ أحيانا بين الأعضاء المشاركين في إثارة مواضيع التحاور، ومحاورها بفعل سخونة البحث والنقاش إلا إن إدارة الاختلاف تتم في جو من الهدوء وبعيدا عن حالات التشنج والتعصب.
فالحوار لاسيما البناء والمدروس دراسة وافية كفيل بتذليل كل العوائق والعقبات التي تقطع الطريق أمام توحيد المواطنين تحت سقف واحد من الآمال والتطلعات، ومن ثم التقدم مسافات طويلة في مضمار إحراز هدف السلم الأهلي الذي هو غاية الغايات في أي مجتمع ينشد توفير العيش الحر الكريم لأفراده كافة.
ان البحث عن نجاحات الحوار يحتاج الى الايمان بثقافة التعددية، والصبر على الآخر بغية اقتلاع الحساسيات التي تنتجها ظروف داخلية وخارجية، كما أن التدرج في تقريب وجهات النظر يتطلب خططا مستمرة ولقاءات أكثر استمرارا تضع على رأس اجندتها مواكبة المستجدات على الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخليا وخارجيا.
وتحقيقا للأغراض المتقدمة فقد سعت (النبأ) لاستقطاب قادة المجتمع العراقي لعرض ما يجول في أذهانهم من رؤى ورسائل بصرف النظر عن اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الإثنية والمناطقية، والمؤسسة ماضية في مشروعها التنويري بوصفها من أبرز منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات إشاعة مبادئ حقوق الإنسان، وتعميق التجربة الديمقراطية في البلاد، وترسيخ جذورها ثقافيا ومدّ جسور التواصل مع الآخر، ومجابهة دواعي الإحباط التي تسببها غياب قنوات الحوار الرشيدة. وتلخصت اهداف ودور المؤسسة:
تعزيز الحوار الوطني: المؤسسة تجمع شخصيات سياسية، أكاديمية، ودينية لمناقشة القضايا التي تؤثر على العراق، مما يسهم في خلق بيئة تشجع على التفاهم وتبادل الأفكار.
محاربة الفساد: المؤسسة تعمل كمنصة لمناقشة هذه القضية الحاسمة وتقديم حلول ملموسة، كما ظهر في نشاطات عديدة.
إشراك الشباب في صنع القرار: من خلال الفعاليات والملتقيات، تسعى المؤسسة لتثقيف الشباب وتمكينهم من المساهمة في مستقبل العراق، بما يتماشى مع رؤية التنمية المستدامة.
تعزيز الحوار الدولي: تسعى المؤسسة إلى توسيع نطاق تأثيرها من خلال استضافة خبراء ومفكرين لتعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات.
الإعلام كأداة للحوار: عبر منصاتها الإعلامية، تعمل المؤسسة على نشر الوعي بالقضايا المهمة وتشجيع الجمهور على المشاركة الفعّالة.
لقد عانى العراقيون في فترات عديدة من تاريخهم من فقدان روح التفاهم والتعاون فيما بينهم، وتوزعوا تبعا لذلك إلى معسكرات متقابلة أو متقاتلة، لذلك هم بأمس الحاجة الى الاستمرار في نهج الحوار الحضاري، وذلك بالتخلي عن الانفعالات الارتجالية والعشوائية، والاستسلام لمنطق العقل وسيرة العقلاء، حيث الحوار تعقل للمستقبل الآمن، وتفهم لأخطار التعصب الصفري، وقدرة على احتواء الصراعات بالتواضع ونبذ التكبر والتعاند، وإدراك لحتمية التعايش السلمي بانفتاح الآخر على الآخر، وان الحوار بين الجميع والجميع طريق حتمي لكل ذلك.
اضف تعليق