q

ما المقصود بالعقل التعليمي؟، سؤال جوهري يقع في صلب العملية التربوية والتعليمية، والإجابة عنه واضحة ولا تحتاج الى ذكاء مفرط، فالمعلم (بمراحله التعليمية كافة) هو العقل التعليمي الذي تستند إليه منظومة التعليم في بلد ما، وهذا يعني أن دور المعلم سيكون حاسما في ما ينتج عن التعليم من نتائج علمية عملية، فالعلم بالنتيجة لابد أن يتحول الى عمل، وإلا ليس هناك فائدة للتعليم الذي يبقى محصورا في بطون الكتب، وحكرا على الكلمات والأقوال فقط.

إذاً المعلم هو ركيزة التقدم التي يستند إليها مجتمع ما، واذا أردنا بناء دولة متقدمة، لا يمكننا ذلك ما لم يقوم بهذه المهمة مجتمع متعلم، من هنا تتضح حساسية الدور الذي يتصدى له المعلم، ودوره الحاسم في صناعة البلدان المتطورة، وانطلاقا من هذه الأهمية، يتشكل الاهتمام (العالمي) بالمعلم، ويبدو اهتماما متميزا وكبيرا، بل يفوق في البلدان التي تعرف قيمة التعليم، جميع الاهتمامات الأخرى.

وتتضاعف أهمية المعلم، عندما نعرف بأنه العقل التعليمي لمجتمع ما، واذا أصيب هذا العقل بعلّة أو مشكلة، سوف ينعكس ذلك على المجتمع، فمن البديهي القول، اذا كان العقل مريضا، سينعكس ذلك على الجسد، والسؤال المهم هنا، هل يمكن أن يفسد العقل التعليمي، واذا حدث ذلك، ما هي علامات ومؤشرات هذا الفساد؟؟.

هناك علامات تفصح بوضوح عن فساد العقل التعليمي، منها وأكثرها وضوحا، البلادة في التعليم، وتقليدية بث المعلومة العلمية وتوصيلها الى الطلبة، فضلا عن أساليب التلقين التي أكل عليها الدهر وشرب، هذه العلامات اذا حضرت، هذا يعني أن العقل التعليمي مريض، وتشخيص المرض ليس صعبا، أما الصعوبة فهي تكمن في سبل العلاج!.

ويرى الخبراء المعنيون بالتعليم، أن فساد العقل التعليمي، هو السبب الرئيس الذي يقف وراء تدهور الشعوب وتخلف المجتمعات، بسبب عدم تحصيلها للوعي الثقافي الكافي لرفع سقف المطالبات الشعبية لصانع القرار، فالشعوب غير المتعلمة تقبل بأقل الحقوق وأبسط الخدمات، بل هي لا تفكر بالحرية إلا ما ندر، وهذه الأوضاع تشجع الحكام وحكوماتهم على الإيغال بمصادرة حقوق الفقراء، فيسهم ذلك في ضعف التعليم، وهكذا تبقى دائرة الفساد والتخلف مغلقة، ما لم يتم الشفاء التام للعقل التعليمي من أمراضه التي سبق الحديث عنها.

لماذا يتعرض العقل التعليمي للفساد

هناك أسباب واضحة ومعروفة، واخرى خفية، تقف وراء إصابة العقل التعليمي بالضعف أو الشلل التام، وقد سبقت الإشارة الى بعض هذه الأسباب، لكن طريقة اعداد المعلم هي لبّ القضية، بمعنى عندما يتم تهيئة كادر تدريسي متطور، مواكب لأساليب التعليم العالمية المتطورة، ومطلع على ما يستجد في هذا الميدان، فإننا سوف نتجاوز أهم العقبات في هذا المجال، لأن المعلم المتطور في أساليبه التعليمية، يكون قادرا على خلق أجيال متعلمة، ويسهم في صناعة عقول علمية تساعد على تقدم المجتمع والدولة.

لذلك نلاحظ اهتماما كبيرا بهذا الجانب في الدول المتطورة، فهي على الرغم من كونها تدخل ضمن الركب العالمي المتطور، إلا أنها حريصة كل الحرص في تطوير مهارات الكوادر التعليمية، وتخصص لهذا الغرض أموالا طائلة، وتضع في خدمة هذا الهدف قدرات وإمكانات كبيرة، كل ذلك من اجل صناعة كادر تدريسي مواكب للعصر.

في الدول المتأخرة ومنها العراق، لا يوجد اهتمام حكومي او أهلي في هذا الجانب، بل هناك خلل في الكادر التعليمي نفسه، لأننا في الحقيقة لا نرى مبادرات فردية او جماعية منبعها الدافع الذاتي لتطوير المعلم لنفسه تعليميا، بل في الغالب يرفض المعلم قبول التعلّم، ويرى في ذلك انتقاصا من قيمته وقدراته العلمية، فلا يقبل التعلم، في حين أن التجارب أثبتت، بأن الانسان ينبغي أن يبقى طالبا في مدرسة الحياة حتى الموت، فكيف اذا كان معلما، فالحري به أن يكون أكثر حرصا من غيره على مواكبة المستجدات في ميدان التربية والتعليم.

في العراق على سبيل المثال، وكذلك في الدول العربية، هناك أسلوب واحد لا يزال راسخا في طرق التعليم منذ عشرات السنين، قائم على البلادة والتلقين كما تم ذكره، مع إقصاء للأفكار، وهذا الجانب يجعل من الكادر التعليمي قائم على الاجترار والتقليد، وهذا من أخطر المؤشرات السلبية على التعليم العربي ومنه العراقي، كذلك هناك ضعف او غياب بيَّن للجانب الإنساني المرافق للتعليم، لدرجة أن التعليم أصبح ذا طابع روتيني عند معظم المعلمين، وكأنه يقدم درسه كإسقاط فرض لا أكثر، وهذه الظاهرة أسهمت على نحو واضح في إضعاف التعليم في العراق,

لذلك تسلل الفساد الى العقل التعليمي، وباتت المعالجة، قضية لا مناص منها، هذا اذا أراد المسؤولون الحكوميون وغيرهم، معالجة الواقع التعليمي المتردّي، والتصدي لحالات الضعف التي تجتاح التعليم في عموم العراق.

معالجات تنتظر التنفيذ

بعد معرفة المشهد التعليمي في العراق ومعظم الدول العربية، ما يهمنا هو المعالجة، وإنقاذ التعليم في العراق من التقليدية والآلية التي لا روح فيها ولا إبداع، إن أخطر ما يعاني منع العقل التعليمي هنا، هو الروتين التعليمي الذي لا يبحث عن التجديد، ولا يرسم خريطة واضحة تقوده الى محاكاة الأساليب التعليمية المعترّف بها عالما، والتي أثبتت جدارتها في تطوير المجتمعات والدول، ونقلتها في غضون سنوات من المجتمعات المتخلفة الى الواعية.

إن الهدف الأساس اليوم ينبغي أن يتركّز على معالجة العقل التعليمي، وإنقاذه من ظواهر الفساد التي تثقله، وتخليصه من التقليدية المقيتة التي تهيمن عليه، وهذا ليس بالأمر الصعب او المستحيل، إذا قرر المعنيون بالتعليم الشروع بعملية المعالجة وفق خطوات علمية مخطط لها بصورة متقنة، علما هناك مقترحات يمكن أن تساعد أصحاب القرار فيما لو قرروا مغادرة العشوائية والارتجال في التعامل مع هذا القطاع الحيوي، ومن الخطوات التي تساعد في إصلاح التعليم ما يلي:

- الاهتمام بالكادر التعليمي ماديا ومعنويا.

- إدخال المعلمين والمدربين للمراحل الدراسية كافة في دورات خارجية، كي يتقنوا أساليب التعليم المتطورة.

- معالجة النواقص التي من شأنها تعيق توصيل المعلومة للطلاب مثل اكتظاظ الصفوف.

- دعم طرق التدريس بوسائل الإيضاح المساعدة.

- الاهتمام بالمرافق والمنشآت المدرسية بمراحلها كافة، فالصف الجيدة من حيث السعة والتكييف ووسائل المساعدة الاخرى، كفيل بمساعدة الطالب على فهم الدرس.

- تشجيع الكادر التدريس على التطوير الذاتي في مجال التعليم، ومواكبة ما يستجد في هذا المجال بالعالم.

- رصد ومعالجة الظواهر التي تعيق تطور العقل التعليمي، وخاصة ظاهرة التلقين التي سبق الإشارة إليها.

- تنظيم العملية التربوية وفق خطوات منسقة يلتزم بها الجميع، حتى يكون إيقاع التعليم متناسقا وموحدا وبعيدا عن الفوضى.

اضف تعليق