كثيرا ما ترد هذه الكلمة على السنة العراقيين باللهجة الدارجة، وهي بثلاثيها الحروفي بدون زيادة تتكون من (العين والواو والدال)، وتتعدد القراءات لهذه الحروف حسب التوليف الكلامي لها..
عود: وهي الالة الموسيقية المعروفة بهذا الاسم، والتي ارتبطت بالموسيقار والمغني فريد الاطرش، او الموسيقار العراقي منير بشير... او العود الصغير الذي تنكش به الاسنان لاخراج بقايا الطعام منها وخاصة بعد وجبة الكباب العراقي الشهيرة، والذي يتم استيراده من الصين كغيره من السلع.
او ان (عود) تفيد التسويف والمماطلة حين يقول الموظف الحكومي (عود تعال بكرة لاكمال المعاملة).
او تقرأ (وعد) وهي من الوعد والموعد وجمعها وعود، وهي من علامات الايمان والنفاق، الايفاء بها في الحالة الاولى، والنكوص عنها في الحالة الثانية.
وقد تقرأ (عدو) بصورتين: ضم الدال وهي معروفة، وسكون الدال وهي الجري، وقد تقرأ (ودع) بفتح الدال وهي اضافة الى الخرز من ادوات (الفتاح فالية) وقارئي البخت.. وهي قد تعني التعويد والتعود، كما ردد عادل امام في مسرحيته (شاهد ماشافش حاجة) حين اخذ يردد مع المدعي العام (متعودة دايما).. وهي بهذا المعنى جاءت في رسالة الامثال البغدادية التي تجري بين العامة للقاضي أبي الحسن علي بن الفضل المؤيدي الطالقاني، على صيغة المثل (تعوّد خبزة السفرة) ويضرب لمن حنكته التجارب..
وكنت اظن ان هذه الكلمة امتيازا عراقيا خالصا، الا ان موقع البحث الشهير غوغل قد بدد هذه الظنون من خلال اكتشافاته البحثية.
هناك عشيرة باسم (آل معوّد الغريبي) وهناك ايضا اغنية بعنوان (يامعوّد) للمطرب بهاء سلطان، واغنية اخرى للمطرب لطفي بوشناق عنوانها (التكتيك العربي) يقول فيها: (كل شيء افهمتوا فيك يامعوّد الا التكتيك)، وايضا هناك مكان في الاردن يسمى (حوض عراق معوّد) وهو تقسيم اداري يقع ضمن منطقة ابو (علندا) ضمن محافظة عمان، ويوجد ايضا جبل يحمل اسم (جبل معوّد)، واخيرا ترد الكلمة في قصيدة لاحد شعراء العرب الشعبيين يقول فيها:
قضيت عمري وانا ازرع
حنانك كان لي منبع
ويوم زرعي بدا يطلع
جيت انت وقطعت الماي
قطعت الماي يامعوّد
وزرعي بعده ماورّد
ولا ننس في هذا المجال اغنية (امعوّد على الصدمات قلبي)..
و (يامعوّد) العراقية كما يرى كاتب السطور، اذا اردنا التوسع فيها من خلال ماحدث ويحدث في العراق، على مستوى السياسة والثقافة والاجتماع، نجد لها اضاءة تسلط الكثير من القراءة لهذه الكلمة في مقطع من رواية (اعدائي) لممدوح عدوان: نتعود؟ تعرف ماذا تعلمنا ياأبي؟ ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئا عن التعود حين نشم رائحة تضايقنا فان جملتنا العصبية كلها تتنبه وتعبر عن ضيقها.. بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق ، اتعرف معنى ذلك؟ معناه ان هناك شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت فلم تعد تتحسس ، ومن ثم لم تعد تنبه الجملة العصبية. والامر ذاته في السمع حين تمر في سوق النحاسين فان الضجة تثير اعصابك لو اقمت هناك لتعودت مثلما يتعود المقيمون والنحاسون انفسهم.. السبب نفسه: الشعيرات الحساسة والاعصاب الحساسة في الاذن قد ماتت.. نحن لانتعود ياأبي الا اذا مات فينا شيء.
ويختم بطل الرواية كلامه بالعبارة التالية: تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل مايجري حولنا.
وايضا نجد اضاءة اخرى عن معنى التعود (العراقي) في رواية (من وراء القضبان) لكارل تشيسمان يقول فيها: واكتشف هو وزملاؤه في هذا القطاع الاف الجثث اليابانية التي كانت ممزقة ومتحللة، وكان النتن الهائل المتصاعد منها يمنع هؤلاء الرجال من الراحة والنوم والاكل.. بعدها الف الرجال ذلك.. وصاروا يستخدمون رؤوس اليابانيين بعد معالجتها بحيث يكشفون الجمجمة الملساء الملتمعة ويستخدمونها زينة لمكاتبهم..
يامعوّد العراقية، ليست كلمة عابرة في حياة العراقيين، وليست كلمة للتنشجيع او المواساة او العتاب او السخرية احيانا (يامعود طير) بل هي اصبحت مفهوما اجتماعيا وثقافيا راكزا في الشخصية العراقية، من خلال مانشاهده ونسمع عنه من وقائع واحداث تتكرر وتعيد نفسها والمجتمع العراقي على سلبيته ولامبالاته في التفاعل مع هذه الاحداث والتعامل معها، ينطبق عليه ماقاله بطل رواية اعدائي: نحن لانتعود الا اذا مات فينا شيء..
فكم من الاشياء قد ماتت فينا حتى تعودنا على ان من يقودنا يجب ان يتماهى مع جلادنا لاربعة عقود، وتعودنا على حكم القتلة واللصوص، طالما انهم ينتمون الى طائفتنا او عشيرتنا او منطقتنا، ولا يهم كم قتل او سرق من الاخرين اخوانا او اصدقاءا لنا.
وتعودنا على سوء الخدمات وعلى المياه الملوثة والاغذية الفاسدة، وعلى تجاوز الحمايات الخاصة للمسؤولين في الشوارع، وتعودنا على انتهاكات رجال الشرطة وعلى اكاذيب الساسة..
كم من الاشياء الانسانية ماتت فينا حتى تعودنا على كل ماتعودنا عليه دون ان ننتفض او نثور؟..
اضف تعليق