المجتمع الفقير من الناحية الاجتماعية، هو الذي لا يربّي أفراده بما يحفظ طاقاتهم ومواهبهم وخبراتهم، فيتم هدر الفرد وتضييع طاقاته أو وأدها وهي في المهد، فيبقى هذا الفرد عاجزا عن الإنتاج الذي يتعادل مع قدرات الإنسان بسبب التربية الاجتماعية الفقيرة لهذا الفرد...
بدءًا لابد من معرفة ما هو القصد من الفقر الاجتماعي، هذه الجملة المركبة من الفقر والاجتماع، قد لا تبدو واضحة المعنى لبعضهم، لذا يستوجب توصيفها أو تفسيرها، فهي تتكون من شقّين، الفقر، والاجتماع، أو المجتمع، فهل يمكن أن يكون المجتمع فقيرا من الناحية الاجتماعية؟، هذا هو السؤال الذي يهدف مقالنا إلى الإجابة عنه.
نعم هناك مجتمعات فقيرة اجتماعيا، وقد تكون غنية في ثرواتها ومواردها الطبيعية والمادية، فليس المقصود بالفقر هنا شحة الموارد أو قلة الثروات، ولا قلة الأموال، فهناك مجتمعات تتوافر فيها جميع مقومات الغنى، لكنها في نفس الوقت تبقى فقيرة اجتماعيا، فما هو المعني بالمجتمع الفقير اجتماعيا، وما هي الأسباب التي جعلته يوصَف بهذا التوصيف؟
المجتمع الفقير من الناحية الاجتماعية، هو الذي لا يربّي أفراده بما يحفظ طاقاتهم ومواهبهم وخبراتهم، فيتم هدر الفرد وتضييع طاقاته أو وأدها وهي في المهد، فيبقى هذا الفرد عاجزا عن الإنتاج الذي يتعادل مع قدرات الإنسان بسبب التربية الاجتماعية الفقيرة لهذا الفرد.
فلا الأسرة تقوم بالتربية الصحيحة لأبنائها منذ الطفولة صعودا، ولا الدولة تقوم بهذا الدور ونقصد بذلك المؤسسات التابعة لها ومنها التربوية والتعليمية والتطويرية التي تفشل في تبويب طاقات الإنسان منذ طفولته، وحصرها والتعرف إليها، بعد عملية تبويب صحيحة، ثم العمل على تدريبها وتطويرها وتنميتها تصاعديا، وبعد ذلك توظيفها بما يخدم الفرد نفسه ماديا ومعنويا، وبما يخدم المجتمع والدولة التي ينتمي إلهما هذا الفرد.
تبويب المواهب والطاقات وتطويرها
إذًا هنالك دور يقع على الأسرة أولا ومن ثم على المجتمع، في قضية تبويب وتأشير المواهب والطاقات الفردية لكل إنسان ينتمي إلى المجتمع، تبدأ هذه العملية منذ الطفولة، فالمطلوب من الأسرة أو من كل أسرة، أن تلاحظ أطفالها، وتتابعهم وتراقبهم، وتسعى بجدية لمعرفة الجوانب التي يبرع فيها الطفل ذكرا كان أم أنثى، ومن ثم عليها تنمية هذه المواهب داخل الأسرة، والسعي الجاد والعملي لتطويرها وغرس الثقة التامة في داخل الطفل.
حين يمتلك الطفل هذه الثقة بالنفس، وبمواهبه وطاقاته بعد أن يتلقى الدعم الكامل والتدريب الجيد من العائلة، سوف تتشكل له شخصية مبدعة موهوبة واثقة ومنتِجة في نفس الوقت، ومع مرور الزمن تصاعديا، ترتقي إمكانياته المختلفة سواء على مستوى التفكير والابتكار، أو على مستوى تحويل الأفكار والابتكارات إلى منتجات ملموسة.
هذه العملية التمهيدية التي تقوم بها الأسرة، تؤهّل الطفل لكي ينتقل إلى مرحلة أعلى في اكتساب الخبرات وتبويب الطاقات وتطويرها، ونقصد بالمرحلة الثانية انتقال الطفل من الحاضنة الاجتماعية الأصغر (العائلة) إلى الحاضنة الأكبر ونقصد بها (المجتمع)، وقد تبدأ بالمدرسة أو في محل عمل معين، أو في مكان ذي نشاط عملي أو فكري معين.
المؤسسات الاجتماعية المختلفة هي التي تتلقف الأطفال المدرَّبين أسريا، وعلى هذه المؤسسات أن تبذل الجهود العلمية والعملية المنظَّمة التي لا تقل عمّا قامت به الأسرة، فهذه المؤسسات الاجتماعية، عليها متابعة المواهب والطاقات عند المراهقين والشباب، والتركيز على جوانب الدعم والتطوير والتدريب وتنمية المهارات التي يميل إليها هذا الفرد أو ذاك، حتى تخلّصهم من نتائج الفقر الاجتماعي التي قد تجعل حياتهم فارغة من كل شيء.
معالجات جذرية للشعور العدمي
يكسل الشباب، وتُهدَر طاقاتهم، وتتسرب قواهم في أمور غامضة وغائمة وغير ذات جدوى، ونقصد بقوى الشباب، تلك القوى المتفرعة عن المواهب، فقد تكون فكرية ابتكارية، وقد كون عضلية بايولوجية، وقد تكون طاقات أخرى، المهم هو تبويب هذه الطاقات وتوجيهها، وإنقاذ الناس لاسيما (المراهقين والشباب)، من ضياع مواهبهم وطاقاتهم سدى، أو دونما طائل.
فوائد هذا التبويب والمتابعة والتطوير داخل العائلة ومن ثم المراحل اللاحقة صعودا، تصنع فردا مهاريا، أي يمتلك مهارات مختلفة حسب مواهبه وميوله وطاقاته، وبالتالي يشعر بقيمته كإنسان، ويسهم في بناء نفسه وبناء المجتمع أيضا، وبهذه الطريق يوف يكون حاصل جمع الأفراد، مجتمعا مبوب المهارات والطاقات، يمتلك ثروات معنوية ومادية هائلة وخال من الأمراض النفسية التي تفتك بشباب العصر بسبب الفراغ والبطالة والشعور العدمي.
من الواضح أن الحلول تحتاج إلى تنظيم ذي مستوى عال من الدقة، والمتابعة والتخطيط، ومن ثم التنفيذ، ولا يصح إهمال المراهقين وترك الشباب للمقاهي والأرجيلة، والمخدرات، والبطالة والشعور بلا جدوى الحياة، هذا يعني إن المجتمع كله بدءا من الأسرة صعودا تتخلى عن مسؤولياتها وأدوارها، وبالتالي يحدث ما يسمى بالتدمير الذاتي، أي يدمر الإنسان نفسه، والمجتمع يسهم في ذلك أيضا.
أما العلاج فهو يتم من خلال سد ثغرة الضعف الحاصل في الإرادة الاجتماعية، وزرع اللامبالاة في نفوس وسلوكيات وأفكار الشباب والمراهقين، وهذا لا يصب في صالح أحد، لذا يجب التحرك من قبل ذوي الشأن على معالجة ضعف الإرادة الاجتماعية، والعناية التامة والصحيحة بأفراد المجتمع كافة، بدءا من الأطفال.
اضف تعليق