لماذا يبحث الإنسان عن اللذة دائما؟، مرتكز مقالنا هنا يستند على هذا السؤال، وإذا حصرنا هذه اللذة بالكتابة الإبداعية، فإننا سوف نجد ضالتنا في النصوص الإبداعية التي تدخل ضمن الأجناس الأدبية المعروفة، ولعل أبسط إجابة عن هذا السؤال نلاحظها في قول سهل وواضح...
لماذا يبحث الإنسان عن اللذة دائما؟، مرتكز مقالنا هنا يستند على هذا السؤال، وإذا حصرنا هذه اللذة بالكتابة الإبداعية، فإننا سوف نجد ضالتنا في النصوص الإبداعية التي تدخل ضمن الأجناس الأدبية المعروفة، ولعل أبسط إجابة عن هذا السؤال نلاحظها في قول سهل وواضح لأفلاطون حين قال (اللذة طعن الألم)، وهذا يعني إن بحثنا عن اللذة هو بمثابة البحث عن إلحاق الهزيمة بآلامنا التي تحيط بنا، أو تلك التي تربض في أعماقنا.
ربما لهذا السبب يلجأ المبدعون، ونعني هنا (الكتّاب والشعراء ممن يحترفون الكلمة والكتابة) إلى البحث عن اللذة في الكتابة الإبداعية، وهدفهم في ذلك نسبة الآلام التي تداهم حياتهم، أي أنهم يهدفون إلى الحد من الألم أو التخفيف منه بلذة الكتابة، فهناك الكثير من الشعراء وكتاب السرد قالوا في جلسات أو حوارات معهم، بأنهم يواجهون الموت بالكتابة، والأخيرة تقاتل (الموت الألم) بتحصيل اللذة المنتَجة من الإبداع، ولا نعني هنا المعنى الحسّي للذة، فهناك أنواع روحية ومعنوية للّذة، وهذا النوع المعنوي هو الذي تنتجه الكتابة الإبداعية.
السعادة والإشراق الداخلي
فهل نحن على حق حين نقول إننا نحصل على اللذة المعنوية أو الروحية بعد الكتابة الإبداعية، لابد أن الأدباء والمفكرين والكتاب ومختلف المبدعين جربوا هذا النوع من اللذة، أو أنهم يوافقون على أن لحظة النهاية من كتابة نص إبداعي غالبا ما تكون مشفوعة بنوع غامض من السعادة والإشراق الداخلي، يقول أحد الكتاب إنه حين ينتهي من كتابة نص إبداعي يغمض عينيه وينفصل عن عالمه، ويغطس في أعماقه ليعيش تلك السعادة الغامرة الغامضة التي يمنحها له النص الذي انتهى منه الآن، فهل هناك غرابة في هذا الكلام؟
ولهذا يُقال (إن جميع دوافع النشاط في الإنسان تهدف إلى تحصيل اللذة وتجنب الألم)، وإذا كان الأدب والمنجزات العلمية يدخلان في وعاء الإبداع، وتتم معاملة الاثنين على أنهما نوع من أنواع الإبداع الأدبي و العلمي، فإن هذا الأمر يكون مدعاة لتحمل المشقّة والتعب وصولا إلى اللذة، فـطلب العلم شاق ولكن له لذة ومتعة، والعلم لا يُنال إلا على جسر من التعب والمشقة ومن لم يتحمل ذل العلم ساعة يتجرع كأس الجهل أبدا كما يُقال.
ينطبق ما جاء أعلاه على الإبداع أيضا، فليس هناك أي إبداع حقيقي ما لم تقف وراءه مشقّة أو على الأقل أسباب دافعة تضغط على المبدع وتحاصره فيما يشبه النزاع أو المعركة، ولهذا يُقال إن المبدع الحقيقي لا يستطيع الهرب من نصه، أو من كتابته الإبداعية، لماذا يُقال مثل هذا الكلام عن الكتابة الإبداعية، قد يكون الجواب هو البحث عن الخلود! وهذا ما أكده عدد من العباقرة الذين مرّوا في تاريخ البشر.
ما الهدف الأسمى للكتابة؟
وهناك قول لابد من ذكره يؤكد على أن (اللذة التي تجعل للحياة قيمة، ليست حيازة الذهب، ولا شرف النسب، ولا علو المنصب، وإنما هي أن يكون الإنسان قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم). تُرى كم هي نسبة الصواب في هذا الكلام ومضمونه، وهل يكتب المبدعون لغرض الحصول على اللذة وينتهي الأمر، أم أن هناك هدفا أكبر وأسمى وأعمق من ذلك؟
في الإجابة عن ذلك، يقول بعض الكتّاب إنهم يكتبون من أجل الآخرين، أي أنهم يهدفون إلى تحسين حياة البشر من خلال تطوير وعيهم، وتوجيه تفكيرهم نحو السبل الصحيحة، وبهذا يكون فعل الكتابة مساهما في إسعاد البشرية، بالإضافة إلى ما تحققه الكتابة من لذة معنوية وروحية لصاحبها، ولكن متى تتحقق هذه اللذة المعنوية والروحية التي تدخل في معترك تحقيق الذات؟
إنها تتحقق حين يتأكّد الكاتب من أن كتابته تركت تأثيرها الملموس في الآخرين فكرا وسلوكا، أما الكتابة العاجزة عن التأثر في الآخرين، فإنها سوف تكون عاجزة أيضا عن منح كاتبها اللذة المعنوية المطلوبة، وهذا النوع من الكتابة لا يتّسم بالإبداع، لأسباب عديدة، منها الكاتب نفسه وعجزه عن تقديم كتابة ذات إبداع وتفرّد، أو العُجالة في كتابة النص، أو القيام بالكتابة تحت الإكراه وعدم القناعة.
لذلك فإن لذة الكتابة الإبداعية لكي تولد بلا تشويه ولا عُجالة وتتسم بالقناعة والمسؤولية، يجب أن تتوافر لها كل الظروف والعوامل التي تدعمها لكي تكون كتابة إبداعية قادرة على إنتاج اللذة المعنوية الباهرة.
اضف تعليق