عراق اليوم يقف في مفترق طرق اما لانهاء وجوده كدولة من خلال التقسيم الواقعي مع الإبقاء على الشكل الخارجي لهيكل الدولة بحدود منتهكة وسيادة مفقودة ونفوذ قوى اللادولة، وينتظر العراقيون فقط اعلان شهادة وفاة دستورية لنهاية الدولة العراقية الحديثة ما بعد اعتراف عصبة الأمم المتحدة بالعراق...

تحفل منصات التواصل الاجتماعي بالاحاديث عن متغيرات نتائج الانتخابات والانسداد السياسي ما بعد الانتخابات الأخيرة، معضلة اهل الحل والعقد القائمون على تسيير السلطة ما بعد 2003 انهم يسعون لايجاد معادلة (اواني مستطرقة) تمنح الجميع حق الفوز في توظيف السلطة لصالح اجنداتهم احزابهم المتضاربة بعنوان وضح (مفاسد المحاصصة) في ابشع نموذج لتطبيق كامل معطيات الحرب الناعمة التي وجدت في تهالك هذه الزعامات الحزبية على كراسي السلطة نموذجا لنهاية تاريخ الدولة العراقية الحديثة ومحوها وإيجاد دولة أخرى بمجتمع يتفق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين في سياق المخطط الدولي الذي ينطلق قطاره حاملا الطاقة الى شتاء أوروبا الدائم ناهيك عن اشباع أسواق الشرق في الصين والهند وجنوب شرق اسيا من نفط وغاز المنطقة.

هذه الاستراتيجية التي تتغير صفحات تطبيقاتها، عولجت وتعالج ما يوصف بالدول المارقة او الهشة او الراديكالية، فانتهت منطقة الشرق الأوسط تبحث في جغرافية الانابيب الناقلة للطاقة بثمن معقول للمستهلك، وعراق اليوم يقف في مفترق طرق اما لانهاء وجوده كدولة من خلال التقسيم الواقعي مع الإبقاء على الشكل الخارجي لهيكل الدولة بحدود منتهكة وسيادة مفقودة ونفوذ قوى اللادولة.

وينتظر العراقيون فقط اعلان شهادة وفاة دستورية لنهاية الدولة العراقية الحديثة ما بعد اعتراف عصبة الأمم المتحدة بالعراق، فيما يتمشدق وعاظ هذه الأحزاب من الفاو وحتى زاخو ومن مندلي حتى الرطبة، انماهم (مصلحون) فيما تتسع فجوة الثقة بينهم وبين الأغلبية التي تعيش اما تحت خط الفقر او على هامش هشاشة الفقر بما يتجاوز وفق ارقام رسمية اكثر من نصف الشعب العراقي ناهيك عن شيوع مظاهر الفساد المجتمعي وظهور شرائح طفيلية ليس امامها غير نهب خيرات العراق لصالح امراء الطوائف في غرناطة عراق اليوم.

السؤال: من سيعلن شهادة وفاة الدولة العراقية ومن سيوقع عليها؟؟ تتضح الإجابة على هذا السؤال في حالة اليأس والقنوط التي ترافق جميع أنواع التعليقات والتحليلات ان حالة الانسداد السياسي الحالية ليس ثمة مخرج لها الا بجلوس الخاسرين في الانتخابات على مقاعد السلطة مرة أخرى من خلال تسوية ما زالت مرفوضة حتى من الخاسرين انفسهم!!

واذا كان الدكتور فوكوياما قد اعلن عن نهاية التاريخ ما بعد سقوط جدار برلين في كتابه المعروف واعتباره الانتصار الحتمي للرأسمالية الليبرالية على الشيوعية، فان هذا الرافعات للمصالح الحيوية الاستراتيجية الدولية في منطقة الشرق الأوسط التي تنطلق بقطار فائق السرعة، فيما يبقى العراق يراوح عند جاهلية متجددة باسم الإسلام السياسي ومفاسده، يتطلب من بيوت الخبرة في مراكز التفكير العراقية الإعلان عن نهاية الدولة الحديثة والعمل على تأسيس دولة بسياقات متجددة تعتمد أصول العدالة والانصاف المجتمعي، ربما تتفق في بعض طروحاتها مع فكرة الدولة العراقية الحضارية الحديثة التي ينادي بها الأستاذ محمد عبد الجبار الشبوط، لكن هذه الفكرة لا تعلن نهاية دولة عراق ما بعد الحرب العالمية الأولى والاتيان بنموذج يتطابق مع معادلة دولة عراق جديد لعصر مع بعد الالفية الثالثة.

وشتان ما بين كلا الحالين في الأساليب والاليات ما بين بداية قرن مضى وقرن جديد يسير مسرعا لانهاء ربعه الأول، تتمثل في سرعة الإدارة عبر حوكمة اليكترونية تتعامل يوميا بمليارات الدولارات في سوق عالمي مفتوح ما زال العراق متخلفا كليا في استخدام ادواتها.

تولد القناعة المجتمعية بحتمية نهاية تاريخ إدارة السلطة في الدولة العراقية والعمل على تخليق وتصميم نموذج جديد كليا لادارة السلطة بحاجة الى (اباء مؤسسين عراقيين) عبر ثورة اجتماعية لتكوين السياقات والاليات لـ (عراق جديد.. وطن الجميع) تلغي نموذج المحاصصة ومفاسدها بنموذج (دولة المواطنة الدستورية).

ولا يبدو ان ثمة من يستطيع الاتيان بمثل هذا النموذج بسرعة وقوة مباشرة، لذلك سيكون مصير العراق الوقوع في هاوية نهاية تاريخ سلطة الدولة والتعامل يوميا مع سلطات متعددة الأطراف كل منها يفرض قوته عبر سلاح منفلت ومال سياسي وجحوش الكترونية تسعى لفرض نموذج اللادولة على المستضعفين من جياع الشعب.

في مثل هذه القراءة المتشائمة لمستقبل الانسداد في العملية السياسية، تبرز نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم ان قوى تنزع مثل نور الفجر لتمسك بالهوية الوطنية الدستورية عبر شعار # نريد وطن # في جميع انحاء العراق، ويبقى من القول.. لله في خلقه شؤون !!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق