لا تقوم أي عملية نقد للذات او للأوضاع الحياتية التي يعيشها افراد المجتمع دون تفكير نقدي.
سادت مقولة النقد الذاتي في أيام ازدهار اليسار العالمي والحركات الثورية، وحتى داخل الحركات والأحزاب العروبية والقومية في بلداننا العربية، ولعل اكثر من استخدم مقولة (النقد والنقد الذاتي) هو حزب البعث العربي الاشتراكي في السبعينات من القرن المنصرم.
وكانت عملية النقد منصبة على المجتمع، اي النقد باتجاه الخارج، خارج اسوار تلك الأحزاب والحركات، وهي التي تعتقد امتلاكها الحقيقة المطلقة، وأدوات التغيير المناسبة لأوضاع مجتمعاتها، وكان ما كان من تحول هذا الاحتكار للحقيقة الى احتكار لمجتمعاتها في جميع انظمته الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي نشوء أنظمة الطغيان والاستبداد.
الحركات والأحزاب (الإسلامية) وأضع التنسيب بين قوسين، لأنها في الحقيقة لا تمثل الإسلام، الا بقدر ما وصلت اليه من قراءة حركية له، اصابت قليلا واخطأت في الكثير من المواقف، حتى تلك الأحزاب والحركات بعد تجربتها في الحكم واستلام السلطة في عدد من البلدان، وفشلها في التجربة فشلا ذريعا، ولعل التجربة العراقية خير تمثيل لهذا الفشل، تلك الحركات لا يرد في قاموسها مقولة (النقد الذاتي) نعم هي تمارس النقد، نقد المجتمع والاخرين، لكنها في منأى عن النقد الذاتي، لعدم اعترافها بالفشل، لان مجرد الاعتراف بفشل اشخاصها، يعني فشل الإسلام كما تتصور تلك الحركات، وهي التي يقوم خطابها الكلي على احتكار الحقيقة لها وحدها. وبالتالي لا يمكن في تصورها العام فصل الإسلام عنها او فصلها عن الإسلام.
تلك المقدمة أرى انها ضرورية في الحديث عن النقد الذاتي، (الذي لا يقع إلا بعد توجيه النقد إلى الشخص، أو إلى التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، الذي لا يكون إلا موضوعيا، وواضحا، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الاعتراف بالقيام بالممارسة الخاطئة، وما أدت إليه من نتائج ألحقت الضرر بالواقع، في تجلياته المختلفة، أو أضرت بممارسة التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، في علاقتهما بالواقع، والالتزام بعدم القيام بنفس الممارسة، حتى لا تؤدي إلى نفس النتائج).
او (هو إعلان الوعي العقلاني والتعامل مع الأفكار كقيمة ذاتية، أو كوحدات موضوعية انفصلت فيها عن الشخصية، والنقد الذاتي يفرض نقاشًا عقلانيًا صارمًا ودقة علمية فائقة). في النقد الذاتي لـ د. خالص جلبي.
والنقد الذاتي يقوم أولا على بناء ذات واعية مدركة، ومتحركة ومتفاعلة مع ذوات أخرى في نفس الوعي والادراك، ولا يمكن بناء هذه الذات الا من خلال توفير البيئة المناسبة للتفكير النقدي.
والنقد الذاتي ثانيا، اذ يقوم في لحظة من المراقبة والمراجعة، لجملة من التصورات والممارسة والتطبيق لهذه التصورات، فانه يكون ناجحا في تلك اللحظة، لكن نجاحه يبقى مرهونا بذوات أخرى لها علاقة بالذات التي مارست نقدها على ذاتها.
بعبارة أخرى، ما الفائدة من النقد الذاتي للذات المنفردة، وجميع المحيط الخارجي لهذه الذات لا يمارس عملية نقد متبادلة، داخل ذاته وخارجها؟
والنقد الذاتي ثالثا، يقوم على التصالح مع الذات، ونقل هذا التصالح الى الذوات الأخرى التي يتألف منها المجتمع بجميع وحداته (الاسرة – المدرسة – الدائرة – المؤسسة – الجامعة) وغير ذلك من وحدات، ولا يتحقق هذا التصالح الا عبر المكاشفة المتبادلة، لان كل ذات هي في الحقيقة مرآة للأخرى.
ماهي الموانع من النقد الذاتي والتي ابتليت به الذات العربية والإسلامية؟
الانفعال والعواطف -النزوع للتفسير الغيبي دون الاهتمام بالأسباب والنتائج التي تؤكد عليها السنن الإلهية - الذّهان وهو مرض يأخذ صورتين ؛ إما النظر إلى الأشياء على أنها سهلة ، أو أنها مستحيلة - الفردية والأنانية والمبالغة – العدائية.
ما الذي يحدث في غياب التفكير النقدي، وغياب الصرامة في النقد وطغيان المجاملات؟
اللف والدوران حول المواضيع، والسكون في الخنادق الفكرية لكل ذات من الذوات، والنزاعات، والتبرير.
اضف تعليق