كاميرا هذا السبت التقطت ما حدث في الأسواق، وصوَّرت ذلك الهجوم الجمعي للأفراد والعائلات، حين اكتظت محالّ التسوق بالمئات من الناس من كل الأعمار حيث تهافتوا على الخضر الطازجة والمواد الغذائية بشكل غريب كأننا نقترب من نهاية العالم، هذا المنظر الجماعي للتسوق ذكّرني بصديق كان مغرماً بالأسواق وبالتسوق...
كاميرا هذا السبت التقطت ما حدث في الأسواق، وصوَّرت ذلك الهجوم الجمعي للأفراد والعائلات، حين اكتظت محالّ التسوق بالمئات من الناس من كل الأعمار حيث تهافتوا على الخضر الطازجة والمواد الغذائية بشكل غريب كأننا نقترب من نهاية العالم.
هذا المنظر الجماعي للتسوق ذكّرني بصديق كان مغرماً بالأسواق وبالتسوق، وبقضاء أوقات طويلة وهو يتجول في المحال، وفي أحيان كثيرة تنتهي جولته دون أن يشتري شيئا، وحين أسألهُ لماذا أنفقت كل هذا الوقت تتجول وتتفحّص الحاجات دون أن تشتريها؟، كان يجيبني في وقتها (إنني أجد راحتي النفسية في التجوّل بالأسواق، وأجدها أكثر حين أشتري المزيد من المواد حتى لو كانت فائضة عن الحاجة)، فما هو هوس الشراء؟؟
إنه بحسب المختصين مصطلح تقني يصف الرغبة القهرية للتسوق، ويُشار إليه عادة باسم التسوق القهري، إدمان التسوق، الشراء القهري أو الرمزCB. ويعتبر كل من هؤلاء إما حالة إدمان سريري أو اضطرابات السيطرة على الاندفاع، وفي الأصل تمت تسمية هذا المصطلح بواسطة كرايبيلين [1915] ولكن على الرغم من انه يشمل الكثير من الدوافع المرضية القائمة على رد الفعل، إلا أنه تم تجاهل إدمان التسوق إلى حد كبير مع أنه مرض عقلي مؤلم وغير معروف حتى الآن تقريبا.
يعرَّف اضطراب الشراء القهري (CBD) بهوس التسوق والشراء الذي يسبب عواقب وخيمة، ومعظم الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب تتطابق صفاتهم وفق معايير معينة، وفي كثير من الأحيان يكون اضطراب الشراء القهري مرتبط بالمزاج والقلق، وتعاطي المخدرات واضطرابات الأكل، فبداية هذا النوع من الاضطراب تحدث في نهاية فترة المراهقة وبداية سن العشرين، وهو يعتبر عموما اضطراب مزمن.
وهو أيضاً شبيه باضطراب الوسواس القهري والاكتناز والهوس، ولكنه أيضاً يختلف عنهم، ولا يقتصر الشراء القهري على الأشخاص الذين ينفقون ما يتجاوز مقدرتهم المالية، بل يشمل أيضا الأشخاص الذين يقضون وقتاً أكثر من اللازم في التسوق أو الذين يفكرون في شراء الأشياء بشكل مزمن ولكنهم لا يشترونها!
ويؤكد مختصون، أن هناك الكثير من الناس يحبون التسوق ولكن هناك أيضاً من لديهم هوس بالتسوق إلى الحد الذي ينتهي بهم إلى صرف الكثير من النقود، وهذا بدوره يؤدى لمشاكل كثيرة، كما أن إدمان التسوق شأنه كشأن باقي أنواع الإدمان، وهذا الإدمان غالباً ما يكون مرتبطا بموسم معين في السنة مثل الأعياد مثلاً، وفي حالات أخرى يكون طوال العام.
ولكن ليس هناك مناسبة أو أعياد دفعت بهذه الجموع نحو الأسواق، وإذا اعتبرنا فايروس كورونا المستجد (مناسبة)، فربما نلتمس تبريرا لتدفق الناس على المولات والأسواق بهذا الزخم الهائل، إلا أن موجة التسوق هذه رافقتها مشاكل أو مخاطر أو سمِّها ما شئت، منها مثلا:
- اندفاع الناس بهذا الزخم الهائل على الشراء، هدفه مقاومة فايروس كورورنا، لكن ما حدث هو اكتظاظ المحال وتزايد الزحام وهو ما يعطي فرصة أكبر لانتقال الفايروس عبر التلامس أو المصافحة أو العطاس أو حتى من خلال الكلام، لذلك صار هذا التزاحم أحد الأسباب التي أسهمت بانتشار الفايروس وليس محاصرته!
- المشكلة الأخرى، هناك عائلات كثيرة في العراق تعتمد في طعامها وقوتها على الرزق اليومي من العمل اليومي، وهؤلاء هم النسبة الأكبر بين العراقيين، هذه المشكلة لم تقم الحكومة أو الدولة بمعالجتها بشكل سريع، والمعروف أن الحوادث الطارئة، النكبات، الزلازل، الأعاصير وسواها، تعد أحداث طارئة على الحكومة أن تستعد لها مسبقا، وانتشار فايروس كورونا يقع ضمن النكبات الطارئة، فما الذي قامت به الحكومة تجاه الفقراء، لاسيما من ذوي الدخول والأعمال اليومية؟؟؟
- المشكلة الأخرى، قلّة من الأثرياء والأغنياء من فكّر بمساعدة العائلات الفقيرة، ولم تقم المنظمات والمؤسسات الخيرية بدورها في مساعدة المحتاجين، وهذه مشكلة تُظهر لنا جميعا ضعف الوازع الإنساني لدى العراقيين ممن يمتلكون قدرة مالية.
- هنالك أيضا مشكلة ضعف وانحسار مبدأ التكافل الاجتماعي، فنكبة كورونا شأنها شأن أية نكبة أخرى، وضعت العراقيين أمام تجربة قاسية في التعامل الإنساني، فلم نلحظ تعاونا في مواجهة الفايروس لا من الدولة الحكومة ولا من الناس أنفسهم، خصوصا ما يخص الوقوف إلى جانب ذوي الدخول المحدودة.
أختم هذه الحلقة بلقطة أخيرة، كنت في أحد الأسواق (مول للتسوق)، أتابع الهلع والذعر وهوس الشراء الجماعي، وفي هذه الأثناء رأيتُ رجلا قوي البنية معه شابّين مفتولي العضلات، كل واحد منهم كان يدفع عربتين محمّلتين بأصناف عديدة من المواد الغذائية المعلبة والجافة، كان الأب يصرخ بصوت عال كأنه في معركة، ويوجه ولديه، اشترِ كذا وكذا وكذا، وأحيانا كان يتم ولديه بكلمات غير لائقة، كنتُ أراقب هذا المشهد بأسف وأفكر بمن لا يستطيع أن يسد قوت يومه، خرج الرجل ومع ولديه محملين بعربات مكتظة بالمواد من كل نوع، أفرغوا هذه العربات في سيارة فخمة فع رباعي، كنتُ أظن أنهم اكتفوا بها الكم الغذائي الهائل، لكن الأب صرخ بصوت عالٍ: هيا تعالا معي ....
ودخلوا ثلاثتهم إلى مول التسوق وبدأوا رحلة جديدة من هوس الشراء......
اضف تعليق