وقد جاء فارس الأحلام فعلا، حاملا باقة الورد، مرتديا بذلة عرس بيضاء أيضا، مقتربا من عروسه (الدمية)، مقدِّما لها باقة الورد، وقد قام بدور العريس بأكمل صوره وتفاصيله، فقد قبَّل العروس ووضع بين يديها باقة الورد، كان يرسم على وجهه ابتسامة فرح هائلة، المؤلم أنه كان...
حين بل بلغتُ عقداً ونصف من عمري، التحقتُ بعملٍ شاق وبعيد عن مدينتي وعائلتي، كنتُ أعاني من الغربة ومن نحافة جسدي التي توحي للآخرين بأن سنّي لا يتجاوز عشر سنوات، جسد قصير نحيف ذابل، لكن روحهُ تتطلع إلى طموحات وأحلام الكبار، كنتُ أطردُ الغربة بحلم الاقتران من بنت حلمتُ أن تكون شريكة حياتي، وحين كان يداهمني التعب والخوف من الغربة، كنتُ استحضرها في خيالي بجمالها وعذوبتها، فتخفّف عني أحزاني، وتزيل قلقي، وتطرد الخوف من قلبي وروحي.
منذُ نعومة أظفاري عرفتُ أن الحياة لا تُطاق من دون شريكة العمر، لذا تحمّلتُ التعب والسفر وأعباء الغربة ومخاوفها، كل ذلك حتى أظفر بالزوجة التي اخترتها منذ أن وعيت حتمية الارتباط بامرأة حتى تصبح الحياة أقل قسوة، ولكي أقول الحق بأمانة، لابد أن أشيد بدور أبي وعائلتي وأقربائي وأصدقائي الذين ساندوني حتى أقترن بشريكة حياتي.
هذه الذكريات التي كتبتها في السطور أعلاه، رأيتها بالتفصيل في شريط ذاكرتي وأنا أتابع فيديو لشاب لم يتمكن من الاقتران بحبيبته، ولم يساعده أحد لبلوغ هذا الهدف، لا أب وقف معه ولا عالة ولا أصدقاء ولا أثرياء، والأقسى من ذلك كلّه أن الجهات الرسمية التي يقع عليها مسؤولية مساعدة الزواج أهملت الشاب تماما، فما كان منه إلا أن يلجأ إلى حيلة غريبة وقاسية، لكنها جاءت كتعويض له عن الإهمال المجتمعي والرسمي وحتى إهمال الأهل له، في هذه الحالة ماذا يمكن أن يفعل من يُهمَل بهذه الطريقة؟، من المؤكَّد والحتمي إنه سوف يلجأ إلى سبل أخرى يعوّض فيها عن خسارته لأجمل أحلامه.
لقد اخترع هذا الشاب طريقة أسهل لتعويض خسارته لعروسه، فذهب إلى اقتناء (دمية)، وهي عبارة عن فتاة جميلة وجعل منها عروساً له، ألبسها بذلة عرس بيضاء، مع برقع أبيض محلى ومزخرف بقطع من اللؤلؤ البديل أو الشبيه بالأصلي لرخص ثمنه، وذهب بها إلى شاطئ البحر ونصب جسدها (الدمية) فوق رمال الشاطئ، كان وجهها يتجه نحو البحر، وكانت تقف بكامل بهائها، بذلة عرس بيضاء وتاج العروس يستقر فوق رأسها.
ولم ينسَ الشاب أن يضع على وجهها (الميكب) كأنها عروس حقيقية، كذلك لم ينسَ أن يحمل لها باقة ورد جميلة سيهديها لها، والأغرب من هذا وذاك أنه اختار من مناسبة ما يعرف بـ (عيد الحب) موعدا لزواجه منها، وفي لقطات تثير الغرابة والأسى، كانت العروس (الدمية) تنظر إلى أعماق البحر، بانتظار فارس أحلامها!.
وقد جاء فارس الأحلام فعلا، حاملا باقة الورد، مرتديا بذلة عرس بيضاء أيضا، مقتربا من عروسه (الدمية)، مقدِّما لها باقة الورد، وقد قام بدور العريس بأكمل صوره وتفاصيله، فقد قبَّل العروس ووضع بين يديها باقة الورد، كان يرسم على وجهه ابتسامة فرح هائلة، المؤلم أنه كان شابا جميلا وسيما مشرقا، وحين طبع القبلة على خد العروس، لم تبادله بنفس المشاعر، ولم تبتسم بل لم ترمش عيناها قَطّ، كانت عبارة عن جسد ميت مصنوع من البلاستك!.
كنتُ أتابع الفيديو بألم وحزن، ربما سقطت بعض دمعات مني دون أن أشعر بذلك، كان العريس يعيش عرسه بطقوس حقيقية، كأنه بالفعل حصل على شريكة حياته وحقّق ما كان يحلم به، في المقابل لم تبادله العروس المشاعر قط، بل بقيت جماداً، لا حركة رموش، ولا ابتسامة خفيفة حتى لو كانت كاذبة، لا ملامح فرح، كأنها تزوجت منه غصباً عنها.
الشاب لم يعبأ كثيرا بجمود عروسته، ولم يتنبّه لجفائها، وغياب الفرح عن وجهها وعينيها، كان المهم بالنسبة له أنه اقترن بعروس من صنع خياله وتخطيطه، وحين سأله الناس وبعض الصحفيين، لماذا قمت بهذه المراسيم ولماذا اخترت هذه الدمية، ثم لماذا اخترت (عيد الحب) يوما لزواجك؟، لم يكن حزينا، ولا يائسا ولا ساخطا على أحد، لقد أجاب الجميع بوجههِ الهادئ البريء، لم يكن أمامي حلّ آخر!!!.
الدولة، الحكومة، المجتمع، الأسرة، هذه الأقطاب هي المسؤولة عن لجوء الشاب إلى هذه الخطوة التي ملأت نقصهُ النفسي، وأرضت غروره، وحققّت ذاته، على الرغم من أنها كاذبة وليست أصيلة ولا واقعية، ولا تشبع أحداً نفسيا أو فعليا، وكم من شاب مثله يعيش المشكلة نفسها، علينا أن نقف إلى جانب شبابنا، كيف؟:
- توفير فرصة عمل مناسبة لهم.
- إدخالهم في دورات لتنمية المهارات.
- وضع خطط إستراتيجية (حكومية) و (مدنية) لاستيعاب طاقات مواهب الشباب.
- الوعي الأسري له دور مهم بل كبير في التخطيط لضمان مستقبل أبنائهم على أن تسبقه مسؤولية الحكومات.
- الأثرياء عليهم دور تكافلي مهم في هذا المجال، ويجب تشجيعهم على دعم مؤسسات التزويج الخيرية.
- المؤسسات الخيرية والمنظمات الشبابية وسواها، عليها دور مهم لمساعدة الشباب ويجب أن لا تنسى هذا الدور.
اضف تعليق