q

لا يحتاج المراقب المتخصص، الى جهد كبير لكي يكتشف طبيعة الاعلام الغربي، وتعامله مع الدول الحاضنة للآثار الحضارية، ولا يبذل المتابع والمهتم، كثيرا من العناء في هذا المجال، حتى يصل الى الاستراتيجية الاعلامية التي استخدمها الغرب مع الشعوب والمجتمعات ذات الإرث الحضاري، ومن الغرابة بمكان، أن الغرب يتكلم كثيرا عن الحضارة الانسانية، وأهمية ووجوب الحفاظ على الارث الانساني عبر التاريخ، لأنه لا يمثل امة او دولة بعينها، إنما هو إرث انساني للجميع حتى أولئك القادمون إلينا من رحم المستقبل، لكن المتخصص الحصيف يستطيع أن يرى ويحدد التناقضات الواضحة بين أقوال الغرب وأفعاله، لاسيما في تعامله الاعلامي مع العراق وسوريا مثلا، وهما دولتان تضمان أهم المواقع الآثارية التي تعود لحضارات الانسان الأولى والراقية في الوقت نفسه.

التساؤل الذي يتناقله المعنيون وغيرهم هو، ترى ما سر هذا التعامل الاعلامي الغريب مع سوريا والعراق، ولماذا يشعر الغرب بالحسد ازاء هذا التاريخ الحضاري، كما يضح ذلك من سلوك واهداف وسائلة الاعلامية المختلفة، ثم لماذا نلاحظ أن الداعمين للغرب اعلاميا يلتقون معه في الاهداف والصفات نفسها؟، بمعنى أن الذي يقف مع مآرب واهداف الاعلام الغربي، هم أنفسهم يتبعون الى ماكنة اعلامية (لا نخفي نفسها)، تتأسس وتنشط في دول لا حضارة فيها على مستوى التاريخ، فضلا عن حاضرها البالغ الخواء، لذا يظهر لنا أن الدول التي لا تمتلك تاريخا حضاريا عميقا، تلتقي فيما بينها في الاهداف وإثارة الفتن، ضد الدول والشعوب التي تشكل حواضن تاريخية مشرقة للآثار والحضارات التي اسهمت بدفع البشرية خطوات الى الامام دائما وأبدا في طريق التقدم والتحضّر في الفكر والسلوك.

لهذا عندما نأتي لتشريح ومعرفة قواعد الاعلام الغربي وأساسياته، وطرق واساليب تعامله مع سوريا والعراق، فإننا لا شك سنلاحظ أن هذا الاعلام قائم على إثارة الفتن والاحتراب، ونشر البغضاء بين مكونات وأثنيات وأعراق الشعب السوري والعراقي ايضا، لذلك يركّز هذا الاعلام (المغرض) على أن اسباب الاضطرابات الامنية والسياسية القاسمة منذ سنوات في العراق وسوريا، ويحاول بل يستميت من أجل أن يظهر للجميع، بأن أسبابها ودوافعها طائفية وعرقية وما شابه، في حين أن الاخلاص للحقيقة في الاعلام وسواه، يستدعي القول في هذه القضية تحديدا، أن الاسباب التي تقف وراء موجة الاضطرابات المصطنعة بين مكونات المجتمع العراقي وفي المجتمع السوري ايضا، هو في طبيعته الحقيقية صراع بين الحرية والقمع، وهو ايضا صراع بين الشعب والاستبداد، وكذلك بين الحقوق والتجاوز عليها، لذلك لا يصح أن نسمي المحافظة على الحقوق بأنها فتن واضطرابات كما يحاول أن يفعل ذلك الاعلام الغربي، وانما نضال من اجل الحرية، علما أن الاعلام العربي في جانب منه، يتأثر بالاعلام الغربي ويجاريه، ويصوّر أن ما يحدث في العراق وسويا، إنما يعود الى الاسباب الطائفية والدينية والعرقية والاثنية وسواها، وهذا في الحقيقة تفسير مبيّت ينطوي على شبهات واضحة، الغرض منه تصوير أن ما يجري في هذين البلدين صراع لا علاقة له بالحقوق والكفاح ضد الاستبداد.

لذلك نحن في حاجة تامة لوضع النقاط على حروفها في هذا الصدد، إننا مطالبون بأن نسمي الفتن وحالات الاحتراب التي يدعمها الاعلام الغربي، ويسعى دائما لتأجيجها في سوريا والعراق، بأنها سياسات اعلامية مغرضة، ومخطَّط لها مسبقا، وانها تخدم اجندات سياسية دولية معروفة، ولسنا نغالي قط، إذا قلنا أن الغرب ينظر بعين الحسد لسوريا والعراق، كونهما يمتلكان إرثا حضاريا يشار له بالبنان على المستوى الانساني، خاصة ان امريكا (والغرب الاوربي) التي تتحكم اليوم بالعالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتسعى لعولمة غربية شاملة، من خلال سعيها الواضح لجعل القرن الراهن، قرناً ايلوجيا يهوية غربية خالصة، لا تمتلك عمقا تاريخيا، ولا إرثا حضاريا يغوص في أعماق الزمن، الامر الذي شكّل ولا يزال لها عقدة ونقطة ضعف، تدفعها للتخطيط الدائم، اعلاميا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا للنيل من الدول والشعوب ذات الارث الحضاري، وهذا يستدعي اثارة الفتن في هذه المناطق لتدمير الآثار.

وهذا بالضبط يفتقد له الاروبيون كونهم على المستوى الحضاري التاريخي لا يتمتعون بحضور واضح، وهذه تشكل لهما عقدة واضحة، ونقطة ضعف لا يختلف عليها اثنان، والغريب أن الذين يدعمون الغرب في هذه الاستراتيجية الاعلامية التخريبية، هم قنوات فضائية ومصادر اعلامية تابعة الى دول عربية لا حضارة لها على مستوى التاريخ أو الحاضر، ولذلك نجدها تصطف مع الغرب الذي ينظر بحساسية مفرطة، للحواضن الحضارية عبر التاريخ.

وهنا لابد أن نتساءل من يقف وراء جملة تدمير الآثار في نينوى العراقية، وفي تدمر السورية، وهل الحرب الطائفية هي السبب وراء هذا التدمير، أم أن هناك من يخطط بصورة فعلية من وراء الستار لكي تقوم عصابات هجينة، تجمعت من اصقاع الارض كافة، لكي تلتقي على اهداف واحدة، هي تدمير الآثار والحضارة في هذين البلدين، تنفذها عصابات ومافيات عالمية، تلتقي مع أعداء الانسانية، وترتبط بقوى عالمية وشبكات يسيل لعابها لكنوز الاثار التي تعود عليهم بأرباح هائلة.

لذلك فهي حملة اعلامية (ارهابية في ذات الوقت) مخطط لها مسبقا، ومن الواضح أن هناك دولا وقوى وجماعات تتمحور حولها، وتجمعها مع بعضها اهداف متقاربة، جعلتها تلجأ الى استخدام ماكنة اعلامية غربية مدعومة من بعض الدول العربية، يقوم عملها الاعلامي على تزييف الحقائق، وتصوير الوقائع بغير صورتها الحقيقية، الامر الذي يستدعي منا مواجهة هذه الحرب الاعلامية بأساليب مكافئة لها، والوقوف بالضد منها تماما، لتبصير الحكومات والساسة والمجتمعات المعنية كافة، بهذه الاهداف الخبيثة التي ترتكز على اثارة الفتن وقلب الحقائق، كون هذه الحملة الاعلامية والنهج الاعلامي الغربي، يُظهر غير ما يُبطِن للملأ في معظم نشاطاته الاعلامية الشرق أوسطية المشبوهة.

اضف تعليق