سؤال بسيط يمكن لكلّ إنسان أن يطرحَ على نفسه، لماذا خُلِقْتُ؟؟ لماذا جئتُ هذه الحياة، ما الهدف من وراءِ ذلك، هل أنا رقمٌ جديد إلى عدد الناس المخلوقين، أم هناك هدف من خَلْقي؟، كلّ التساؤلات تتمحوّر حول هذا المعنى، ما الهدف من خَلْقي؟؟...
سؤال بسيط يمكن لكلّ إنسان أن يطرحَ على نفسه، لماذا خُلِقْتُ؟؟ لماذا جئتُ هذه الحياة، ما الهدف من وراءِ ذلك، هل أنا رقمٌ جديد إلى عدد الناس المخلوقين، أم هناك هدف من خَلْقي؟، كلّ التساؤلات تتمحوّر حول هذا المعنى، ما الهدف من خَلْقي؟؟
الأجوبة سوف تتنوَّع وتتغير بحسب وعي الإنسان، ذكائه، ثقافتهِ، درجة إيمانه، وبحسب نوع الإجابة سوف نصل إلى مدى حرص الإنسان على انتهاز الفرص التي تسنح له أو تركها تضيع!، هل هذا يعني بأنّ الإنسان الذي يحرص على استثمار فرصهِ هو أكثر الناس معرفةً بالهدف من وراء خلُهِ و ولادته في الحياة؟
نعم أنا شخصيَاً أرى أن أكثر الناس فهما لمعنى وجودهم، هم أولئك الذين يستغلون فرصَهم بأقصى ما يستطيعون، وأنّ أولئك الذين يتعاملون مع الفرص بلا اهتمام أو بلامبالاة تامّة، هم أولئك الذين لا يعرفون الهدف من خَلْقهم، ولا يشعرون بجدوى حياتهم، لأنهُ ببساطة تامة نقول إنّ من يحرص على استثمار فرصهُ جيدا هو الإنسان الناجح وفق معايير الإنصاف والعدالة والمنافسة الشريفة.
زميلان في عملٍ واحد، يعيشان مستوىً معيشياً واحداً، أقربُ إلى الفقرِ، راتب شحيح، ضمان صحّي شبه معدوم، راتب ضئيل بالكاد يكفي لسدّ الرمق، فجأةً تلتفتُ السماء لهما ويحصلان بشكلٍ غير متوقَّع حتى في الأحلام على مبلغ كبير جداً قياسا بوضعهما الاجتماعي والمعيشي، لقد حصلا معاً في نفس اليوم بل في نفس الساعة، على مبلغ كبير على شكل قرض حكومي، وهذه فرصة كبيرة لنْ تتكرر في حياتهما!.
لنأتِ الآن ونرى أو نتابع كيف تصرَّف هذان الزميلان مع هذه الفرصة الكبيرة وغير المتوقَّعة، خصوصا أنها جاءت لهما في زمن كان الفقرُ فيه يهمنُ على 90% من الناس!، سوف أعرض هنا بأمانة كيف تصرّفَ هذان الزميلان مع فرصتهما المتشابهة، وسوف نعرض النتائج بمنتهى الأمانة أيضا.
الأول: شعرَ بأن هذا المبلغ ثروة هبطتْ عليه من السماء.
الثاني: كاد أن يفقد توازنه، وشعرَ أنهُ صارَ من أثرى الأثرياء بين ليلة وضحاها.
الأول: استوعب الصدمة، صدمة المبلغ الكبير، وبدا أكثر توازنا وراح يخطط كيف يستفيد من هذا المبلغ بصورة صحيحة، في واقع الحال هو يعاني من حرمان هائل، ملابسه بسيطة لا يجدّدها إلا بعد مرور سنوات عليها، أكلهُ بسيط أيضا يفتقر لأبسط شروط الطعام المثمر، السفر ملغيٌّ من قاموس حياته.
ومع ذلك حين حصل على هذا المبلغ الكبير لم يكن همّهُ تجديد الملبس ولا تناول الطعام في المطاعم الفخمة، كما أنه لم يفكّر بالسفر أو السياحة أو الترويح عن نفسه، وبعد مرور يوم واحد فقط على استلامه مبلغ القرض الكبير، بدأ يسأل عن طريقة استثمار الأموال ويدقّق ويحاول أقصى ما يمكن الاستفادة من تجارب أصحاب المحال والمشاريع التجارية.
إلى أن استقر على استثمار مبلغهِ في متجر لبيع الألبسة بكل أنواعها، ومع الوقت اكتشف إنه قام بخطوة صحيحة، وحرص أن يدير المتجر بنفسه واكتسب خبرات عديدة بدءاً من أسلوب التعامل مع الزبائن إلى طريقة عرض السلع، إلى التعامل مع مصادر السلع وتطوير علاقاته، وفي غضون سنة استطاع أن يفتح متجرا آخر، وثالث، ورابع وفي سنوات قليلة تضاعف مبلغ البداية إلى أضعاف الأضعاف.
الثاني: فقدَ توازنهُ وضيَّع الفرصة التي هبطت عليه من دون سابق توقّع، كيف ضيّعها؟
إنه عانى كزميله الأول من الحرمان، لا ملابس جيدة، لا طعام متميز، لا سفر، لا ترفيه، عانى من كل هذه النواقص، فبادر دون أي تفكير أو تأنٍ أو تردد إلى إشباع نواقصه من الملابس فاشترى أحدثها وأغلاها وبذّر كثيرا في هذا المجال لدرجة أنه اشترى عددا كبيرا من البدلات والقمصان والأحذية وكلها غالية الثمن وتكفي لعشرة أشخاص!!، وشمل هذا الإسراف السفر، والطعام ومعظم الملذّات الأخرى، فبذّر ما لا يصحّ أن يبذّره، وفي غضون أشهر ليست طويلة، ضاعت الفرصة واختفى المبلغ، وعتقتْ الملابس، واختفى الطعام اللذيذ وكل الملذات الأخرى، وعاد إلى ما كان عليه من فقر بعد أن بذّر المبلغ الكبير من دون أن يستثمره في أي شيء سوى الطعام والملابس والأحذية والقضايا الشكلية الاستهلاكية البحتة، ليكون مصيره الفقر مرة ثانية.
ما الفرق بين الاثنين الزميلين؟:
الأول: متوازن واعٍ ذكي مؤمن يعرف ويؤمن بأنه لم يجئْ إلى الحياة جزافا، وبعد أن استغنى ونافس في جني المال بشرف وعدالة، استطاع أن يحقق حلمهُ في دعم الكثير من العوائل الفقيرة التي خصصَّ لها رواتب شهرية تساعدها على سدّ بعض نواقصها، وغادر الفقر لكنه لم يغادر إنسانيته وإيمانه.
الثاني: لم يكن يعرف جدواه في الحياة، ولم يؤمن بوجوده، وعيهُ سطحي، همّهُ الطعام والشكليات، إيمانهُ ضعيف أيضا، أشبع غرائزه، لكنّه ضيَعَ فرصته التي لا تتكرر، صحيح إنه تخلّص من الفقر لشهور قليلة، لكنه بعد ذلك عاد إلى قعر الفقر والحرمان لأنه لم يكن واعياً ولا متوازنا، ولا يمتلك التفكير الصحيح الذي ينقذهُ من الفقر باستغلال جيد ومناسب للفرص.
الخلاصة: لا يوجد إنسان على هذه الأرض خُلِقَ جزافاً، وليس هناك إنسان بلا قدرات فكرية أو مادية، الكلّ سواسية في مزايا الخَلقِ، لكن الفارق بين الناجحين والفاشلين، واضح ومعروف لفظاً ومعنىً، وصعوبته تكمن في التطبيق، الفارق يكمن في استثمار الفرصة جيدا، أو هدرها بسبب قلّة الوعي والثقافة والذكاء والإيمان.
اضف تعليق