صنعت مظاهرات تشرين زخماً جديدا من الوعي الشعبي، وكانت بدايتهُ بشريحة الشباب، لتنتقل إلى الشرائح الأخرى من الشعب، ومن بينهم وربما أهمّم الطلاب، فهذه الشريحة بمختلف مراحلها وأعمارها، حين دخلت في المظاهرات، أعطتها زخماً حيويا، ليس من حيث الأعداد المليونية التي أضافتها للمتظاهرين، بل من حيث النوع والوعي...
صنعت مظاهرات تشرين زخماً جديدا من الوعي الشعبي، وكانت بدايتهُ بشريحة الشباب، لتنتقل إلى الشرائح الأخرى من الشعب، ومن بينهم وربما أهمّم (الطلاب)، فهذه الشريحة بمختلف مراحلها وأعمارها، حين دخلت في المظاهرات، أعطتها زخماً حيويا، ليس من حيث الأعداد المليونية التي أضافتها للمتظاهرين، بل من حيث النوع والوعي الشبابي المتوقّد، وقد استطلعنا آراء العديد من الطلبة لمعرفة أهدافهم ودوافع مشاركتهم في هذه الموجة الشعبية غير المسبوقة، فجاءت الإجابات نوعية تنمّ عن وعي طلّابي كبير للمطالب والأهداف.
منها على سبيل المثال، استعداد الطلبة للتضحية في سبيل ترسيخ العدالة الاجتماعية، وانتشال الوطن من الضياع، ووضع التعليم على السكة الصحيحة، ومحاسبة المفسدين ورؤوس الفساد، ومنع كل من تسبب في هدر ثروات العراقيين أو سرقها من قبل الذين شاركوا في تشكيل الحكومات السابقة، والإصرار على مطالب واضحة توحّدت عليها جميع آراء الطلبة بمختلف المراحل وفي مقدمتها، إقالة الحكومة، تغيير قانون الانتخابات والإتيان بقانون بديل منصف وعادل يعتمد نظام التصويت الفردي لضمان العدالة، وتغيير مفوضية الانتخابات بما يضمن منع حالات التزوير وتحكّم الأحزاب والكتل بنتائجها، وبعد إصدار القوانين المهمة الشروع بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات نزيهة قائمة على الشفافية وعدالة التصويت.
هذه الأهداف تم طرح، وبدأت تتحقق، بدءاً من استقالة حكومة رئيس الوزراء وتحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال وفقاً للدستور، وشروع مجلس النواب الفوري بتحقيق المطالب الأخرى، بدعم من المرجعية الدينية التي أصرّت على العدالة والإنصاف في الانتخاب، ومنع أي طرف خارجي دولي أو إقليمي من التدخل في رسم نتائج الانتخابات.
هذا يدل على أن المظاهرات قد حققت مطالبَ مهمة بدعم الطلاب ومضاعفة زخم التظاهر وضمان استمراره، مع وقوف المرجعية الدينية كصمام أمان وداعم أساسي لمطالب الشعب والمتظاهرين ومن بينهم الطلبة، مما أدى إلى دعوات صريحة ومتكررة تطالب بعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، حتى لا تضيع منهم سنة دراسية مهمة، خصوصا أن الكثير من أهداف العراقيين والشباب منهم على وجه الخصوص، بدأت تتحقق تباعا وفي وتيرة متصاعدة، ما يدل على تواصل قطف الثمار، وأن سقف المطالب لا يقبل العودة إلى الوراء.
فهل آن الأوان فعلا لعودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة؟؟
هذا السؤال طرحناه على عدد من المعنيين بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة، فجاءت الإجابات متباينة، تعبّر عن رؤية أو نظرة خاصة لكل مشارك فيها، لكنها بالنتيجة، تدل على كثير من الوعي والحرص على قطف ثمار جيدة من هذا الحراك الشعبي المتواصل.
مصطفى النصراوي طالب جامعي أجاب عن سؤالنا بالقول: أنا شخصيا أشعر بالفرح، وبيني وبين نفسي لم أكن أتوقع أن مظاهراتنا ستصل إلى هذه النتائج التي نعيشها اليوم، ولهذا السبب أظن أننا يمكن أن نعود إلى مقاعد الدراسة حتى لا تضيع علينا سنة دراسية مهمة، فأنا مثلا وصلت (بشقّ الأنفس) للمرحلة الدراسية الأخيرة، الرابعة، وكنت أنتظر نهايتها وقطف ثمار تعبي يوم بعد آخر بل ساعة بعد أخرى، وأعتقد أن ما تحقق حتى الآن من المظاهرات يسمح لنا بالعودة إلى الدراسة، لأنه لا مجال لعودة هذا الحراك إلى الصفر.
ناصر الفتلاوي طالب جامعي يرى العكس ويقول: يجب أن نواصل الضغط، ولا نعود الآن إلى الدراسة، وعلينا أن نكون أوفياء لدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل وطن حر مستقل وتعليم جيد، وأرى أننا نقترب كثيرا من النهايات الجيدة، وأن العودة أو التوقف في منتصف الطريق لا يخدم الوطن ولا يخدم الجميع، فيجب مواصلة المشاركة في المظاهرات بقوة وبنفس الزخم حتى نضمن النتائج التي بدأ من أجل تحقيقها هذا الحراك الذي جمع شرائح المجتمع كلها من دون استثناء.
الأستاذ أبو طيبة تدريسي في الدراسة المتوسطة يقول: فوجئنا باندفاع الطلبة إلى ساحات المظاهرات بهذه القوة والإصرار، وحين حاولت استفزاز بعض الطلبة بالقول لهم، إنكم تتظاهرون ليس من أجل تصحيح الأوضاع بل لأنكم تتهربون من الدراسة، فهبّ الجميع بوجهي قائلين، أنت على خطأ أستاذ، نحن نريد استعادة الوطن، ولا فائدة من الدراسة في ظل الظلم والفساد وهدر ثروات العراقيين!
أحد الأكاديميين، دكتوراه وأستاذ جامعي يصر بقوة على أن مقاعد الدراسة الجامعية لا يجب ولا يصح أن تبقى فارغة، فمن يريد أن يحقق أهدافا وطنية مهمة يجب عليه أن لا يضحي بأهداف وطنية مقابلة لها، فالعلم والتعليم ورفع مستوى طلبة العراق من الأهداف الوطنية الكبيرة، والكف عن التدريس والتعليم وعدم ملء مقاعد الدراسة يعني تضييع هدف وطني كبير، لذلك هناك تناقض كبير بين استعادة الوطن وتضييعه بسبب عدم انتظام الدوام في التعليم.
تبارك علي طالبة ابتدائية متفوقة، حين سألتها هل أنت راضية على عدم الدوام في المدرسة، قالت إنها حزينة بسبب توقّف الدوام، وإنها تريد العودة إلى مدرستها فورا، وأخذت تتساءل ببراءة، من يريد أن يتظاهر حبا بالوطن، عليه أن لا يغلق مدارسنا الابتدائية لأننا نريد أن ندرس ونتعلم ونحب المدرسة والدروس والدراسة.
هذه نماذج من المجتمع، كلٌ له رأيه المختلف حول قضية العودة إلى مقاعد الدراسة، ونرى أن جميع الآراء تنبع من حرص واضح على العراق حاضراً ومستقبلا، وإن اختلفت عن بعضها، لكنها بالنتيجة تبحث عن صالح العراقيين الذين يستحقون حياة أفضل، ودولة مدنية قادرة على حماية الحريات والحقوق وتحقيق العدالة للجميع من دون استثناء.
اضف تعليق