من الكلمات التي تتردد كثيرا في وسائل الاعلام وعلى لسان الكثير من السياسيين العراقيين دون معرفة لما تعنيه وما تدل عليه، المهم ان يتكلم السياسي في كل شيء ليكون العارف بكل شيء امام جمهور المشاهدين.
وهي قبل انتقالها الفج في لغة السياسيين من معناها الاصلي الى هذه المعاني المبتذلة الجديدة لها، تعني (ما يجب عمله) ، ولكن في سياق السياسة فانها تعني الدوافع التي وفي الأروقة السياسية من المشاع استخدامها بمثابة اتهام (عند القول مثلا بتنفيذ أجندة خارجية فيقصد العمل لصالح الخارج أو بتخطيط من دولة أجنبية) إلا أن لب معناها المجرد هو (جدول الأعمال) فلكل شخص ولكل منظمة أجندة خاصة.
للاجندة (وتترجم حرفيا، اجندا) وظيفة كما عرفها ماكسويل ماكومب ودونالد شاوعام 1972 تقول بالاصرار على قدرة وسائل الاعلام على تركيز انتباه الجمهور على حدث معين، من خلال اختيار المواضيع التي تصنع الحدث الراهن ومن خلال تراتبيته. من خلال تحديد الاجندة السياسية لاتقول الصحافة للناس ما (عليهم التفكير فيه) بل (في ماذا يجب التفكير).
الفرضية الأساسية لنظرية وضع الأجندة مفادها أن أثناء عملية صنع الأخبار تقوم وسائل الإعلام باختيار بعض القضايا من بين الكم الهائل الموجود على الساحة لتضعها في مستهل الأخبار، في الوقت الذي لا تكتسي فيه أهمية في أذهان الجمهور وجزء لا يتجزأ من أجندته القائمة، بعبارة أخرى تحديد الأجندة التقليدية (لأنه يوجد شكل حديث لها) يعني أن تأثير وسائل الإعلام في مجال تكوين الرأي العام يتم بتركيز انتباه الجمهور على من؟ وماذا يفكر؟
ويرجع بعض الباحثين في تاريخ وضع الأجندة إلى أن أول إشارة مباشرة إلى وظيفة الأجندة "ترتيب الأولويات" ظهرت عام 1958 في مقال "لنورتن لونج" إلا أن أفضل تصريح حول هذه الوظيفة ظهر لدى "برنارد كوهن " في كتابه الصحافة والسياسة الخارجية عام 1963.
إلا أن البعض يرجعها لـ "والتر ليبمان " الذي يرى أن وسائل الإعلام تساعد في بناء الصور الذهنية لدى الجماهير، وفي الكثير من الأحيان تقدم هذه الوسائل – بيئات زائفة – في عقول الجماهير وتعمل وسائل الإعلام على تكوين الرأي العام من خلال تقديم القضايا التي تهم المجتمع" وعند حديثه عن الاستخدامات الرمزية للسياسات أشار "ليبمان" إلى أن السياسات عبارة عن سلسة من الصورة الذهنية التي يتم نقلها من خلال وسائل الإعلام، وتكون هذه الصور الذهنية "بانوراما" متحركة تقع أحداثها في عالم لا يدركه معظم الجمهور العام".
وهناك نص مباشر لم يلتفت إليه الباحثون من قبل حول وظيفة وضع الأجندة حينما اعتبر "برنارد بيرلسون" 1948 في مقاله المعنون "الاتصالات والرأي العام" أن وسائل الإعلام تعد المسرح السياسي للمناظرات الجارية، ويرى أن هناك بعض الدلائل بأن المناقشات الخاصة حول المسائل السياسية تأخذ مؤشراتها من عرض وسائل الإعلام لهذه الرسائل، إذ أن الناس يتحدثون في السياسة متماشين في ذلك مع الخطوط التي ترسمها وسائل الإعلام... فوسائل الإعلام بهذا المعنى ترشد وتعلم الجمهور عما يتحدثون.
وتبعا لهذا النموذج فإن الجمهور لا يتعلم من وسائل الإعلام فحسب المسائل العامة والأمور الأخرى، ولكنه يتعلم كذلك كم تبلغ المسائل من أهمية تبعا للتأكيد الذي تلقاه من قبل وسائل الإعلام.
إن أحد المفاهيم الرئيسية في نظرية وضع الأجندة هو الاختيار الذي تقوم به وسائل الإعلام في عملية قبول أو رفض مفردة من المفردات الإخبارية، وهذا المفهوم كان قدا ابتكره كروت ليون سنة 1947 حول قرارات ربات البيوت بخصوص شراء مواد غذائية، حيث لاحظ أن تدفق المعلومات عبر بعض القنوات التي تحتوى على "مناطق بوابات"، بخصوص ما إذا كان يسمح للمعلومات أو السلع بالدخول، أو التواصل في القناة.
لكن الأصول النظرية الاولى تعود لدراسات وضع الأجندة إلى ما كتبه ليبمان عام 1922 عن: "دور وسائل الإعلام في إيجاد الصلة بين الأحدات التي تقع في العالم الخارجي والصور التي تنشأ في أذهاننا عن هذه الأحداث".
في عام 1992 كتب شو وماك كومبس أول دراسة نشرت عن وضع الأجندة: "تتسع المجالات البحثية لوضع الأجندة يوما بعد يوم، ويتضاعف التقدير العلمي لهذا التوجه البحثي نتيجة استكشافه للأدوار الفاعلة التي تمارسها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في حياتنا السياسية والاجتماعية" وقد تعمق الباحثون في اتجاهات بحثية نظرية ومنهجية جديدة خارج نطاق المفهوم الأول لوضع الأجندة الذي كان سائدا في السبعينات.
وإن أهم ما يميز هذه النظرية العلمية هو قدرتها المستمرة على توليد تساؤلات بحثية جديرة بالبحث واستكشاف مجالات وطرق جديدة، ومن هذا المنطلق تميزت نظرية وضع الأجندة بثلاث سمات أساسية هي:
- النمو المستمر للدراسات التطبيقية في مجال وضع الأجندة منذ أن بدأ الاهتمام بها حتى اليوم؛
- قدرتها على تحقيق التكامل بين عدد من المجالات البحثية الفرعية (الاتصال – السياسة – المجتمع)؛
- قدرتها على توليد قضايا بحثية وأساليب منهجية جديدة.
تعد نظرية وضع الأجندة من النظريات المتكاملة لاهتمامها بدراسة "الاتصال الشخصي إلى جانب الاتصال الجماهيري" فقد أكدت عديد الدراسات أن الاتصال الشخصي (المثقف العضوي) له دور مهم في بنية النظرية إذ يمكن أن يدعم أو ينافس وسائل الإعلام (الصحافة المكتوبة) في ترتيب أولويات الجمهور (الرأي العام)، بحيث يعزز تأثير هذه الوسائل بالنسبة للقضايا التي تتم تغطيتها بتوسع في وسائل الإعلام، بينما يمكن أن ينافس أولويات وسائل الإعلام فيما يتعلق بالقضايا التي تتم تغطيتها بشكل أقل في تلك الوسائل.
في أواخر التسعينات من القرن الماضي اهتم الباحثان (بروسيوس وويمان) "بالتكامل بين الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري وإعتبرا هذا التكامل فرضية أساسية في نظرية وضع الأجندة ونموذج إنتقال المعلومات على مرحلتين" وتم المزاوجة لقياس التأثير من جوانب عدة بين وسائل الإعلام وقادة الرأي والجمهور سعيا لتحقيق البعدين التفاعلي والتكاملي في نظرية وضع الأجندة لمعرفة من يؤثر في الآخر.
إن طبيعة عملية وضع الأجندة تقوم على الفرز والانتقاء والترشيح مما ينتج عنه بالضرورة إنقاص لعدد القضايا التي يشملها أي نظام أجندي فرعي، يقسم الباحث زهاو جاين صاحب نظرية المجموع الصفري لوضع الأجندة النظام العام لوضع الأجندة إلى النظم الفرعية الآتية:
1- أجندة جماعات المصالح: وهي تحظى بالشرعية في النظم الديمقراطية، خاصة مع تزايد مكانة الأحزاب السياسية من جانب وتزايد أهمية تكنولوجيا الاتصال من جانب آخر، ودفع تزايد عدد جماعات المصالح إلى استعمال المنافسة فيما بينها وإنزواء الجماعات الضعيفة التي لا تلبي احتياجات الجماهير.
2- أجندة وسائل الإعلام: انفجار المعلومات في هذا العصر لم يرتبط به زيادة في حجم القضايا والأولويات التي تثيرها وسائل الإعلام، فكم القضايا لم يتغير بعد، وقد أشارت كثرة دراسات الإعلام السياسي إلى أن الرأي العام في أي لحظة زمنية يتراوح اهتمامه ما بين خمس إلى ثماني قضايا كحد أقصى، ليبقى الاختلاف في نوع القضايا من حقبة زمنية إلى أخرى دون تغير في حجمها.
3- أجندة الجماهير: هناك ثلاثة عوامل تؤثر في حجم أجندة الجماهير: قيود الوقت، القدرة على الوصول لوسائل الإعلام والحالة النفسية، فقد يؤدي التعرض لمصدر معين إلى إنقاص التعرض لمصدر آخر، وهناك طاقة محدودة لتمثيل المعلومات بالإدراك والتذكر والانتقاء، فالنظام المعرفي للإنسان يتعامل مع المعلومات الزائدة عن طاقتة بإستراتيجيتين هما: التوقف أو الامتناع عن الحصول على المعلومات الجديدة، أو الاستمرار في الحصول على المعلومات الجديدة مع التقليل من أهميته المعلومات الحالية، كما تمارس القيود النفسية تأثيرها على المستوى العاطفي، فهناك قضايا تحتل موقعا متقدما في اهتمامات الفرد لحساسيتها وهناك اهتمامات إضافية، ويرتبط بزيادة الاهتمامات المركزية إنقاص المرء باهتماماته الهامشية والعكس صحيح.
4- أجندة النظام السياسي: تتحدد أجندة النظام السياسي اعتمادا على ذات القيود التي تؤثر في أجندة الجماهير، مع مراعاة الموارد المحدودة التي لا تستطيع إشباع كل الاحتياجات والمتطلبات المثارة، لتبقى الطاقة الاستيعابية المحدودة للجماهير هي التي قيدت النظام العام لوضع الأجندة، فهناك وعي ضمني لدى باحثي وضع الأجندة الأوائل لهذه القيود، تتضح معالمه من دراستهم لعدد محدود من القضايا في أجندة وسائل الإعلام والجماهير، إلا أن هذا المنهج لم يرض الباحثين عن اتجاه السببية، ولذا ظهر أسلوب تحليل السلسلة الزمنية الذي يسمح بتتبع علاقة السبب والنتيجة في قضية واحدة، وإن كان هذا المنهج يتجاهل نظرية المجموع الصفري لوضع الأجندة، لكن التحدي المفروض علينا الأخذ بمزايا تحليل السلسلة الزمنية ونظرية المجموع الصفري التي تتطلب دراسة أكثر من قضية، وهو ما اعتمدت عليه دراسة والتي انتهى فيها أن أجندة الجماهير تتبادل المواقع من وقت لآخر.
اضف تعليق