انه سؤال قديم – جديد، طالما تداوله مفكرون وكتاب وعلماء طيلة العقود الماضية، فكتبوا ونظروا مؤكدين الحاجة الى التغيير في الامة، فما كانت النتيجة؟
بالرغم من المظاهر البشعة الداعية الى التغيير، من قبيل الاستبداد والتبعية والتخلف والحرمان وغيرها، بيد أن الملاحظ من واقع الشعوب انها تعيش واقعها على كل حال، ولا تكترث كثيراً بالتغيير رغم حاجتها وما بينه المفكرون من أنه الخطوة الاولى للخلاص من تلكم المظاهر البشعة، لتكون الخطوة الثانية نحو الحياة الهانئة والسعيدة.
التغيير مع أقل التكاليف
بالقطع؛ لن يبقى الانسان على حال، فهو تواق للتحول والتطور ومشاهدة ما هو أجمل وأكمل، لكن كيف؟
بعض الشعوب – إن لم نقل كلها- تعد هذه المهمة من اختصاص الدولة ومؤسساتها، من حكومة وقضاء وجيش وأمن وخدمات، هؤلاء هم الذين يجب ان يرعوا التغيير والتطوير في البلاد، بدعوى امتلاكهم مصادر الثروة وتحكمهم بالقدرات البشرية والطبيعية، بوجود نظام الحكم، وبالتالي فهم ساسة البلاد والعباد. وهذا ما نلاحظه تقريباً في العراق –مثلاً- حيث ينتظر الناس إتمام المشاريع الخدمية، من تعبيد الشوارع وبناء المدارس والمستشفيات وإنارة الشوارع وتنظيفها و... الى آخر القائمة. أما المواطن، الفرد في المجتمع، فانه لا يجد الحاجة ضرورية لأن يشارك بنفسه في عملية تغيير، سواء في داخله او على صعيد الواقع الخارجي، لاسيما اذا كان قد بلغ مرتبة من الاكتفاء الذاتي من فرصة العمل والسكن الملائم والمورد المالي، او كان مكتفياً من الناحية العلمية ويرى نفسه قد بلغ مبلغ العلماء والعارفين.
هنالك رأي لأحد الباحثين في هذا الجانب، يشرح فيه السبب في تجنب الكثير من خوض العملية التغييرية بالأساس، بوجود هاجس الخسارة عليهم، لان التغيير بطبيعته يدعو الى إزالة الواقع القديم او تقويمه او إصلاحه، للحصول على صورة جديدة لواقع جديد، في حين الواقع القديم ، ورغم مساوئه، فانه اعتاد العيش فيه، ومن خلاله يحقق ما يريد. وبالنتيجة فان أي عملية تغيير حقيقي تعني تهديد المصالح الخاصة، واهتزاز البناء الذي بنوه، متمثلاً في العلاقات الاجتماعية او التعاملات الاقتصادية او العلاقات السياسية وغيرها.
من جهة اخرى، فان القبول بفكرة التغيير، تعني ايضاً، التعاطي الفكري مع الآخرين، وهذا امر ليس بالسهل والهيّن، لانه يتعلق بقناعات وافكار عديد افراد المجتمع، بمختلف مستوياتهم، فالذي بلغ مبلغاً من العلم والوجاهة الاجتماعية والمسؤولية السياسية، يكون أولى من غيره بالتأثير على الآخرين، وهذا بحد ذاته يتطلب جهداً ذهنياً وقوة اعصاب وطول أناة، كل هذا وغيره، ربما لا يتوفر إلا عند القليل.
المفتاح .. تحمّل المسؤولية
إن الحديث النبوي الشهير: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، من شأنه ان يكون تجسيداً لمفهوم المسؤولية الجماعية للانسان الفرد، وما يجب عليه فعله من اجل المجتمع والامة. ولنفترض اننا لا نطبق هذا الحديث، بالمثل الذي ضربه لنا نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، فان النتيجة لن تكون سوى التشرذم والتباعد ثم التحول الى لقمة سائغة في فم الاعداء، ومن يريدون بقاء البلاد الاسلامية على حالة التخلف والحرمان والتمزق. وإذن؛ فان القضية، لا تنحصر في اطار النظرية او الفكرة المجردة، بقدر ما هي مصيرية للجميع، فالتغيير الذي يحول الواقع الفاسد ويعالج التخلف والتبعية بالتطور والاكتفاء الذاتي، من شأنه ان يخلق اسباب القوة والمنعة في كل شعب وبلد، فضلاً عن الامة بأسرها. ولمن يستغني عن هذا الامر له ان يتوقع، بل ويتعامل مع القادم من المآسي والويلات، فالضعف على الصعيد العام، يتجلّى في هزائم منكرة وخسائر فادحة في الارواح والممتلكات، عندما تنشب الحروب العبثية وتظهر الديكتاتوريات بكل سهولة، ولن تزول إلا بزوال الآلاف من الناس عن وجه الحياة.
وفي طليعة الداعين الى الضرورة الحياتية للتغيير، هو سماحة المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي – قدس سره- في عديد مؤلفاته، وتأكيده على هذا المطلب في كلماته واحاديثه خلال تصديه لمشروعه الحضاري طيلة نصف قرن من الزمن، لذا فانه يرى في "ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين"، الخسارة الكبيرة في البقاء على الواقع الفاسد تتجلى في ثلاث أمور أساس في الامة: الاول؛ الدولة الواحدة، والثاني؛ الأخوة والعلاقات الاجتماعية بين ابناء الامة الواحدة، والثالث؛ القوانين العظيمة التي نعم بها ابناء الامة، في العهود الماضية، مثل الحريات الواسعة الفردية منها والعامة، والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة في توزيع الثروة وفرص العمل وطلب العلم وغيرها. أما اليوم، فان أشد ما يعانيه ابناء الامة في كل مكان، هي القوانين التي تشد بخناق الناس، على صعيد القضاء او الامن او ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
ولمن يلقي نظرة خاطفة على الاوضاع الراهنة التي تعصف بالمسلمين في كل مكان، وليس فقط في البلاد الاسلامية، تتجسد أمامه الخسارة الكبيرة جراء النكوص في التغيير الحقيقي والكبير، والابقاء على الواقع الموجود، حتى بات الكثير من المسلمين في العالم، في حيرة من أمرهم، بين الشعار الذي ترفعه "داعش" وهو "الدولة الاسلامية"، وما يتضمنه من إزالة الحدود ونبذ التمييز العرقي والقومي بين المسلمين، والمطالبة بالحقوق المهدورة، وبين الشعارات التي يرفعها الحكام المسلمون من الحفاظ على السلم والاستقرار وتحقيق الرفاهية. مثالنا في ذلك، ما قام به عناصر هذا التنظيم، في مخيم اليرموك مؤخراً بسحق العلم الفلسطيني، وتفضيل علمهم الخاص، بدعوى أن العلم الفلسطيني لم يصنع وطناً لأهله، بينما العلم الداعشي حقق سيطرة وهيمنة على الارض...! وبغض النظر عن المغالطة الواضحة، فان ظاهر الخطاب مؤثر على شريحة لا بأس بها من المسلمين، بل ربما يطغى على كل ما يفعله عناصر هذا التنظيم من جرائم بشعة ومريعة. وربما يمكن القول أنه لولا الدماء التي أراقها "داعش" والجرائم والانتهاكات، لكانت النظرة اليهم تختلف عما عليه الآن، بدليل أننا نشهد التفاعل والتضامن معهم بشكل ملحوظ وغير مسبوق، وهذا لم يكن لولا الفراغ الكبير الذي خلفه الواقع الفاسد العصيّ على التغيير القائم على الموازين الصحيحة والقيم الانسانية والسماوية المقدسة.
اضف تعليق