التخطيط بالمعنى الواضح له، هو ترتيب الأمور بالطريقة الصحيحة، بما يعود على المخطِّط بالفائدة المضمونة، وهو حاجة فردية جماعية، لا يمكن الاستغناء عنها، لمن يترقَّب النتائج الجيدة والمضمونة، فالفرد عندما لا يضع الخطوات اللازمة لتحقيق هدف معين، ويعتمد الارتجال والعشوائية بدلا من التخطيط، فإنه لا يضمن تحقيق الهدف بطريقة علمية (مع وجود نسبة الخطأ)، وينطبق هذا على الجماعة، الدول، المجتمعات، الشركات، التجمعات البشرية الساعية نحو هدف مشترك، وغالبا ما يرتبط التخطيط بالمستقبل، القريب والمنظور والبعيد، ويحتاجه الإنسان لتنظيم حاضره أيضا.
يرى أحد المختصين أن التخطيط "هو الوظيفة الأولى للإدارة والتي تسبق ما عداها من الوظائف وتقوم على عملية الاختيار بين البدائل لإجراءات العمل للمؤسسة ككل ولكل قسم أو جزء من أجزائها ولكل فرد من العاملين بها"، ويعترض آخرون على هذا الرأي أو التعريف بأنه يحصر التخطيط في الجانب الاداري فقط. وثمة تعريف آخر لـ (فايول/خبير في التخطيط) الذي يرى أن التخطيط هو " التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له فهو بعد النظر الذي يتجلى في القدرة على التنبؤ بالمستقبل والتحضير له بإعداد الخطة المناسبة ".
يتضح من هذا التعريف أن التخطيط يقوم على عملية التفكير والتقدير للمستقبل والنظر في البعد الزمني والتنبؤ بالمتغيرات ووضع الخطط لما يخفيه المستقبل من مفاجآت غير محسوبة. وهناك تعريف مختلف يقوم على قاعدة علمية، ترى أن التخطيط "هو الأسلوب العلمي الذي يتضمن حصر الموارد البشرية والمادية واستخدامها أكفا استخدام بطريقة علمية وعملية وإنسانية لسد احتياجات المؤسسة ".
ولكن هناك نوع آخر من التخطيط، لا ينحصر بمساحة زمنية محددة، أي انه تخطيط بعيد المدى، قائم من حيث التنفيذ على (سياسة النفس الطويل)، فقد ورد في الويكيبيديا أن التخطيط الاستراتيجي هو تخطيط بعيد المدى يأخذ في الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ويحدد القطاعات والشرائح السوقية المستهدفة وأسلوب المنافسة. ويجيب على سؤال "إلى أين نحن ذاهبون" آخذاً في الاعتبار الرؤية المستقبلية للشركة (أو الدولة) وعلاقة الارتباط والتكامل بين الأنشطة المختلفة بها والعلاقة بين المنظمة (الدولة) وبيئتها ويعتبر التخطيط الإستراتيجي أحد المكونات الأساسية للإدارة الإستراتيجية، ويختلف عن التخطيط التقليدي حيث يعتمد على التبصّر بالمستقبل وليس التنبؤ به فقط أو الاستعداد له.
لماذا نحتاج التخطيط البعيد؟
للوهلة الاولى تبدو الاجابة عن هذا السؤال بسيطة، أو واضحة ولا تحتاج لكثير من الذكاء، ولكن في حقيقة الامر يحتاج الافراد، الجماعات الادارية، الدول، الى سياسة التخطيط الاستراتيجي بعناية ودقة، ولا نغالي عندما نقول، أن مستقبل الامم والدول، وتقدمها وتطورها واستقرارها، قائم على مدى نجاحها في مجال (التخطيط بعيد المدى)، علما أن هذا النوع من التخطيط، لا يلغي الانواع الاخرى، المرحلية، أو الآنية.
بمعنى أكثر دقة، لا يوجد هناك تناقض او صراع بين مفهوميّ أو صيغتيّ التخطيط الاستراتيجي والتخطيط المرحلي، فعندما يكون هناك وضوح في الاهداف، سوف يصب التخطيط المرحلي وحتى الاني في صالح التخطيط بعيد المدى، حتى لو ظهر للآخرين أنه مختلف او متناقض معه، فأحيانا تستدعي الظروف بعض السياسات المرحلية المختلفة، وهو ما يطلق عليه المعنيون (بالتكتيك)، وغالبا ما يتعلق بسياسات الدول، او حتى الشركات في علاقاتها مع الاطراف الاخرى.
وعندما نعرّج على العراق، وطبيعة التعامل الحكومي مع هذا النوع من التخطيط، فإننا نلاحظ عدم اعطاء التخطيط الاستراتيجي ما يستحق من اهتمام، في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة وسواها، وهو امر يدعو للغرابة حقا، لاسيما اذا عرفنا أن قادة العراق في السياسة والاقتصاد، يعلنون ليل نهار، أنهم يريدون دولة عراقية قوية ومزدهرة، لكن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه مع حالة الاهمال المزمنة للتخطيط البعيد من لدن القادة وأصحاب القرار على نحو العموم، لا سيما اذا عرفنا أن المختصين وضعوا ملامح التخطيط الإستراتيجي منها:
- هو نظام متكامل يتم بشكل معتمد وبخطوات متعارف عليها.
- هو نظام لتحديد مسار المبادرة في المستقبل ويتضمن تحديد رسالتها وأهدافها والتصرفات اللازمة لتحقيق ذلك والجهود الموجهة لتخصيص الموارد.
- هو نظام يتم من خلاله تحديد مجالات تميز المبادرة في المستقبل وتحديد مجال أعمال وأنشطة المبادرة مستقبلاً.
- هو رد فعل لكل من نقاط القوة والضعف في أداء المبادرة والتهديدات والفرص الموجودة في البيئة وذلك لتطوير وتنمية مجالات التميز والتنافس المتاحة أمام المبادرة مستقبلاً.
- هو اسلوب عمل على كل المستويات ويحدد ويميز مساهمة كل مستوى ووظيفته.
- هو اسلوب تحديد العوائد والمزايا الاجتماعية والتنموية والخيرية في المبادرة.
فوائد وأهمية استثمار التخطيط
في الخلاصة، كل الشواهد والأدلة، تؤكد على وجود فوائد كبيرة، غالبا ما يعود بها التخطيط على أصحابه، أفرادا، شركات، أو دولا، من هنا تكمن أهميته وحاجة الجميع له، فهو كما يرى أصحاب التخصص وخبراء التخطيط:
- ضروري بسبب حالات التغير وعدم التأكد من النتائج أو الوثوق بالوصول إليها بصورة تامة، من هنا لابد أن تخطط الدول والمؤسسات والافراد من اجل الوصول إلى غاياتها وأهدافها.
- ثمة فائدة اخرى للتخطيط تدفع بالجهة المخططة، الدولة المؤسسة الفرد، الى انجاز ما تسعى إليه من خلال وضع الخطط المناسبة لأن من يضع الخطط يكون مجبر على التفكير دائما في الأهداف المنشودة.
- من فوائده ايضا توفير النفقات لأن عملية التخطيط ترتكز أساسا على الاستخدام الأمثل للوسائل المادية والمالية والبشرية بأكفأ وأقلّ التكاليف.
- وهناك ترابط وثيق بين التخطيط والرقابة، وهذا ما يقود الى نتائج مثلى، بسبب حضور الرقابة، ومتابعة دقة التخطيط في مراحل التنفيذ كافة.
- كذلك هناك فائدة اخرى، يعكسها التخطيط على أصحابه، تتعلق بقلّة المخاطر أثناء التنفيذ، بسبب وضع الخطوات الكفيلة لدرء الخطر مسبقا، وهذا يقلل بدوره من التكاليف، ويضمن نتائج جيدة.
- ومن مزايا التخطيط، العمل المشترك، والمتناغم بين الجميع، حيث الكل يعرف مهامه، ويقوم بها بطريقة لا تتناقض او تتضاد مع الاخر، فيستمر العمل منسجما متناغما كما مخطَّط له، علما يمكن ان يستوعب التخطيط حالات بديلة عند الطوارئ.
- يقلل التخطيط من المشاكل الى أدنى حد ممكن، على عكس ما يحدثه الارتجال والعمل العشوائي.
- واخيرا يساعد التخطيط على تحقيق عملية التواصل بين جميع المعنيين بالعمل، تساعد بدورها على تنظيم الاعمال، مع سهولة رصد الأخطاء ومحاسبة المسؤولين عنها.
اضف تعليق