يشكل الآخر والغير في المبادئ الإسلامية وجودا أساسيا حيث ينصب الكثير من الخطاب الإسلامي الوارد في كيفية التعامل الإيجابي مع الآخر، لان الإسلام دين للعالم جميعا لا يختص بفئة منعزلة متعصبة، حيث قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وما أرسلناك إلا كافة للناس. فالأسلوب الذي يعتمد الانغلاق والقطيعة مع الآخر لا يمثل الإسلام لان الإسلام كدين عالمي يمتلك مبادئ حيوية لايمكن ان تنسجم مع وضع التصادم والانغلاق الذاتي. وعن الامام علي(ع): ارض الناس بما ترضاه لنفسك تكن مسلما.
ويمكن فهم رؤية الدين الإسلامي لهذا الامر من خلال تعامله مع الآخر الأبعد وهم اهل الذمة والعهد من غير اتباع الدين الإسلامي، حيث وردت روايات كثيرة تحث المسلمين على احترام غير المسلم والحفاظ على حقوقهم، فقد قال رسول الله (ص): من ظلم معاهداً كنت خصمه. وقال (ص): من آذى ذميا فقد آذاني. ويقول الإمام علي بن الحسين(ع) في رسالة الحقوق: واما حق اهل الذمة ان تقبل منهم ما قبل عز وجل منهم، ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده وكفى ما جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة.
ويقول سير. ت. ارنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: ان القوة لم تكن عاملا حاسما في تحويل الناس إلى الإسلام فمحمد نفسه قد عقد حلفا مع بعض القبائل المسيحية واخذ على عاتقه حمايتهم ومنحهم الحرية في اقامة شعائرهم الدينية كما اتاح لرجال الكنيسة ان ينعموا بحقوقهم ونفوذهم.
ويقول آدم متز في كتابه تاريخ الحضارة الإسلامية: ان الكنائس والبيع ظلت في الدولة الإسلامية كأنها خارجة عن سلطان الحكومة معتمدة في ذلك على العهود وما أكسبتهم من حقوق وقضت الضرورة ان يعيش اليهود والنصارى بجانب المسلمين فأعان ذلك على خلق جو من التسامح لاتعرفه اوربا في القرون الوسطى كان اليهودي أو النصراني حرا ان يدين بدينه.
ومن روائع التاريخ الإسلامي في كيفية التعامل مع الآخر البعيد: ان عليا (ع) صاحب رجلا ذميا، فقال له الذمي: اين تريد يا عبد الله؟ قال: اريد الكوفة. فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه علي، فقال له الذمي: أليس زعمت تريد الكوفة! قال: بلى، فقال الذمي: فقد تركت الطريق، فقال: قد علمت، فقال له فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال: هذا من تمام حسن الصحبة ان يشيع الرجل صاحبه هنيهة إذا فارقه وكذلك أمر نبينا، فقال له هكذا، قال نعم، فقال له الذمي لا جرم انما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، وانا أشهدك اني على دينك فرجع الذمي الذي مع علي وقد اسلم.
وفي نموذج رائع آخر ذكر التاريخ ان يهوديا شكا علي بن أبى طالب للخليفة عمر، فقال عمر لعلي (ع): قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك، ففعل علي(ع) وعلى وجهه علامات التأثر فلما فصل عمر في القضية قال لعلي أكرهت يا علي ان تساوي خصمك؟ قال: لا، لكني تألمت ناديتني بكنيتي فلم تسو بيننا- الكنية تعني التعظيم- فخشيت ان يظن ان العدل ضاع بين المسلمين.
وقد امرنا الخطاب الإسلامي الوارد في القرآن والسنة بالحوار وان الحوار هو الطريق الافضل لتحقيق غايات الدين السامية، يقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) النحل125، فتقرر هذه الآية ان وظيفة المسلمين هي الحوار الحكيم والوعظ الحسن مع الآخر دون إصدار الأحكام عليهم واستخدام القوة والعنف ضدهم. ويقول تعالى: (ولا تجادلوا اهل الكتاب إلا بالتي هي احسن)العنكبوت46، وأيضا: (لكل امة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع إلى ربك انك لعلى هدى مستقيم وان جادلوك فقل الله اعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) الحج67.
ان الإسلام يعطي رؤية واضحة في الحفاظ على حقوق البعيد واحترام حريته، ولاشك ان هذا الامر يتأكد اكثر في الآخر القريب حيث الحقوق الدينية والاجتماعية والمشاركة الاجتماعية اوسع، فهل تبقى المقاطعة والتصادم علامة بارزة في سلوكنا اتجاه بعضنا البعض، ام نحرر سلوكا جديدا ينبعث من روح الإسلام وهديه، فنتلاقى مع الآخرين ونتواصل معهم ونوجد قواسم مشتركة عبر الحوار النقدي الموضوعي والخلق الإسلامي الرفيع في التواضع والاستشارة وسعة الصدر.
لاشك ان كل واحد منا لا يستطيع ان يدخل التاريخ الجديد نحو المستقبل لوحده لان ارادة الإنسان في التاريخ هي ارادة فرد متحدة مع ارادة الآخرين لتحقيق حياة مشتركة قائمة على الفعل المشترك والاحترام المتبادل للحريات والحقوق.
اضف تعليق